وسائل إعلام فلسطينية: انفجار كبير قرب مركز لتوزيع المساعدات بمحيط محور "نتساريم" وسط قطاع غزة    وسائل إعلام أوكرانية: الهجمات الروسية على أوكرانيا أمس تسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 27 آخرين    يديعوت أحرونوت: نتنياهو أمر سلاح الجو الإسرائيلي بالاستعداد لشن هجمات في إيران رغم تحذيرات ترامب    موعد أول مران ل الأهلي تحت قيادة خوسيه ريفيرو استعدادًا لكأس العالم للأندية    القبض على «دجالي السوشيال ميديا» بعد خداع عشرات الضحايا بالعلاج الروحاني    ابنة عبلة الكحلاوي أول مساعد لوزير الأوقاف للواعظات    جامعة القاهرة: 10 منح لطلاب مدارس STEM    لأول مرة.. نقيب المحامين يترأس جلسة حلف اليمين للأعضاء الجدد بالمنيا    لأول مرة.. المتحف المصري الكبير يضم كنوز توت عنخ آمون كاملة    وزير الإسكان: حجز وحدات ب"سكن لكل المصريين7" متاح حتى الأربعاء المقبل    "لعنة إلسا" في انطلاق عروض المسرح التوعوي بالإسماعيلية.. صور    بإطلالة كاجوال.. مي عمر تتألق في أحدث ظهور لها    كيف تفاعل الجمهور مع أحمد سعد بعد إزالة الوشم؟    المطربة أروى تعلن موعد عزاء والدتها في دبي    المصل واللقاح تحسم الجدل بشأن دخول متحور كورونا الجديد مصر    توجيهات عاجلة من الري بشأن المخالفات على ترعتي الحمام والنصر    عماد النحاس يكشف تفاصيل حوار خاص مع معلول: قيمة اللاعب الكبير لا تُقاس بالوقت    مروى ياسين نجلة عبلة الكحلاوي مساعدًا لوزير الأوقاف لشئون الواعظات    ضبط لصوص سرقوا مدرسة وأعمدة إنارة بالقاهرة    وزيرا الصحة والتضامن يبحثان زيادة عدد فصول الحضانات ورياض الأطفال    مصر تقود قرارًا تاريخيًا في منظمة الصحة العالمية لدعم مرضى الأمراض النادرة    انتهاء تفويج الحج البري من ميناء نويبع بإجمالي 7701 حاجًا و180 باصًا    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    وزير العمل يوجه بسرعة متابعة عمالة غير منتظمة ضحايا انقلاب سيارة بالمنوفية    المشدد 10 سنوات لمقاول نقل لاتهامه فى قتل شخص بالإسكندرية    جامعة حلوان تواصل تأهيل كوادرها الإدارية بدورة متقدمة في الإشراف والتواصل    أسعار الفراخ اليوم قلبت الموازين بانخفاض غير متوقع    كندا: إجلاء 17 ألف شخص من مقاطعة مانيتوبا جراء حرائق الغابات    وزير الإسكان: تخصيص 26 ورشة حرفية بمقابل الانتفاع بمنطقة خدمات مدينة حدائق العاصمة    الوطنية للتربية والعلوم والثقافة تشارك بدورة المجلس التنفيذى ل"ألكسو" بتونس    صحة غزة: 37 شهيدا فى غارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم    ارتفاع مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة نهاية الأسبوع    كل ما تريد معرفته عن سنن الأضحية وحكم حلق الشعر والأظافر للمضحي    موعد قرعة كأس العالم للشباب تحت 20 عامًا.. والقنوات الناقلة    ياسر ريان: بيراميدز ساعد الأهلي على التتويج بالدوري.. ولاعبو الأحمر تحرروا بعد رحيل كولر    وزير الصحة يعلن اعتماد قرار دولي تاريخي لدعم أصحاب الأمراض النادرة.. تفاصيل    إخلاء مركز السكر لنقل خدمات التأمين الصحي في دمياط    أسعار الأسماك اليوم الخميس 29 مايو فى سوق العبور للجملة    محكمة أمريكية تلغي رسوم ترامب الجمركية: «تجاوز الصلاحيات الممنوحة للرئيس»    نتيجة الصف الرابع الابتدائي 2025 بالجيزة بالاسم ورقم الجلوس.. خطوات الاستعلام فور ظهورها والرابط    رئيس بعثة الجمعيات الأهلية يعاين مخيمات الحجاج في عرفات ومنى    آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإنهاء الحرب والإفراج عن الرهائن    مائل للحرارة.. حالة الطقس في شمال سيناء اليوم الخميس 29 مايو 2025    إيلون ماسك يغادر إدارة ترامب    بعد توجيه شيخ الأزهر.. صرف إعانة إضافية بجانب منحة عيد الأضحى اليوم    زلزال بقوة 5.2 درجة يضرب إيران    بعد فقدان اللقب.. ماذا قدم بيراميدز في الدوري المصري 2024-2025؟    هل أبلغه بالرحيل؟.. عماد النحاس يفجر مفاجأة بشأن حديثه مع معلول    الشركة المنتجة لفيلم "أحمد وأحمد" تصدم الجمهور السعودي    هجوم على حسن الرداد بعد إعلان الإنجاب للمرة الثانية من إيمي سمير غانم، والسر في "فادي وفادية"    مسن ينهي حياة زوجته ب21 طعنة بالشرقية    5 أيام متتالية.. موعد اجازة عيد الأضحى 2025 في مصر للموظفين والبنوك والمدارس    نشرة التوك شو| ظهور متحور جديد لكورونا.. وتطبيع محتمل مع إسرائيل قد ينطلق من دمشق وبيروت    العش: إصابتي بسيطة.. وسأتعافى قبل كأس العالم للأندية    موعد أذان فجر الخميس 2 من ذي الحجة 2025.. وأفضل أعمال العشر الأوائل    ماريسكا: عانينا أمام بيتيس بسبب احتفالنا المبالغ فيه أمام نوتينجهام    الركوع برمزٍ ديني: ماذا تعني الركبة التي تركع بها؟    بداية حدوث الجلطات.. عميد معهد القلب السابق يحذر الحجاج من تناول هذه المشروبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإفساد المتبادل بين السياسة والصحافة
نشر في اليوم السابع يوم 17 - 11 - 2008

طغت السياسة بمعناها الرسمي على الصحافة، واحتكر السياسيون مقاعد الصحفيين، ففشلت السياسة في تلميع وجهها، وفشلت الصحافة في أداء رسالتها، وكانت الضحية هي الحرية، التي بسبب نقصها أو غيابها، تراجع الاثنان.. السياسة والصحافة على نحو ما نرى ونعرف، في ظل حالة ملتبسة تبدو شديدة الخطورة، تترجم فكرة السلطة المطلقة
.
وعبر تطور الأحداث والعصور لتنقّل التحكم في السياسة، والانفراد المتتالي بالسلطة ونفي الآخر، أو على الأقل إضعافه واستنزاف قواه، لينقل إلى الصحافة بصورة كربونية، وعايشنا على سبيل المثال انفراد حزب أو زعيم بالسلطة مما أنتج تجمد مسئولين وسياسيين ووزراء في مقاعدهم عشرات السنين!.
وبالمقابل عايشنا صحفيين كبارا ورؤساء تحرير، تكلّسوا في مناصبهم نفس عدد السنين، دون تغيير أو تطوير بنفس نهج السياسيين والوزراء، فمن أين إذن يأتي الابتكار وكيف يتحقق التطوير، بل كيف لا يتحقق النجاح لتحالف الفساد والاستبداد الهاجم على الجميع
ما في السياسة ينتقل للصحافة
ولقد لعبت فكرة القائد الملهم والزعيم الأوحد، صانع السياسة وصاحب القرار وحده -وهي فكرة استبدادية شيطانية- دورها في تحقيق نظرية الإفساد المتبادل بين السياسة والصحافة، وأطبقت هذه النظرية بالتالي على كل مؤسسات الدولة والمجتمع، في غياب الحرية والنظم الديمقراطية السليمة، التي تشارك وتحاسب وتعاقب، وتعوق الانفراد بسلطة القرار السياسي، والانفراد بصياغة الرأي العام وتوجيهه بواسطة الصحف ووسائل الإعلام الخاضعة للهيمنة الحكومية.
وكان من نتائج هذه الحالة المعادية للديمقراطية، المتمسكة بالاستبداد السياسي والصحفي، إفراغ الحياة السياسية من القوى والمنظمات والأحزاب القادرة على المنافسة من أفكارها وطموحها وكوادرها، وبالتالي انطبق الوضع على الصحافة، التي تم إفراغها عبر عقود من آرائها الحرة وسياساتها التحريرية المهنية والمستقلة وكوادرها الموهوبة والمدربة.. وأصبح الميدان فسيحًا لا رقابة عليه أمام المتحكم الأوحد والشلة الواحدة.
وبقدر الإفقار المنظم للحياة السياسية وإفراغها من أجيال جديدة وشابة، بقدر ما تم نفس الإفقار المنظم للصحافة والإعلام، وحرمان أجيال متعددة من فرصتها في العمل والإبداع والترقي، فإذا بنا نوضع دائما أمام "الخواء" في ظل احتكار المناصب والمواقع لصالح أفراد معدودين، انتهت مدة صلاحيتهم، وتشعبت مصالحهم وأطماعهم، وإذا بنا نفاجَأ في كل وقت بسؤال مستفز يقول: من البديل.. وهل هناك بديل!!
السؤال مستفز، فضلا عن أوصاف أخرى أشد قسوة، لأنه يعني أننا يجب أن نقبل بالوضع القائم في السياسة كما في الصحافة، وأن نقبل بنظرية "الرجل الضرورة" الذي لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه ليس له بديل، وهي نظرية نزلت من أعلى إلى أسفل، فسادت مجتمعًا عريقًا كبيرًا ضخم السكان "75 مليونا" مثل مصر، 65 في المائة منه تحت سن الثلاثين، ويرسل صباح كل يوم 19 مليون طالبًا إلى المدارس، ويبني باستمرار أجيالا شابة متعلمة ومؤهلة لشغل كل المناصب، إن أخذت فرصتها!.
السياسة تطوع الصحافة
والحقيقة أن طغيان السياسة على الصحافة بهذا الشكل، الذي أدى إلى تطويعها وتدجينها، ليس مقصورا على مصر دون غيرها من الدول الفقيرة والمتخلفة وغير الديمقراطية، لكنه نموذج شائع، كما أن هذا الطغيان ليس وليد هذا العصر، ولكنه كان قائما حتى فيما يسمى المرحلة الليبرالية المصرية الشهيرة، فيما بين 1920 و1952، إلا أنه للأمانة تزايد فيما بعد، وصولا لحالة الالتباس والتشابك الراهنة بين السياسة الحكومية والصحافة والإعلام.
فإذا كانت أحزاب المرحلة الليبرالية المشار إليها، تصدر صحفها وتتحكم فيها، وتخضع توجهاتها التحريرية لسياساتها وأهدافها الحزبية، فإن تأميم "أو تنظيم" الثورة للصحافة عام 1960، قد أخضعها للتوجيه الحكومي وألحقها من الناحية النظرية على الأقل بالمنظومة السياسية الرسمية، وصارت الصحف تابعة للتنظيم الواحد، الحزب الواحد، الاتحاد القومي، فالاتحاد الاشتراكي، فحزب مصر، فالحزب الوطني.
وإذا كانت السنوات ال10 الأخيرة، قد شهدت انفراجة ملحوظة في صدور صحف خاصة ومستقلة جديدة، كسرت جدار الاحتكار السياسي، الرسمي للصحافة "10 مؤسسات قومية كبرى"، تلازم معها إطلاق محطات إذاعة وتلفزيون خاصة، ناوشت الجهاز الإعلامي الرسمي الضخم، فإن الحقيقة الراهنة تؤكد أن الدولة بكل ثقلها السياسي ما زالت محتكرة للفضاء الإذاعي والتلفزيوني الأكثر تأثيرًا وجاذبية، ولا زالت مهيمنة على الصحف القومية التي تحتكر أكثر من 80 % من سوق القراءة والتوزيع والطبع والإعلان! وهي بهذا تؤكد مقولة إنّ الدولة تحتمي دائما بسلاحين نافذين هما الأمن من ناحية، والصحافة والإعلام من ناحية أخرى، لكنها تتجاهل في الوقت نفسه أن هذه الأوضاع الاحتكارية للسياسة والصحافة، قد أفرزت تجمدا في الأوضاع العامة، وأغلقت كل الطرق أمام مستقبل أجيال شابة، قادرة على التطوير والتغيير، وأطلقت العنان لحالة الإفساد المتبادل، فالسياسة وتدخل السياسيين، أفسد الصحافة.. والصحفيون المحتكرون للمناصب المقربون من السلطة، أفسدوا السياسة وأعاقوا الإصلاح الديمقراطي، بسيل النفاق ومدبجات الرياء، وتجاهل مصالح المجتمع.
ولذلك لم يكن غريبا أن يتجمد هؤلاء وأولئك في مناصبهم سنين عددا، وهم على ثقة كاملة بأن لا بديل لهم، وأن ضمان بقائهم يرتبط بمدى ولائهم لصاحب القرار وحده دون سواه، وانظر كيف جرى ويجرى الحال في كل المناصب الوزارية والسياسية والصحفية والإعلامية.. الكل يتحرك وفقا للتوجيهات، ويكتب طبقا للتعليمات، أما حين تجيء لحظة التغيير، لسبب يحدده صاحب القرار، مثلما يحدد توقيت تنفيذه، فالظل الكئيب والتجاهل الكامل ينتظر صاحب الحظ السعيد، أما نقيضه صاحب الحظ السيّئ، أو المغضوب عليه، فالهلاك مصيره، مع مزيد من التشنيع والتجريح والاتهام بالفساد والاستبداد!!.
ولم يكن غريبا أيضا أن يفقد المواطنون الثقة في مثل هذه القيادات الوزارية والسياسية، وأن يعبروا عن ذلك أصدق تعبير، على سبيل المثال، بعدم المشاركة في الانتخابات، وتدنّي نسبة التصويت إلى أقل من 10% في معظم الحالات، وأن لا يسألوا لماذا ذهب هذا الوزير ولماذا فقد هذا النائب مكانه في قائمة الحزب الحاكم، لأنهم لم يعرفوا منذ البداية، لماذا جاء هذا، وعلى أي أساس أو كفاءة نجح ذاك.
ونفس المنطق ينطبق على قادة الصحافة ورؤساء التحرير المعينين أصحاب السلطة المطلقة، إذ لم يعد الرأي العام القارئ والمتابع، يهتم بمن جاء ومن ذهب، فالكل سواء، والقرار السياسي وليس المهني هو المرجع النافذ، طالما أن الرأي العام ليس هو مصدر الشرعية والمصداقية، كما يحدث في صحف النظم الديمقراطية!.
إفساد منظم وغير منظم
ولم يكن الرأي العام وحده الذي فقد الثقة سواء في العملية السياسية، أو في الصحافة، بعد أن تبادلا الإفساد المنظم وغير المنظم، بل إن مسئولين كبارا طالما عبروا عن شيء من هذا القبيل، وانظر على سبيل المثال كيف يتعامل وزير ضليع في الحكومة مع الصحافة، لأن مفهومه لرسالتها غائب، بل وهو ينظر إليها كما ينظر إلى شركة خاسرة أو مصنع يعاني من إضراب عمالة، إذن فالحل هو البيع.
على الجانب الآخر انظر إلى مسئول آخر كيف يغضب ويثور لأن صحيفة انتقدت بعض سياساته ويتساءل، كيف تفعل ذلك، أليست هذه الصحافة تبعنا؟!!.
وما بين سياسة البيع والتبعية، تتعمق أزمة الصحافة المصرية، ويزداد فقدانها للثقة والمصداقية ويتراجع قراؤها، وتحبط كوادرها، وتتدهور قيمها وتقاليدها المهنية، وتفقد حتى هامش الحرية المحدود الذي تتمتع به، لأن الساسة والمسئولين الغاضبين منها وعليها يتحفزون للانقضاض على هذا الهامش، تقييدا وتكبيلا، ولأن قادة الصحافة أنفسهم انصرفوا إلى اهتمامات ومصالح أخرى غير ترقية المهنة وحرية الصحافة.
وفي هذا المناخ الضبابي الذي طغت فيه السياسة والسلطة على الصحافة، وانجرفت فيه الصحافة في منحدر التبعية والانسياق والخضوع للسلطة، كان طبيعيًّا أن ينجح تحالف الفساد والاستبداد في غزو الاثنين معا، السياسة والصحافة، وأن يخلق حالة غريبة من عدم التوازن، بل من غياب الحرية بمفهومها الواضح، ناهيك عن المحاسبة والمساءلة والمراقبة.
وفى هذا المناخ الضبابي الملتبس كان طبيعيا أيضا -بعد أن اخترقت فيه السياسة والسلطة الصحافة حتى أفرغتها وأضعفتها وحولتها إلى مجرد بوق دعائي- أن تهجم الاختراقات الأجنبية لتقدم البديل المستورد، مسلحة بالتمويل المنساب وبالأفكار الجاذبة والتكنولوجيا الحديثة، لتصدر صحفا براقة وتطلق فضائيات جذابة.. تكتب وتنتقد وتتحدث وتتحاور حول أمورنا بحرية يفتقدها الرأي العام، في صحفه وإعلامه، فيهجرها دون أسف!.
لقد آن الأوان في ظل كل ذلك، أن نعيد تحديد العلاقة بين الصحافة والسلطة بعد كل ما جرى ويجري.
وخير الكلام: قرآن كريم: "والله لا يحب الفساد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.