قال محسن عادل – المحلل المالى إن المؤسسات الاقتصادية والمالية العربية تتابع تطورات محادثات الدين الأمريكية التى تشهد تجاذبات قوية بين قطبى الكونجرس، الجمهوريين والديموقراطيين. كما أن هذا الوضع جعل الأسواق العربية والعالمية، تتعرض لتقلبات قد تزيد خطورتها كلمها تعثر الكونغرس فى رفع سقف الدين العام البالغ 14.3 تريليون دولار حاليا، وذلك قبل الثانى من أغسطس، وتشير آخر الإحصائيات إلى أن الاستثمارات العربية فى سندات الخزينة الأمريكية بلغت نحو 400 مليار دولار أمريكى. وأوضح عادل أن الأزمة التى تواجه الولاياتالمتحدة تضع كثيراً من الدائنين لها أمام مشاكل كبيرة، حيث إن استثمارات الدول الدائنة مركزة فى الأذونات والسندات الصادرة عن الخزانة الأمريكية، ويأتى تخفيضها ليؤكد أن هذه السندات - وإن بقيت موثوقة حتى هذه اللحظة - ستهبط أسعارها فى أسواق رأس المال الثانوية، فالدائنون الراغبون فى الحصول على السيولة أو تنويع استثماراتهم سيضطرون إلى بيع جزء من محفظتهم بالسندات الأمريكية بأسعار أقل من الأسعار التى اشتروها بها، وهكذا يتكبدون خسائر رأسمالية فى استثماراتهم بها. وحول انعكاسات الأزمة الأمريكية على اقتصادات العالم العربى، قال عادل إن انعكاسات هذه الهزة على اقتصادات العالم العربى ستكون واضحة، خاصة وأن هذه الأزمة ليست بالحديثة، إذ إنها تفاقمت خلال السنوات العشر الماضية، وبالضبط منذ عام 2000 حينما كان سقف الدين الأمريكى فى حدود 5950 مليار دولار، فى حين أصبح سقف هذا الدين الآن فى حدود 14.3 تريليون دولار، أى أنه تضاعف أكثر من مرة خلال عشر سنوات، وأسباب ذلك معروفة، منها الحروب فى أفغانستان والعراق وارتفاع النفقات الأمريكية داخليا وخارجيا. وأضاف أنه من ناحية تراجع قيمة الدولار على الصعيد الدولى، فإن معظم عملات الدول العربية، خاصة الدول النفطية، مرتبطة بالدولار، فهذا يعنى أن هذه الدول ستتعرض لخسائر، وقد تزيد هذه الخسائر فى حال تعرض الدولار الأمريكى إلى انتكاسة بسبب أزمة الديون الأمريكية. وأكد أن ما يحدث فى الولاياتالمتحدة ينعكس دائما على اقتصادات العالم العربى، نظرا للعولمة التى باتت تربط الشرق بالغرب، اقتصاديا واجتماعيا، لذلك فإن الانعكاسات المرتقبة من أزمة الدين الأمريكى ستكون واضحة. وحول مصير الأموال العربية المستثمرة فى سندات الخزانة الأمريكية، قال عادل سنشهد تأخراً فى السداد، وفى الواقع فإن الأكثر أهمية من ذلك أن الولاياتالمتحدة التى خفضت معدل الفائدة على الدولار إلى واحد فى المائة، فإن هذه السندات لا تنتج ما يغطى التضخم، بالتالى هناك خسارة مهمة جدا للدول التى تملك هذه السندات التى يكون مردودها من 2 إلى 3 فى المائة، وعندما ينخفض الدولار بنسبة كبيرة، فهذا يعنى أن هناك خسارة كبيرة فى قيمة الموجودات (السندات) التى قيمتها بالدولار. وأضاف: عندما تتراجع إرادات رؤوس الأموال العربية فإنه لا يبقى فائض كاف للاستثمار، وللأسف، فإن الدول العربية لا تهتم بالاستثمارات الداخلية، إنما فكرة توسيع مجموعة دول الخليج لتشمل كلا من الأردن والمغرب ستفتح المجال لإعادة رسم استراتيجية الاستثمار فى هذه الدول لتتوجه نحو الدول العربية ذات الكثافة السكانية المرتفعة. وأكد عادل أعتقد أنه فى نهاية المطاف سيتم التوصل إلى حل وسط، فللعلم أن الدستور الأمريكى يعطى للرئيس حالات استثنائية يستطيع بموجبها رفع سقف الدين قليلا، لكن أوباما يريد أن يتجاوز هذه الأزمة من دون أن يتخطى الكونجرس، وأعتقد أنه سيتم التوصل إلى حل، لكن هذا الحل سيكون مؤقتا لمدة أشهر قليلة". وحول الدروس المستفادة من الأزمة، يقول عادل: الدرس الذى يمكن أن يستفيد منه العالم العربى من خلال هذه الأزمة هو محاولة خلق تكامل اقتصادى عربى، وتخفيف الانعكاسات السلبية للعولمة من خلال التركيز على الاقتصادات الداخلية للدول العربية أكثر من الاستثمارات الخارجية. فدول الخليج - مثلا - مرتبطة بالعالم الخارجى أكثر بكثير من ارتباطها ببقية اقتصادات العالم العربى، ومن هنا تجب إعادة توجيه تلك الاستثمارات نحو بقية الدول العربية، مثل مصر والسودان والمغرب، وبقية الدول الأخرى، وذلك لتخفيف حدة انعكاسات الأزمات المستورة، وهنا أعنى الأزمة الاقتصادية والمالية فى كل من أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية. كما أكد عادل أن العرب الذين تقدر استثماراتهم الخاصة والعامة بالدولار بنحو 1.5 تريليون دولار يواجهون مشكلة حقيقية، ولذلك فإنهم مطالبون بتنويع استثماراتهم إلى الحدود التى تسمح لهم بذلك. وقد يكون من الصعب إعادة تنويع الاستثمارات السيادية فى أوراق الدين الأمريكية، ولكن تمكن إعادة النظر فى أوجه الاستثمار للمداخيل الجديدة، حيث إن سعر النفط مرشح للبقاء مرتفع مع احتمالية تراجع الدولار.