عام الثورات.. عام الفرح.. عام الحزن على الشهداء و الأموات.. عام الكرامة.. كلها وغيرها أسماء يمكن إطلاقها على 2011 الذى بدأ يلملم أوراقه ليسلمنا لعام جديد 2012، تاركنا لنا أحداثا لم يكن أحد يتخيل أننا سنراها فى عام واحد. 2011 الذى بدأ بسقوط أسطورة زين العابدين بن على فى تونس، وانتهى به المسار فى دمشق التى ينازع أهلها لإسقاط الأسد بجرائمه، كان وسيظل شاهدا على تاريخ جديد كتبه لأول مرة أشخاص عاديون وليس رؤساء أو قادة أو حتى النخبة بكل تفصيلاتها، أشخاص رفضوا الظلم فانقلبوا عليه. رحل 2011 لكنه سيظل قابعا فى ذاكرة التاريخ كونه العام الأكثر تأثيرا فى التاريخ الحديث، بل القديم كذلك، فهو العام الذى استأثر لنفسه بفصل وحيد من فصول السنة الأربعة وهو «الربيع» الذى اقترن اسمه بثورات الكرامة العربية، ومنح الفصول الثلاثة الأخرى إجازة، فربيع 2011 حمل معه رياح التغيير التى تلاطمتها أمواج الديكتاتوريات العربية إلى أن استطاعت التغلب على أربع منها «تونس ومصر وليبيا واليمن»، ومازالت تنازع وتبارز ديكتاتوريات أخرى تعيش على دماء الشهداء. لم يكن 2011 عام العرب فقط، وإنما هو عام كل دولة خرج أبناؤها ثائرين على الظلم والطغيان.. ظلم الحاكم أو ظلم القوى المستبد.. عام فلسطين التى بحثت عن حقها فى الوجود.. عام العراق الذى بدأ يتحرر رويدا رويدا من الاحتلال الامريكى.. عام بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا.. عامنا نحن. اليمن.. ثورة ناقصة لم يكن يتخيل الرئيس اليمنى على عبدالله صالح أن ينهى هذا العام بوصفه رئيسا شرفيا لليمن بعد أكثر من 33 عاما قضاها رئيسا، فبعد مراوغات ومظاهرات مضادة محاولا من خلالها وأد الثورة اليمنية الشبابية، انتهى المطاف إلى التوقيع فى 23 نوفمبر على المبادرة الخليجية فى المملكة العربية السعودية، لينقل صالح صلاحياته لنائبه عبدربه منصور هادى. كان صالح يظن أن يد الثورة بعيدة عنه إلى أن فوجئ فى 3 يونيو بقذائف تخترق قصره الرئاسى لتصيبه هو ومجموعة من وزرائه أثناء أدائهم صلاة الجمعة داخل مسجد النهرين بالقصر الرئاسى ونقل على أثرها إلى المملكة العربية السعودية للعلاج، وظل صالح فى الرياض لتلقى العلاج لأكثر من ثلاثة أشهر، عاد بعدها فى 23 سبتمبر إلى اليمن محاولا مرة أخرى وأد الثورة باللعب على وتيرة الطائفية، لكنه فشل مما زاد الضغوط الدولية والخليجية عليه، إلى أن اقتنع بأن الحل فى توقيع المبادرة الخليجية التى حمته من أى ملاحقات قضائية مستقبلية، وهو الأمر الذى لا يزال يلاقى رفضا من قطاعات من المعارضة اليمنية، التى قالت إنها لن تهدأ إلا بعد محاكمة صالح على جرائمه ضد شعبه. سوريا.. أسد لا يفهمة وشعب لن يهدأ مثل سابقيه لم يفهم الرئيس السورى بشار الأسد الرسالة جيدا، فسوريا من وجهة نظره الضيقة «ليست تونس أو مصر»، لكنها من وجهة نظر الثوار تستحق من هو أفضل من الأسد، تستحق الانقلاب على القبضة البوليسية الحديدية، والانتقال من الظلم إلى الحرية والنور. الرغبة فى الحرية والعيش كأى شعب حر هى الهدف الذى دفع السوريين للمرة الأولى منذ عشرات السنين للانقلاب على نظام الأسد، الذى اعتبر أن وصول «روبرت فورد»، السفير الأمريكى إلى دمشق فى يوم 16 يناير لتسلم مهام عمله سفيرا لبلاده،بعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية بين البلدين، هو نهاية المطاف، واستمر فى تضييق الخناق على شعبه الذى انتفض فى 17 مارس واتخذ من مدينة درعا مهدا لانتفاضته، مطالبا بإطلاق سراح المعتقلين، والحد من فساد رجال الأسد، وهو الأمر الذى قابلته قوات الأمن السورية، بعنف مفرط، امتد هذا العنف إلى يومنا هذا، فنظام الأسد لم يعبأ بأى تهديدات أو عقوبات دولية، حتى عندما انتفض العرب للمرة الاولى ضد دمشق وفرضوا عقوبات اقتصادية على سورية واشترطوا موافقة دمشق على بروتوكول زيارة المراقبين العرب، تلاعب الاسد بالعرب وظل يراوغهم إلى أن وقع نائب وزير الخارجية السورى فيصل مقداد على البروتوكول فى القاهرة فى 18 ديسمبر، ومع ذلك استمرت آلة الأسد الحربية فى حصد أرواح الشهداء السوريين. طيلة الثورة السورية كان الأسد ونظامه دائما متأخرين فى الفهم والاستجابة، فالشعب يطالبه بالحرية فيرد عليهم بتغيير حكومى هزيل، وعندما يطالبه بوقف المجازر يعدهم بإنهاء حالة الطوارئ، رغم أن الجيش يتعامل مع شعبه مثل العدو. ليبيا.. نهاية أسطورة ومصير مجهول بعد 41 عامًا من الحكم بالحديد والنار، انتهت أسطورة معمر القذافى، الذى فضل أن يواجه شعبه بالتوك توك فى بداية الثورة الليبية. القذافى الذى طالما وصف الثوار بالجرذان، أنهى حياته مثل الفأر المختبئ، فبعد أكثر من ثمانية أشهر من معارك الكر والفر بين كتائب القذافى والثوار المدعومين بصواريخ الناتو، أعلن ثوار ليبيا يوم 20 أكتوبر القبض على القذافى فى مسقط رأسه «سرت» الثوار عذبوه وقتلوه وعرضوا جثته وجثة نجله المعتصم فى ثلاجة خضار بمدينة مصراته لأكثر من ثلاثة أيام حتى يتشفى فيه كل الليبيين، قبل أن يقوموا بدفنه فى مكان مجهول فى الصحراء. الثورة الليبية انطلقت فى 17 فبراير باحتجاجات فى عدد من المدن الشرقية فى ليبيا، فى يوم 5 مارس أعلنوا عن تأسيس المجلس الوطنى الانتقالى بمدينة بنغازى، وتم تعيين مصطفى عبدالجليل رئيسا له، واستمر تبادل القتال بين مؤيدى ومعارضى القذافى. ورغم انتهاء أسطورة القذافى، إلا أن ليبيا مازالت حتى الان تواجه مصيرا مجهولا بعد نشوب صراعات بين أعضاء المجلس الانتقالى، بالإضافة إلى رغبة بعض القبائل فى الحصول على جزء من الكعكة الليبية، مما يهدد بتفجر الأوضاع قريبا إذا لم يتفق الليبيون على خريطة طريق واضحة المعالم فى 2012. تونس.. «فاتحة شهية الربيع العربى» الإجابة دائما «تونس»، تلك كانت الكلمة التى يرددها المصريون كلما أتاهم نبأ من تونس التى تستحق لقب فاتحة شهية الربيع العربى، بعدما فجر الشاب محمد البوعزيزى الثورة التونسية عندما أقدم على حرق نفسه فى 17ديسمبر 2010 أمام مقر ولاية سيدى بوزيد احتجاجاً على الأوضاع المعيشية بعد أن صادرت السلطات الأمنية عربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه.وبعد 18 يوما توفى البوعزيزى متأثرا بجراحه مما أدى إلى اندلاع الاحتجاجات مطالبة بإسقاط النظام. وفى 14 يناير ترك الرئيس التونسى زين العابدين بن على الحكم وهرب إلى السعودية وتولى محمد الغنوشى الحكم لمدة يوم واحد فقط، لتبدأ بعدها تونس مرحلة جديدة بدون حكم بن على البوليسى، ولتفتح شهية الدول العربية الأخرى لاستكمال ثورات الربيع العربى. فيما صدر أول حكم غيابى على الرئيس الهارب زين العابدين بن على يوم 28 يوليو بالسجن 16 عاما بعد إدانته بقضايا فساد واختلاس،كما صدر حكم على ابنته نسرين وصهره صخر الماطرى بالسجن 8 أعوام و16 عاما على التوالى فى قضايا فساد أيضا. وأجريت يوم 23 أكتوبر انتخابات المجلس التأسيسى التى أسفرت عن فوز حركة النهضة الإسلامية بالمركز الأول بحصولها على 90 مقعدا فى المجلس التأسيسى، وانطلقت أولى جلسات المجلس التأسيسى فى 23 نوفمبر بترديد النشيد الوطنى التونسى، وتلاوة الفاتحة على أرواح شهداء الثورة التونسية، وترأس طارق هميلة بوصفه أكبر الأعضاء سنًا الجلسة المنعقدة فى قصر باردو، مقر مجلس النواب السابق غرب العاصمة. وأدى المنصف المرزوقى، رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، فى 13 ديسمبر القسم الدستورى أمام المجلسى التأسيسى التونسى كرئيس لتونس. العراق.. الانسحاب بعد تسع سنوات من الاحتلال الذى شهد العديد من الوقائع المؤسفة، أنهت القوات الأمريكية انسحابها من العراق فى منتصف ديسمبر مخلفة وراءها آلاف القصص المأساوية التى مازال بعضها قيد التحقيق، لعل أبرزها واقعة تعذيب المعتقلين فى سجن أبوغريب. وبقدر ما كان الانسحاب الأمريكى من العراق الذى سبقه فى 22 مايو انسحاب آخر مجموعة من الجنود البريطانيين من العراق، واقعا سعيدا بالنسبة للعراقيين، إلا أنه فتح جراحا كثيرة أهمها حالة التهميش التى كانت تعانيه مكونات سياسية عراقية بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، خاصة المكون السنى. الانسحاب من العراق جاء تنفيذا للقرار الذى أعلنه الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى 21 أكتوبر بأن بقية الجنود الأمريكيين فى العراق سينسحبون فى نهاية 2011، مؤكدا «إن الحرب فى العراق قد انتهت بعد 9 أعوام»، وأوفى أوباما بوعده فى 15 ديسمبر عندما قام الجيش الأمريكى بإنهاء مراسم إنزال العلم الأمريكى فى بغداد ومحافظات العراق الأخرى، إيذانا بانتهاء الوجود الأمريكى فى العراق الذى استمر قرابة تسعة أعوام، وسلم القوات العراقية كل القواعد العسكرية التى كان يستخدمها. المغرب.. وأد سريع للثورة فى 20 فبراير قرر مجموعة من الشباب المغاربة تشكيل حركة معارضة لإشعال الشارع المغربى ضد ما سمّوه بالظلم، والرغبة فى التحول إلى نظام دستورى، وبالفعل بدأت الحركة فى حشد مظاهرات جالت فى عدد من المدن المغربية، لكن العاهل المغربى محمد السادس بدأ يفطن إلى خطورة الوضع فبدأ فى احتواء أحزاب المعارضة قبل أن تنضم لمظاهرات 20 فبراير، وأجرى الملك مجموعة من اللقاءات والحوارات مع القوى السياسية فى المغرب انتهت إلى الإعلان فى 18 يونيو عن إجراء تعديلات دستورية تمنح الأغلبية النيابية الحق فى تشكيل الحكومة. فى الأول من يوليو تم إجراء استفتاء على التعديلات الدستورية وسط مقاطعة المعارضة له، وانتهت نتيجة الاستفتاء إلى تصويت %98 من المشاركين بنعم على التعديلات الدستورية، وتبعه فى 25 نوفمبر إجراء أول انتخابات تشريعية فى ظل الدستور الجديد حقق فيها حزب العدالة والتنمية الإسلامى فوزا ساحقا بحصوله على 107 مقاعد من مقاعد البرلمان، ومنحه وفقا للدستور المغربى المعدل تشكيل الحكومة المغربية، وهو ما تحقق بتكليف ملك المغرب للأمين العام لحزب العدالة والتنمية محمد بن كيران بتشكيل الحكومة.