كانوا فى القديم يقولون "كلام فى الهواء" ليعبروا عن الأقوال التى لا تحقق شيئاً، ولا تلقى مجيباً، ثم تطور الأمر مع وسائل الاتصال الحديثة والتواصل الإلكترونى فصار إيداع الكلام فى الهواء أوثق طريقة لحفظه، وأسرعها انتشاراً. فى سوريا لا يحدث هذا، فالتغافل عن المجازر، والتعامى عن الكوارث صار "وسما وشارة"، وإذا كانت الحماسة – على أحسن الفروض- جعلت التحيز سمة أساسية ل"حكمة" الحكام العرب فى القديم، يجعلون خدهم موطئا، وشعرهم بوقا فربما تزول هذه الافتراضات أمام إنسانية تذبح وشعب يباد وقتل مجانى واغتيال بدم بارد، وتحريك لجيوش من حالة السكون التى " ترافقها"منذ حوالى نصف قرن. خرج الجيش من برودة الاستسلام إلى "حظيرة" الحرب. على الجيران والأهل والأصدقاء .النيران الصديقة تكتسب معنى وإيحاء- للأسف- جديد . دخل أول الوارثين إلى التاريخ من كونه أول من "خصخص" جيشا كاملا لحسابه الخاص. تجاوز الوريث أباه؛ فكل الناس "إخوان مسلمين"، و كل المدن السورية "حماة" . تطور سلبى بامتياز، ومع ذلك قد نتفهم تعاطفا من البعض أو دفاعا أعمى برغم كوننا قد فارقنا الثمانينات. ولا تستطيع أن تلوم بعض الشيوخ مثل محمد رمضان البوطي؛ فقد تعودنا من بعضهم مداهنة للحكام، وشاعت فتواهم بعدم الخروج الحكام مخافة "الفتنة"، علماء السوء ظاهرة قديمة، فلا تجد بعضهم من يقول: "وتلك نعمة تمنها على أن عبَّدت بنى إسرائيل"، وإنما يدجنون الشعوب ويضعون عمامة فوق الدبابة. ألوم الأدباء والكتاب والمفكرين بشكل خاص؛ إذ الحرية هى هدفهم الأساسي، والبحث عنها من مقتضيات الوجود نفسه فضلا عن كون "الإنسان" هو الهدف الأبرز للأدب. إنسانيا، يتصاغر الأدب واعتباراته، ولقمة العيش وذلتها، و"الاستقرار" المزعوم و"عجلته"أمام قطرة دم تراق بغير حق. كيف لا يقود المفكرون ثورة على الذئب الذى يقتات من دماء أهلهم،ثورة تقلب السحر على الساحر، ذلك الذى أخرج من "جرابه"سلفيين وثوريين واشتراكيين ورأسماليين وخونة ومتطرفين، "توافقوا كلهم على غاية واحدة.هكذا فجأة. ألوم الأدباء، إذ الحرية هى هدفهم والحرية لا تكتمل إلا فى عينى العبيد والسذج. الحرية مدى لا ينتهى وحلم لا يتحقق، والمثقف الحقيقى يبحث عن الأجمل، ويناوش السلطة -عموما-بطبعه، يقف على يسار النظام، ولا يتخيل تأطيرا للبشر يضعهم فى قوالب. كثير ممن كنا نتوهم إنسانيتهم من أدباء سوريا ومفكريها سقطوا فى التجربة، لم يحترموا تاريخهم الإبداعي، ولم يتسقون مع أنفسهم، ونكسوا على رؤوسهم، فاتبعوا حاكما ليس له من مؤهلات إلا القربى ممن نبش القبور، وأخرج الجثث تذروها الرياح بحجة أن تراب الوطن طاهر، يجب أن لا يضم هذه "النجاسات" من رفات الخونة. لقد هجروا"الحلاج" واختاروا دور" الشبلي"، وصاروا أبواقا كالعامة في"مأساة الحلاج":صفونا صفا صفا/ لأجهر صوتا والأطول/وضعوه فى الصف الأول/ذو الصوت الخافت والمتواني..../وضعوه فى الصف الثاني. االمثقف الحقيقى ليس لعبة أطفال يضغط عليها النظام فتصفق .