احتضنت القاهرة خلال الأسابيع الماضية كل الفصائل الفلسطينية لإقامة حوار فلسطينى - فلسطينى يهدف إلى إنهاء حالة الانقسام الفلسطينى المتفاقمة فى مبادرة عدها المراقبون, الأولى بعد أحداث صيف عام 2007, وما جرى خلالها وبعدها من أحداث, لكن القاهرة اليوم تعيش موقفاً سيئاً بعد إجهاض حماس لمبادرة الحوار المصرية وبروز حالة من الانقسام العربى إلى معسكرين أحداهما, مؤيد لحماس بطريقة أو أخرى تتزعمه سوريا وقطر (محطتا زيارة عمرو موسى خلال الأسبوع المقبل ) والسودان واليمن وليبيا، والمعسكر الثانى المعارض لقرار حماس إفشال حوار القاهرة وتقوده مصر والسعودية والأردن والجزائر. الجهات التى أشرفت على التحضير للحوار استنفرت كل أقسامها ودوائرها لإنجاح الحوار، وتحمل رجالها الكثير من الضغط والجهد وأعدوا بقيادة الوزير عمر سليمان ورقة من 14 نقطة تضع علامات دالة نحو طريق إنهاء الأزمة، وكان الحوار سيعنى الفرصة الأخيرة لتلك الفصائل للخروج من الأزمة التى تمر بها القضية الفلسطينية، لكن الأمور انقلبت بعد قرار حركة حماس طلبها من الجانب المصرى تأجيل الحوار, وهو ما يعنى أن الحركة ترسل إشارات واضحة بإفشال الحوار. الورقة المصرية وملاحظات حماس الورقة المصرية تم بناؤها على عدة محاور وتشكلت على أساسها خمس لجان أبرزها اللجنة الأمنية, وتختص ببناء هيكلية جديدة لقوات الأمن الفلسطينية، ولجنة الانتخابات, وتختص بتحديد شكل حكومة الوحدة الوطنية المنتجة من الحوار(حكومة تصريف أعمال) وقانون الانتخابات الرئاسية وموضوع الانتخابات التشريعية للمجلس الوطنى والتشريعى الفلسطينى. حركة حماس أبدت ملاحظتها, وقدمتها للواء محمد إبراهيم على الورقة المصرية فى النقاط التالية: التحفظ على آلية تشكيل ومهمة اللجنة المختصة بإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية. طلبت إطلاق سراح جميع معتقلى الحركة لدى السلطة الفلسطينية, وهى التى تعتبرهم سجناء أمنيين وليسوا سياسيين. طلبت تفسير الصياغات الواردة فى الورقة المصرية, وعلى سبيل المثال (وقف العنف) وهل يعنى هذا وقف حق المقاومة المسلحة التى تتخذه حماس كمبدأ أساسى. تحفظت إعادة الأوضاع فى غزة إلى ما كانت عليه قبل صيف عام 2007. اشترطت حضور الرئيس عباس شخصياً كافة الاجتماعات. اعتبر الجانب المصرى ملاحظات حركة حماس جاءت متأخرة, وتعنى أن الحركة تريد عرقلة مبادرة الحوار, لأن ورقة الحوار تم إعدادها بعد مناقشات مع كافة الفصائل وعلى أساس رؤية كل فصيل, ولم تغفل حق أى من الفصائل الفلسطينية, وكتبت على أساس حوار شامل مع كافة الفصائل, فليس من حق حماس أن تبدى ملاحظاتها, وإذا كان لها حق التعديل سيكون من خلال اللجان الخمسة التى اعتمدتها الورقة المصرية، وبعد التوقع بالموافقة على الورقة. جانب آخر يرى أن حماس تريد اللعب على وتر التغيرات الدولية والإقليمية الراهنة, إضافة إلى الواقع الفلسطينى الذى يشير إلى أنه فى حال إجراء انتخابات فإن الحركة لن تحصل على أكثر من 14% من أصوات الناخبين مقابل 42% من الأصوات لصالح منظمة التحرير بحسب استطلاعات رأى أجرتها مراكز بحثية فلسطينية وأوروبية. ومازالت مشكلة الانتخابات الرئاسية وولاية الرئيس أبو مازن إحدى الأوراق التى تلعب بها حركة حماس, رغم حسمها من قبل المستشار عبد الكريم أبو صلاح رئيس ديوان الفتوى والتشريع الفلسطينى من خلال فتواه الثلاثية التى قضت بالتالى: 1. إن الولاية الرئاسية للرئيس تمتد إلى نهاية الولاية التشريعية للمجلس التشريعى الثانى المنتخب فى 25 كانون الثانى - يناير 2006. 2. إن الفترة الزمنية التى سبقت الانتخابات التشريعية هى فترة مكملة للولاية الرئاسية السابقة. 3. إن الانتخابات الرئاسية المقبلة يجب أن تكون متزامنة مع الانتخابات التشريعية وفقاً لأحكام القانون. وهو الأمر الذى رفضته حماس على الرغم من قانونية هذا التفصيل, لأنها تعى جيدا أنها خسرت الكثير من الشارع الفلسطينى. أوضاع غير قانونية من ناحية أخرى تستفيد حركة حماس من الوضع المالى والاقتصادى السييء فى غزة, فما زالت تجبى الضرائب والرسوم من المواطنين فى القطاع, على الرغم من قرار الرئيس محمود عباس الذى أصدر مرسوماً فى نوفمبر عام 2007 أعفى بموجبه أبناء غزة من رسوم المستشفيات, وأصدر البطاقات الشخصية والجوازات وغيرها، إضافة إلى الضرائب على السلع الداخلة عبر الأنفاق والضرائب على مد الماء والكهرباء لتلك الأنفاق وعلى البترول والفواكه الواردة للقطاع. وعلى الصعيد الإقليمى فإن حماس تستفيد من الانتخابات الإسرائيلية المبكرة, ووضع المفاوض الإسرائيلى الشريك للسلطة الفلسطينية, وينطبق الحال مع انتخاب أوباما رئيساً للولايات المتحدة الراعى لعملية السلام. ويقول مراقبون إن حماس ستحاول أن تغير من تكتيكاتها, فمثلاً ستحاول إقحام الجامعة العربية فى إشكاليات الحوار، الأمر الذى كشف عنه تقرير أعده محمد صبيح الأمين العام المساعد لشئون فلسطين والأراضى المحتلة, والمقدم للأمين العام لجامعة الدول العربية عمروموسى من خطورة الموافقة على نقل اجتماعات اللجان الخمسة المختصة إلى الجامعة العربية, مما يعنى استقواء حماس بسوريا وقطر على حساب مصر والسعودية, وهذا يعنى إدخال الجامعة العربية كطرف فى النزاع, وليس كطرف لحل الأزمة، الأمر الذى دفع صبيح للقول لليوم السابع عن أن الجامعة العربية غاضبة من قرار حماس تأجيل الحوار. وتبقى الأنظار متجهة نحو نتائج المحاولات المصرية العربية لإقناع حركة حماس بالعودة عن قرارها الذى سيكون بداية لشكل آخر جديد من العلاقة بين الفلسطينيين أنفسهم, وبينهم وبين العرب, وبينهم وبين العالم.