كأننا مقبلون على حرب وليست انتخابات مجلسى الشعب والشورى.. كثير من القوى السياسية تتعامل مع أول انتخابات حرة فى تاريخ مصر المعاصر على أنها معركة مبكرة تأتى فى مناخ غير موات، وقد تكون غير حميدة العواقب.. وتتمنى لو أن شيئا ما يحدث حتى تتأجل أو تلغى الانتخابات. إذا تتبعنا تصريحات ممثلى بعض القوى السياسية والأحزاب الجديدة التى تتبنى الفكر الليبرالى أو اليسارى، سوف نلاحظ أنها تنظر إلى الانتخابات على أنها مخطط لتمكين التيار الإسلامى من الانفراد بصياغة مستقبل الدولة الجديدة عن طريق تحكمها فى صياغة الدستور فى حالة فوزها بالأغلبية. وقامت هذه القوى بتفريغ معظم طاقتها فى قصة الدستور بدلا من الاستعداد للانتخابات حيث أغفلت نقطة مهمة وهى أهمية الشارع فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير الرائعة، حيث ينتظر أن يكون للشعب المصرى الكلمة العليا فى السنوات المقبلة بعد أن نجحت الثورة فى كسر الصنم المباركى الذى استمر فى الحكم لمدة 30 عاما استطاع فيها أن يدمر مقدرات دولة بحجم مصر، بل كسرت الثورة فكرة الاستبداد التى مارستها أنظمة الحكم الديكتاتورية منذ ثورة 23 يوليو عام 1952. والعجيب أن القوى الإسلامية الغائبة عن تركيبة الأنظمة المتعاقبة للحكم هى الوحيدة الأكثر استعدادا وترحيبا بالمتغيرات الجديدة هذه المرة فاتجهت إلى الشارع ونشطت بشكل ملحوظ لكسب تأييده ونجحت فى الوصول إلى العديد من شرائح وفئات المجتمع رغم بعض السلبيات التى وقعت فيها وأبرزها خلط الدين بالسياسة فى بعض الواقف والتعامل بالحلال والحرام فى مساحات مفتوحة للاجتهاد البشرى. أما القوى الأخرى التى كان معظمها قريبا دوما من مراكز صنع القرار فى الأنظمة الديكتاتورية المتعاقبة للحكم فى مصر، فقامت بالسير بنفس الآليات القديمة ولم تستوعب أن تغييرا ما قد حدث وأن الديموقراطية دقت أبوابنا بعد الثورة واكتفت بآلية التأثير على صانع القرار دون الاهتمام الكاف بالمارد الجديد وهو الشعب المصرى، ومارست هذه القوى مع المجلس العسكرى وحكومة الدكتور عصام شرف جميع الضغوط الممكنة من أجل انتزاع أكبر مكاسب ممكنة، ولعلها نجحت فى عدد من المواقف أهمها إجبار الإدارة الحالية على تقديم الرئيس السابق للمحاكمة العلنية.. بالإضافة إلى قصة "المبادئ فوق الدستورية" التى أثارت جدلا واسعا. وفى الوقت الذى اهتمت فيه هذه القوى بالضغط عن طريق العمل السياسى والاعتصامات والمظاهرات وسيطرتها على الإعلام، ابتعدت كثيرا عن الشارع ولم تتفاعل مع قضايا الجماهير البسيطة والمهمة مثل الفقر والعوز الذى تزايد بسبب الآثار السلبية لطول الفترة الانتقالية التى تمر بها مصر وتركت هذه المساحة كاملة تقريبا للإسلاميين الذين لم يفوتوا الفرصة. إذا نظرت حولك سوف تجد الإسلاميين فى كل مكان فى المساجد فى الجمعيات الخيرية فى مقار أحزابهم الجديدة فى اللجان الشعبية فى المقاهى بل فى البيوت يطرقون الأبواب ليقدموا أنفسهم للناس.. فهل تستوعب القوى الأخرى الدرس لكى تلتحم بالشارع وتنافس الإسلاميين فى هذه المنطقة التى يجيدونها؟ من المؤكد أن طريق الانتخابات ليس مفروشا بالورود فالمجلس العسكرى أصدر قانونا يجمع بين القائمة والفردى رفضه الجميع لأنه قد يمهد الطريق لفلول الفساد لكى تستجمع قواها وتتسرب من جديد إلى مجلس الشعب المقبل.. بالإضافة إلى الصراع المشتعل وأزمة عدم الثقة بين القوى السياسية المختلفة، وحالة الانفلات الأمنى المتزايدة التى يستحيل أن تجرى فى ظلها انتخابات حرة ونزيهة ولا سيما الاعتداءات الأخيرة التى تعرض لها عمرو حمزاوى ومحمد البلتاجى وأحمد أبو بركة وجمال حشمت. ورغم كل هذا واذا اتفقنا مع رأى البعض بأن الانتخابات يشوبها الكثير من العقبات، فإنها شر لابد منه للانتهاء من المرحلة الانتقالية فى أسرع وقت لكى يعود الجيش إلى ثكناته ليحمى حدودنا التى تتعرض للتهديد من العدو الصهيونى، ويواصل الشعب ثورته على جميع أشكال الفساد ويبدأ مرحلة جديدة من البناء على أسس سليمة فى ظل توحد القوى السياسية على أهداف الثورة الحقيقية "الحرية والمساواة والعدالة" بدلا من حالة التشرذم والضياع التى نعيشها منذ تنحى الرئيس السابق. وأرجو ألا يفهم كلامى على أنه دفاعا عن الإسلاميين على طول الخط بل ارتكب هذا التيار خطأ استراتيجيا كبيرا ساهم فى تخفيض سقف مكتسبات الثورة، وهو ما سأتحدث عنه المرة المقبلة إن كان فى العمر بقية. وكل عام وأنتم بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك.