نشرت رئاسة الجمهورية العراقية، اليوم الأحد، مقالا للرئيس العراقى برهم صالح، بمناسبة مئوية الدولة العراقية، مؤكدا مرور 100 عام على العراق كانت حافلة بالمنعطفات التاريخية، حيث شهدت مراحل العراق التأسيسية بواكير الحركة الوطنية الحرة، وأسس التنمية الاقتصادية والإدارة والحراك السياسي المدني وتطوير نُظم الصحة والتعليم والثقافة والمساواة بين العراقيين بتنوع أطيافهم، ومنح المرأة دوراً ريادياً في الحياة العامة، ما جعل العراق في طليعة دول المنطقة ومركزاً للإبداع الفكري والحضاري مستنيراً بإرثه التاريخي، حيث وادي الرافدين أعرق الحضارات التي عرفتها البشرية. ولفت برهم صالح إلى أن المراحل اللاحقة لم تكن خالية من التصدعات والانتكاسات، فعصفت بشعبهِ المآسي، حروب واضطهاد وحصار وصولاً لاستباحة الإرهاب لمُدننا، موضحا أن أكبر الدروس المُستقاة من مئوية الدولة العراقية هو الحاجة المُلحّة للحكم الرشيد، فرغم موارد البلد الطبيعية الغنية وطاقاته البشرية الفذة وموقعه الجغرافي في قلب المنطقة، لم يجلب كل ذلك السلام الدائم والعيش الرغيد لمواطنيه. وأوضح أن أحد أكبر تحديات الحكم الرشيد، هى الخلل البنيوى فى منظومة الحكم بعد العام 2003، فهي لا تفي بمتطلبات العراقيين، ولا جدال في حاجتها لإصلاح حقيقي وجذري، وما تحقق بعد عام 2003 لا يمكن الاستخفاف به، إذ تعاقبت عليه ست حكومات وخمسَة مجالس نيابية بشكل سلمي، مؤكدا أن ترسيخ الحكم الرشيد، يبدأ باستعادة ثقة الشعب العراقى في النظام السياسي، وإنهاء التجاوز على الدولة وإضعافها واختراقها وانتهاك سيادتها. وتابع الرئيس العراقى "اليوم، ونحنُ على أعتاب استحقاق وطني مهم بتشكيل حكومة جديدة يجب أن تكون مُقتدرة، نجد من الضروري الانطلاق نحو عقد سياسي واجتماعي جديد ضامن للسلم الأهلي ترسيخا للحكم الرشيد، يقوم على مُراجعة موضوعية لأخطاء وتجارب الماضي." وأوضح أن إشكالية العلاقة الكردية مع بغداد والتي رافقت بواكير تأسيس الدولة العراقية لا تزال قائمة حتى اليوم، ولا بد من حوار جدي في بغداد يضمن شراكة حقيقية عبر حلول حاسمة تخدم جميع العراقيين من البصرة إلى بغداد إلى النجف والأنبار والموصل وإلى كردستان في أربيل والسليمانية. وشدد على أنه من الملهم حقاً أن نرى العراقيين، رغم الأزمات وهجمات الإرهاب والعنف، يرتضون الانتخابات وسيلة لحسم مشاكلهم لا الحرب والاقتتال، ولكن أيضا لا يمكن ان نتجاهل تراجع الإقبال على المشاركة في الانتخابات، فالعملية الانتخابية في نهاية المطاف ليست هدفاً بحد ذاته، بل المسار السلمي والضامن لمشاركة واسعة للعراقيين في تجديد خياراتهم وتحقيق تطلعاتهم في حكم رشيد. وأشار إلى أن ظاهرة الفساد الخطيرة، هي الأخرى تُمثل عائقاً أمام الحكم الرشيد، فهذه الآفة الخطيرة مُرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعنف والإرهاب وتغذية الانقسامات وتهديد السلم المجتمعي والتأثير على تكافئ الفرص للعراقيين، ما يتطلب وقفة جادة وحاسمة وحازمة مُشتركة، للمؤسسات الرسمية والفعاليات الاجتماعية والمدنية ضد الفساد، فهي معركة وطنية لن يصلح وضع ليبيا دون الانتصار فيها، تقومُ على ضرب منابع الفساد واسترداد ما تم نهبه وتهريبه. وأكد أن المرحلة المُقبلة يجب أن تعمل على تعديلات دستورية لبنود أثبتت الممارسة السياسية مسؤوليتها عن أزماتٍ مُستحكِمة تقف عائقاً أمام تطور العملية السياسية، ولا بد من ثورة تشريعات، بما يحفظ الثوابت، فالتحولات الكبرى التي شهدها البلد بقيت أسيرة منظومة قانونية لم تواكب التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كقانون العقوبات. ولفت إلى وجود تحدي يتمثل في تحقيق التحول الاقتصادي، لأنه من الخطير استمرار اقتصاد العراق الريعي غير المُستدام معتمداً على النفط بأكثر من 90%، إذ ان تنامي مؤشرات تراجع الطلب على النفط وتحوّل العالم إلى الطاقة النظيفة سينسحب على تراجع إيرادات اقتصاد العراق المالية عاجلا أم آجلا. وأشار إلى أن أحد المآخذ على تاريخ العراق المُعاصر، عدم استفادته من موقعه الجغرافي في قلب المنطقة، انسحبت أزماته الداخلية نحو تأزيم المنطقة بحروب ونزاعات عبثية مع الجيران، وأدت لانهيار المنظومة الإقليمية وسيطرت عليها الاستقطابات والانقسامات التي لم تجلب السلام المنشود، والكل بات متضرر ولا فائز فيها، داعيا لتعزيز السياسة الخارجية المرتكزة بالنأي عن سياسة المحاور والصراعات، وبناء علاقات متوازنة مع الجميع، فالعراق الذي كان عنواناً للتنازع يجب أن يكون عنواناً لتلاقي مصالح المنطقة التي من مصلحتها أيضا عودة العراق لدوره المحوري، وإنهاء تنافسات الآخرين على أرضه، فعلى أرض العراق تُحسم التوازنات، وفي بغداد تلتقي الثقافات حيث عاصمة الحضارة ومركز التنوع والتسامح. وأوضح أن عراق الدولة في مئويتها تواجه تحديات جسيمة واستحقاقات كبيرة، فالتجاوز على الدولة وانتهاك سيادتها واستباحة هيبتها مبعث مشاكل العراق، بل المنطقة، والعراق القوي المستقر بسيادة كاملة، يعيش في أمن وسلام مع شعبه وجيرانه، هو ما يجب أن يكون عليه، دولة مستندة إلى الدستور، قوية راعية لا قامعة، خادمة للشعب وقادرة على فرض القانون واحترام حقوق الإنسان وترسيخ مبدأ المواطنة ودعم نظامه التعليمي وتطويره.