تعيش مصر فى سيولة سياسية وأمنية ويعيش على أرضها شعب قام بثورة ولم يعد يخاف. فى هذه الأجواء هناك محظور يأخذ مجراه على يد المجلس العسكرى الذى يدير المرحلة الانتقالية. لقد أدار المجلس العسكرى المرحلة الانتقالية باضطراب بالغ احتار معه الكثيرون فى تشخيص الحالة ما بين حسن النية المبنية على عدم الدراية أو سوء النية الذى يصل إلى قيادة الثورة المضادة سعيًا لبقاء نظام لم يسقط بالرغم من سقوط رأسه وعصابته المباشرة. تدخل مصر فى محظور يجب أن نتجنب بكل قوة الدخول فيه. تدفع مصر دفعًا على منزلق يتعمق فيه انقسام للشعب عندما تتحول القوات المسلحة إلى لاعب صاحب مصلحة بين اللاعبين. الخطر كله يأتى فى نشوء حالة ثأر مع القوات المسلحة التى تزج زجًا فى أعمال عنف ليست من مهامها ولا يجب أن تكون. قامت الثورة وهتف الثوار فى ميادين التحرير الجيش والشعب يد واحدة بكل فرحة، لقد أفسد المجلس العسكرى هذا الجو البناء الذى يمتلئ بالثقة باستطالة الفترة الانتقالية خارج مقتضيات المصلحة الوطنية، لقد وصلنا اليوم إلى وضع انقسم فيه الشعب على نفسه وعلى المجلس العسكرى ويزيد الوضع خطورة هذا الثأر الذى يشعل نارًا فى علاقة الشعب بقواته المسلحة. ندرك كشعب أن الديمقراطية هى الحل ولكنها يجب أن تكون الديمقراطية الكاملة كما تعرفها الدول المتقدمة، قامت الثورة من أجل هذا الهدف الجامع الذى يقوم علية كل هدف آخر. يثور السؤال عند كل صاحب رؤية حول علامات الطريق الذى يتمسك بسلوكه المجلس العسكرى، هل نصل إلى ديمقراطية كاملة أم منقوصة؟. لقد نادت الثورة بالتغيير الجذرى من أجل إصلاح ونهضة. لم نر تغييرًا يحدث إلا بضغط شعبى أو بحكم محكمة. تعمقت أزمة الثقة ولم نحقق استقرارًا سريعًا كنا فى أشد الحاجة له. احتفظنا بانفلات أمنى وامتدت المرحلة الانتقالية فى اضطراب وفراغ قيادة حتى تعمق الانقسام وفقدنا الاستقرار وعانى الشعب فى رزقه. نعرف جميعًا أن الديمقراطية الكاملة تعنى حكم الشعب لنفسه باختيار حكامه وممثليه الذين يراقبونهم اختيارًا حرًا بدون محددات مسبقة وضمانات محتمة. يثور هنا تساؤلات جدية جدا حول احتكار للحكم مسكوت عنه ومؤسسة ترسخت عندها عقيدة أنها فوق المؤسسات والمصدر الحقيقى من خلف الستار للسلطات. هناك ما تتناقله العقول والألسن. حول مؤسسات الجيش الاقتصادية من مصانع وشركات وحول ميزانية لا يعرف المجتمع المدنى عنها شيئا، تنضم إلى كل هذه المحاذير اتهامات تتراكم تدريجيًا وثأر ينبنى مع الأيام ومطالبات بالحساب يعلو صوتها. إن مصر تتمزق بين من هم ثوريين نزفوا دمًا واحتضنوا زملاء لهم لحظات استشهادهم من أجل رفعة مصر وكرامة المصريين وبين طرف آخر يصدمهم بعدم ثوريته المطلقة وقناعته التامة أنه كمجلس عسكرى إنما تسلم السلطة من يد السيد نائب رئيس الجمهورية ورئيس المخابرات السابق بتكليف واضح وهو الحفاظ على بقاء النظام. يقود المجلس العسكرى منذ ذلك التكليف جهود مباشرة وغير مباشرة لاستيعاب حدث الثورة. تلقى هذه الجهود كل المساندة من أجهزة الدولة المختصة من منظومة مخابرات ومباحث أمن دولة إلى إعلام حكومى موجة. لم تتسلم الثورة أى سلطة ونجحت الثورة المضادة فى الحفاظ على الهدف المركزى وهو استمرار احتكار الحكم من قبل مؤسسة متضامنة بأجنحتها وقادرة على حشد تأييد الشعب حول حصانها الأسود الذى سيخرج فى الجولة الأخيرة رافعا راية الاستقرار. لقد أضاع الاستقرار من تولوا الإدارة والتفوا حول تسليم السلطة فأطالوا المرحلة الانتقالية حتى انقسم الشعب على نفسه وعلى المجلس العسكرى.