فى معرض دفاعه عن موقف بلاده الداعم لسوريا، قال السياسى الروسى المخضرم يفجينى بريماكوف: أحيانا تصبح الثورات أشد دموية من الأنظمة التى ثارت للقضاء على بطشها ودمويتها. كان بريماكوف يقصد الثورة البلشفية التى قامت ضد حكم استبدادى وقهرى للقياصرة فى روسيا، فإذا بروسياالجديدة الثورية والأممية والشيوعية أشد قهرا واستبدادا ودموية باسم الثورة. طبعا دفاع بريماكوف عن وجهة نظر بلاده غير مقبول عربيا ومن الشعب السورى، الذى يموت بالعشرات يوميا بنيران الجيش العربى السورى، الذى أنشئ أساسا لحماية الشعب، فإذا به ينتهى إلى قتله. نظريا لا توجد ضمانة على أن الثورة لن تكون أشد فتكا من الحكم الاستبدادى، خاصة وأن تجارب الثورات فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى فى مختلف قارات العالم بما فى ذلك أوروبا الشرقية انتهت إلى ديكتاتوريات أشد قسوة وإجراما، لكن ثورات أوروبا الشرقية نفسها فى تسعينيات القرن الماضى كانت سلمية فى تسعة بلدان أوروبية من بين أحد عشر دولة شملها ربيع أوروبا الشرقية.. باستثناء رومانيا التى قتل فيها رئيسها السابق نيكولاى تشاوشيسكو وزوجته.. وجمهورية يوغسلافيا الاتحادية التى تحولت الثورة فيها إلى حروب دينية وعرقية طاحنة لم تسلم منها البوسنة وكرواتيا وصربيا، وانتهت تقريبا بحرب شنها حلف الأطلنطى على بلغراد. الثورة، بين قوسين، فى مصر، كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تصبح قريبة من ذكريات ثورات الماضى، بذلك الهتاف العبيط الداعى إلى عزل 3 ملايين مواطن من أعضاء الحزب الوطنى، وأحمد الله أن المجلس العسكرى لم يستجب لدعوات تطبيق قانون الغدر، التى كانت تشمل عقوباته فصل الناس من الوظائف العامة، والجلوس فى البيوت لخمس سنوات بتهمة فضفاضة اسمها إفساد الحياة السياسية. وأحمد الله أيضا أن المجلس لم يستجب لمن طالبوا بإصدار تشريع جديد للعزل السياسى، لأن الجهابذة الذين طالبوا بمثل هذا القانون الاستثنائى لا يعرفون أن العقوبات لا تطبق بأثر رجعى فى القانون، والغريب أننا جميعا كنا نئن من القوانين الاستثنائية، والتى يجرى تفصيلها حسب المقاس والمناسبة، فإذا بنا نسلك نفس السلوك الانتقامى والاستثنائى. الثورة، بين قوسين، فى مصر لم تصبح دموية ومستبدة مثل النظام الذى سبقها، لكن كثيرون يحاولون أخذها إلى هذا الطريق، وما على المواطنين المخلصين للوطن، سوى الاستمرار فى النظر إلى الأمام، وفتح أبواب التسامح، وإغلاق أبواب الانتقام والحقد والدم.. وهى كثيرة جدا للأسف.