لم يكن مفاجئا لأحد أن يقتل القائد الليبى السابق معمر القذافى، بيد الثوار الليبيين أو قوات الناتو، خاصة أن الزعيم الليبى السابق، كان هدفا رئيسيا لكتائب المجلس الانتقالى وقوات التحالف، منذ سقوط النظام الليبى ورحيل القذافى من بيت العزيزية بطرابلس إلى مدينة سرت، فى أغسطس 2011 كما أنه بدا واضحا للجميع إصرار القذافى على الاستمرار فى القتال، حتى آخر قطرة دم، كما قال فى خطاباته التى تواكبت مع اندلاع الثورة الليبية فى فبراير الماضى. إلا أن الطريقة الوحشية التى قتل بها القذافى، رغم أن الثوار الليبيين قد قبضوا عليه حيا، بالإضافة إلى التمثيل بجثته بعد مقتله، قد أثار العديد من التساؤلات، يدور معظمها حول ازدواجية المعايير لدى الكثير من أبناء منطقتنا العربية، الذين عبروا عن سعادتهم بما حدث مع القذافى، باعتباره الحاكم الطاغية، بعيدا عن الناحية الانسانية، والانتهاكات التى ارتكبت فى تلك الحادثة، سواء لمبادئ حقوق الإنسان المنصوص عليها فى كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية، وكذلك لمبادئ الإسلام وسماحته. إن الجريمة غير الإنسانية التى ارتكبها الليبيون، تجاه القذافى، قد أساءت للصورة الحضارية التى رسمها العالم عن المجتمع العربى، خاصة أن تلك الصورة تحسنت كثيرا فى الأشهر القليلة الماضية، بفضل الثورات السلمية التى شنها كل من الشعبين المصرى والتونسى ضد أنظمتهما الحاكمة، وكذلك المشهد التاريخى الذى ربما لن يتكرر فى المستقبل المنظور، عندما ظهر الرئيس المصرى السابق، حسنى مبارك، داخل قفص الاتهام أثناء محاكمته، فيما يسمى بمحاكمة القرن. فى الواقع إن ما حدث مؤخرا قد يعمق ظاهرة الاسلاموفوبيا، لدى المجتمعات الغربية، والتى ارتبطت إلى حد كبير بأحداث العنف التى تتبناها الجماعات المسلحة تحت إطار الدين، خاصة أن قتل القذافى ارتبط بهتافات المتظاهرين "الله أكبر". ربما كانت التصريحات التى أدلى بها الجندى الاسرائيلى، جلعاد شاليط، حول المعاملة الإنسانية التى تلقاها إبان أسره فى سجون حماس بقطاع غزة، قد أثارت تفاؤلنا جميعا، باعتبار أن مثل هذه الشهادة قد عكست الصورة الإنسانية لحركات المقاومة، ومرجعياتها العربية والإسلامية. بالرغم من رفضى الكامل لكل ما ارتكبه القذافى وجنوده من أعمال وحشية ضد شعبه منذ اندلاع الثورة الليبية، إلا أن الجريمة الحقيرة التى ارتكبها الليبيون، ضد الأسير القذافى، يعبر عن همجية غير مقبوله، ويثير العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل الدولة الليبية، خاصة أن ما حدث يعبر عن غياب كامل لسيادة القانون، فى المرحلة الحالية. وهو ما يضع المجلس الانتقالى الحاكم أمام اختبار صعب، خاصة أن الطبيعة القبلية للمجتمع الليبى قد تفتح الباب أمام صراعات أهلية، قد تفتح الباب أمام فوضى حقيقية قد تهدد مستقبل الدولة والشعب. أعتقد أن المسئولية الأولى الملقاة على عاتق المجلس الانتقالى فى المرحلة الحالية، تتمثل فى فرض سيادة القانون، من خلال محاكمة المتورطين فى مقتل القذافى، حتى يغلق الباب أمام أولئك الذين سيعملون خلال الفترة القادمة على إثارة الفوضى والشغب فى ليبيا سواء من جانب مناصرى القذافى أو غيرهم من أصحاب المصالح الذين سيسعون للسيطرة على مقدرات البلاد خلال المرحلة القادمة، بالإضافة إلى تحسين الصورة المشينة التى أساءت لكافة الدول والمجتمعات العربية. من ناحية أخرى ينبغى على المجلس الانتقالى الليبى الحاكم أن ينهى تماما، أى دور قد تلعبه القوى الغربية، داخل الدولة الليبية خلال المرحلة القادمة، سواء عسكريا أو سياسيا، حتى يكون قادرا على التصدى للمحاولات الغربية الساعية لتنفيذ مخطط التقسيم أو الاستيلاء على الثروات الليبية، وكذلك لإخراس الألسنة المنادية بأن هناك تواطؤا من جانب المجلس الحاكم، لفتح الباب أمام التدخل الأجنبى فى ليبيا، مقابل إسقاط نظام القذافى والقضاء عليه.