قال الدكتور محمود أبو زيد رئيس المجلس العربى للمياه، أنه لم نشهد على مدار التاريخ القريب "عالماً" أكثر ترابطاً في أنواع التحديات التي يواجهها كما شهدنا في هذا القرن، كذلك لم يشهد هذا التاريخ فجوة أكثر عمقاً بين مستوى التحّديات العالمية ومدى التعاون العالمي "الفعلي" المطلوب لمواجهة هذه التحديات ، مما عليه هذه الفجوة الآن. أضاف أبو زيد فى كلمته خلال جلسة التعاون في مجال المياه المشتركة بالمنتدى العربى الخامس للمياه بدبى، أن التعاون المشترك في مجال المياه العابرة للحدود أحد أهم العناصر المكونة لتلك الفجوة. أشار إلى أنه فى ضوء الأحداث العالمية الأخيرة، وما شهدناه على مدار العامين السابقين من كوارث بيولوجية عظيمة كادت أن تطيح باقتصاديات الدول، أصبح مما لا يدعو للشك أننا في أمس الحاجة اليوم وأكثر بكثير مما سبق الى آليات قويّة ومتقدمة لتعزيز الأمن المائي العالمي للوصول بالأجيال المقبلة إلى تنمية اقتصادية واجتماعية وبيئية مستدامة، مما يستدعي تفعيل سبل التعاون العالمي من أجل تحقيق الاستدامة البيئية الطبيعية في مختلف أرجاء العالم وخاصة "عالمنا العربي" بطريقة تصون إنسانيتنا وكرامتنا و تضمن سلامة وأمن شعوبنا. وقال إن المنطقة العربية من بين أكثر المناطق معاناةً لشحّ المياه في العالم، إذ يعيش ما يقرب من 362 مليون شخص في المنطقة في ظل شحّ مائي إلى شحّ مائي مطلق، ولقد باتت المياه وندرتها تشكلان تهديدات "أمنية جادة ومثيرة للقلق" في عالمنا العربي الذي يتنامى فيه عدد السكان بوتيرة عالية ومتسارعة والذين يواجهون جميعاً وعلى حّد السواء الأخطار الناجمة عن ندرة المياه والعجز المائي الشديد. ومما يزيد من حدة الأخطار المتعلقة بندرة المياه هو أن أكثر من نصف مصادر المياه المتجددة في المنطقة تنبع من خارجها، مما يفاقم من حدة التوترات ويدعم اضطراب الاستقرار القائم حين يتم التمعن في الشق السياسي للمياه المشتركة والتي قد ينظر اليها أيضاً كمضاعف للتهديدات".
وتتشارك كافة الدول العربية تقريباً مع دول مجاورة في المياه ، وتشمل الأنهار المشتركة الرئيسية نهر النيل، ونهر السنغال، ودجلة والفرات، بجانب العديد من الأنهار الصغيرة المشتركة بين الدول العربية ومنها نهر مجردة، ونهري الأردن والعاصي، أضف إلى ذلك أن المصادر المائية لبعض الدول العربية تسيطر عليها قوى الاحتلال، ومنها المصادر المائية لدولة فلسطين، ومرتفعات الجولان السورية، وجنوب لبنان، مما يخلق ندرة مياه مفروضة من القوات العسكرية، تعيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية لسكان هذه الدول. وقال: تتفاقم ندرة المياه نتيجة المنافسة الحالية على استخدامات المياه بما فيها الاستهلاك البشري وإنتاج الغذاء والري والتعدين والصناعة وإنتاج الطاقة والخدمات البيئية. مما يدق ناقوس الخطر في ضوء محدودية مصادر المياه في المنطقة العربية بطبيعتها والاختلالات المتوقعة في مختلف الدول بما يشمل أيضاً انخفاض منسوب المياه المتسارع في العديد من مستودعات المياه الجوفية. وأضاف أن العجز المرّشح للارتفاع يتفاقم عندما تؤدى الآثار الغير المتوقعة للتغير المناخي الى تناقص في رقعة الأراضي الزراعية وما يقترن بها من مظاهر مناخية متطرفة تتمثل في التصحر المقترن بارتفاع نوبات الجفاف والفيضانات والسيول وغيرها من المظاهر المتطرفة التي باتت تضرب العديد من العواصم العربية. هذا ويضاف الى ما تم ذكره آثار عدم الاستقرار السياسي في المنطقة ومنها الاحتلال والنزاع وآثارهما على قدرة الناس على الحصول على خدمات المياه والصرف الصحي. حيث افتقر ما يزيد عن 51 مليون شخص في المنطقة العربية إلى خدمات مياه الشرب الأساسي في عام 2015 نتيجة للنزاعات. وقال إن التعاون بين الدول العربية فى المنطقة وبين جيرانهم يجب أن يتم على أساس المصلحة المشتركة، والتي تتطلب أن نتحد معاً لإيجاد وتفعيل سبل الترويج لمزيد من التعاون والتكامل الدولي في مجال دبلوماسية المياه والعمل على تبادل المنافع من خلال الحوار والتفاوض ومن خلال وضع "الإنسان" في مركز قضايا المياه، بحيث يتم إدماج جميع أطياف المجتمع وأصحاب المصلحة بما في ذلك النساء والشباب ومن هم أكثر تعرضاً للمخاطر للمطالبة بحقوقهم في صناعة القرار وإدارة مواردهم المائية، معتمدين جميعاً على آليات جديدة لحل النزاعات ورؤية جديدة تضع المياه العابره للحدود كأحد أهم ركائز السلام والاستقرار اللازمين من أجل تحقيق تنمية مستدامة للشعوب.
أوضح من هنا يأتي دور منظمات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية و التي يجب ان تلعب دوراً رئيسياً في دعم الجهود المبذولة من قبل الحكومات بحيث تشمل هذه الجهود التقريب في وجهات النظر وبناء الشراكات مع المؤسسات الإقليمية والدولية والعمل على جمع الفرقاء على مائدة مفاوضات واحدة بحيث يتجاوزوا محدودية النظر للخلافات الفنية والسياسية، من أجل أن يعملوا على بناء نظرة شمولية "إنسانية" موسعة تشمل الجميع، وتدعم مفهوم "الحق في المياه" لكل فرد من أفراد المجتمع، وتسعى الى توضيح العلاقة التكافلية بين الأمن المائي والتنمية المستدامة. وعلى دول المنطقة مسؤولية كبيرة في وضع الأطر القانونية التي تأخذ في الاعتبار رؤية مشتركة لشراكة "عادلة" فى المياه، من خلال فهم حقيقي للظروف النُظُمية التي تعيق التعاون، وتؤثر على الأمن المائي على مستويات مختلفة، ولذا فإنها تتطلب اتباع نَهجٍ مرن يقوم على مبادئ تسمو فوق التحليل وتحقيق الانتصارات الفردية الوهمية. وقال يتعين على حكوماتنا العربية تعزيز التعاون فى كافة نواحي التنمية من خلال بناء قواعد الرصد والمعلومات المشتركة لوضع المؤشرات اللازمة لرصد التقدم المحرز للتعاون في المياه العابرة للحدود من خلال ترتيبات تنفيذية، والعمل والتنسيق الكامل في مجالات النشر والبحث العلمي وفي إنشاء المشروعات الكهرومائية المحلية والدولية تحت إدارة مشتركة وعلى أسس ومقاييس جديدة لتحقيق التوازن فى تقاسم فوائد مياه الأحواض المشتركة من المياه الخضراء والمياه الزرقاء على حد سواء.