المكاسب الحقيقية في العراق برهم صالح في الوقت الذي تمر علينا الذكرى الخامسة لسقوط نظام صدام، يكون من المهم القاء الضوء على المسيرة التي قطعناها حتى الان. فقد وفرت لنا الحرية الفرصة لبناء دولة جديدة قائمة على حكم القانون والمبادئ الديمقراطية. وعلى خلاف ما كان في الماضي، فإن هذا العراق سوف يتم بناؤه وفقا لهويته العرقية والدينية المتنوعة. وهذا التعهد لم يتم تحقيقه بعد. وتم ارتكاب اخطاء, وقليل من العراقيين يشكون فإن اعادة البناء السياسي والاقتصادي كان يمكن التعاطي معها بشكل افضل. مع ذلك وبرغم كل الصعاب، انهت العراق عامها الخامس من الحرية بتحسينات ملموسة - ويرجع الفضل في ذلك إلى الخطوات المتشابكة بشأن الامن والاقتصاد والمصالحة الوطنية. كان التحول الى الحرية مؤلما بشكل غير عادي بالنسبة للعراقيين والاميركيين على حد سواء. حيث تم على الفور تحويل فورة التحرر إلى الفوضى في النهب والسلب ثم إلى اعصار من الارهاب والطائفية. وفي الوقت الذي يعاني فيه العراقيون من الاحباط، قلت التهديدات بالمقارنة بالفظائع التي كانوا هم والمنطقة يتعرضون لها خلال حكم صدام حسين الاستبدادي. عندما حصلنا على سيادتنا في يونيو 2004، لم يكن لقوات الامن العراقية اي وجود تقريبا. اما اليوم فلدينا قوات امن قوامها 600 الف فرد والعراقيون مسئولون بشكل رئيسي عن نصف محافظات العراق ال18. ومن خلال تحسين قدرات قوات الامن العراقية ومن خلال "الزيادة" في قوات التحالف والاهم من ذلك انه من خلال الدعم من التجمعات المحلية العراقية فإن العنف الذي يعرقل التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي قد انحسر بشكل ملموس. وصارت الانبار المحافظة التي كان قد تم خسارتها كلية لصالح الارهابيين فيما قبل، صارت الان محرمة عليهم الى حد كبير. وبنفس الشكل فإن بغداد لم تعد ساحة لبحور الدم الطائفية. وصار تنظيم القاعدة أس الفساد في العراق والمنطقة في حالة فرار, حيث على الرغم ان القاعدة لا تزال تمثل تهديدا كبيرا لكنها الان تقاتل من اجل البقاء وليس من اجل الفوز. ويمكن ان يصبح صد الهجوم الذي قام به العراقيون بمعونة التحالف بداية لهزيمة القاعدة في انحاء العالم الاسلامي. لقد مكن وضع الارهابيين والمسلحين في الوضع الدفاعي من تحقيق نوع من التقدم الاقتصادي والكفاءة في الحكم، حيث نجحنا في خفض التضخم من 36% في نهاية 2006 إلى 14% هذا الشهر. ويمول العراق حاليا تقريبا كل اعادة الاعمار فيه ونصيب الاسد من نفقات قوات امنة. وأداء الميزانية يتحسن: في 2006 انفقت الحكومة 24% فقط من ميزانية استثمارها بينما في 2007 زاد هذا الانفاق الى 63% وفي طريقه الى زيادة اكبر من ذلك هذا العام. ووصل نصيب الفرد من الدخل القومي الذي كان يعادل 465 دولارا في 2003 الى 2100 في 2007. وفي هذا الاسبوع وافق مجلس الوزراء على خطط بميزانية اضافية قدرها 5 بلايين دولار من اجل تمويل برنامج متسرع للمرافق العامة الرئيسية. وحال موافقة البرلمان عليه فإن ذلك سوف يتم اضافته إلى ال14 بليون دولار المخصصة بالفعل للاستثمار هذا العام. زد على ذلك ان معدل النمو الاقتصادي من المتوقع له ان يصل إلى 7% هذا العام. المحزن ان سياستنا لا تسير بنفس المعدل. حيث حققت بغداد الكثير لكنه غير كاف. فقد اعتمدنا قوانين اساسية للمصالحة الوطنية. وصوت البرلمان على قوانين تتعلق بالمعاشات واجتثاث البعثيين والعفو والميزانية والصلاحيات الاقليمية للانتخابات التي ستجري في وقت لاحق هذا العام. تتفاقم التحديات السياسية في العراق بسبب النزاعات بين وداخل الشركاء في الائتلاف الحاكم. وربما تكون المواجهة الاخيرة للحكومة مع العصابات المسلحة والميليشيات ولا سيما في البصرة قد غيرت ذلك التصور. فقد اظهرت الحكومة قيادة وعزما على التصدي للخارجين على القانون بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية. قليل هم الذين يدركون ان الساسة من كل الطوائف والجماعات العرقية يتجمعون من اجل الحكومة. واذا ادرناها بشكل جيد، فاننا نستطيع ان نبني على ذلك الزخم من الوحدة الوطنية في حل المشاكل السياسية التي كانت قد شكلت الحكم في الاشهر الاخيرة. وكما هو مطلوب من بغداد بذل مزيد من الجهد، كذلك الحال بالنسبة للاخرين في المنطقة والمجتمع الدولي. فتعقيدات العراق، المجتمع المكلوم بعقود من الحكم الاستبدادي والذي دمرته الحروب والعقوبات، يتم تفاقمها بشكل كبير بسبب التدخلات الاقليمية والدولية. الان حان الوقت لجيران العراق لدعم حكومة العراق والتسويات السياسية التي تم التوصل لها في بغداد. ويتعين وقف تدخلهم في الشئون الداخلية للعراق. وبالنسبة للخطاب السياسي المعادي تماما لاميركا في الشرق الاوسط، يجب على جيراننا الاعتراف بانه سيكون الوضع كارثيا بالنسبة للعراق والمنطقة والعالم اذا انسحبت قوات التحالف قبل ان يستطيع العراقيون تحقيق امنهم بالشكل المناسب. وفي الوقت الذي نسعى فيه الى توسيع قاعدة الدعم الدولي لنا، سوف تبقى علاقتنا مع الولاياتالمتحدة محورية بالنسبة لاستراتيجيتنا. فما كانت مكاسبنا ممكنة لولا الدعم الاميركي، حيث ضحى اكثر من 4 الاف اميركي بأرواحهم من اجل حرية 26 مليون عراقي. وهذا دين نعترف به بكل تواضع وعرفان بالجميل. ومن اجل خاطر هؤلاء الاميركيين الشجعان وعشرات الالاف من زملائهم العراقيين الذين ضحوا بأرواحهم من اجل عراق افضل فإن علينا ان نعمل بشكل افضل. قبل سنة من الان كان كثيرون يرغبون في التسليم بالهزيمة في الانبار. اما اليوم، فقد تم استعادة الانبار والقاعدة في حالة فرار. وتوفر الوحدة العراقية في مواجهة الخارجين على القانون في البصرة الامل بأننا نستطيع تجاوز الانقسام الطائفي. وهذه مقاييس مهمة ويجب ان يتم الاعتراف بها بوصفها تأكيدا جديرا بالثقة ان النجاح ممكن في العراق. نشر في صحيفة " لوس انجلوس تايمز - واشنطن بوست " ونقل من صحيفة " الوطن العمانية " 16/4/2008