يمر العالم بشكل عام ومجتمعنا بشكل خاص، بتغيرات واسعة وسريعة تنعكس على طريقة حياتنا وعلى شكل علاقاتنا العامة والخاصة بما فى ذلك علاقات العمل، والعلاقات الأسرية. وللقانون أهمية خاصة كأداة لتنظيم تلك العلاقات لضمان الحقوق.. ولتوفير العدالة بين أطراف كل علاقة، لذا تحتاج القوانين المختلفة إلى مراجعة مستمرة لكى تواكب وتواجه ما يطرأ من تغييرات فى المجتمع، ولعل قانون الأحوال الشخصية الذى ينظم العلاقات داخل الأسرة كأهم وحدة فى المجتمع يحتاج بصفة خاصة إلى مراجعة مستمرة لكى يصبح مناسبًا لوقتنا الراهن ولكى يكون قادرًا على التعامل مع التغيرات التى يمر بها مجتمعنا ومن أهمها زيادة حالات ومعدلات تعدد الزوجات. وتؤكد إحصائية حديثة للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن هناك 3242 رجلاً متزوجًا من 4 زوجات و8350 متزوجًا بثلاث زوجات ونحو مليون شخص يجمعون بين زوجتين، كما تشير إحدى دراسات المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن حوالى ربع الرجال المتزوجين يضيفون زوجة أخرى خلال السنوات الثلاث الأولى من زواجهم الأول، كما تدل إحصائيات الجهاز المركزى أن حوالى 83 % ممن يقبلون على الزواج وفى عصمتهم زوجة أخرى أو اثنتان أو ثلاث لم يتعد تعليمهم الشهادة المتوسطة، نصفهم يقرأ ويكتب فقط، وحوالى 16 % منهم أميون. ويمكن القول أن هذا المستوى من التعليم للرجال ممن يمارسون تعدد الزوجات يرتبط به مستوى منخفض من الدخل، وصعوبة فى سد الاحتياجات الضرورية للأسرة التى زاد حجمها بإضافة زوجة أخرى وأطفال آخرين فى غالبية الأحيان. وهناك نتائج أخرى سلبية لتعدد الزوجات تنعكس على الزوجة الأولى وعلى الأبناء وتخرج سلوكيات حب الانتقام والعداوة والشقاق بين الزوجات وبين الأخوة الأطفال. وقد أوضحت دراسات عدة منها دراسة لجمعية قرية الأمل أن حوالى نصف حالات الأطفال، الذين يتخذون الشارع مأوى لهم سببه تفكك أسرى نتيجة للطلاق وتعدد الزوجات، وفى دراسة أخرى للمجلس القومى للطفولة والأمومة اتضح أن 25 % من هؤلاء الأطفال فشلوا فى الدراسة ثم هربوا إلى الشارع. ويجب الإشارة هنا إلى أن الأصل فى الزواج طبقًا للشريعة هو عدم التعدد، كما يشترط فى التعدد كاستثناء العدالة بين الزوجين، وأشار القرآن الكريم إلى أن العدل مطلب صعب لذا تقول الآية «ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم»، وقد رفض الرسول «صلى الله عليه وسلم» أن يمارس على بن أبى طالب زوج ابنته فاطمة التعدد حيث روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما عن الرسول «صلى الله عليه وسلم» أنه قال: «إن بنى هاشم بن المغيرة استأذنونى أن ينكحوا ابنتهم عليا بن أبى طالب فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم ثم لا آذن لهم، اللهم إلا أن يحب بن أبى طالب أن يطلق ابنتى وينكح ابنتهم، فإن ابنتى بضعة منى، ويريبنى ما يريبها ويؤذينى ما آذاها، وإنى أخاف أن تفتن فى دينها. ويتسم قانون الأحوال الشخصية الحالى بسهولة ممارسة الرجل لتعدد الزوجات، وبالرغم من نصوص القانون التى تجبر الزوج على إعلان الزوجة الأولى عند الإقبال على الزواج من أخرى، وإعطائها الحق فى الطلاق فى حالة عدم رضاها، إلا أن هناك وسائل متعددة للتلاعب فى هذا المجال منها صعوبة إثبات الزوجة الأولى للضرر الذى يقع عليها نتيجة للزواج الثانى، ثم كثيرا ماتقبل الزوجة الأولى الإبقاء على العلاقة الزوجية لعدم قدرتها على الإنفاق على نفسها، لعدم وجود دخل لها وصعوبة الحصول على النفقة الزوجية لها ولأطفالها فى حالة الطلاق. من أجل هذا كله، ولوجود ثغرات أخرى فى قانون الأحوال الشخصية، هناك حاجة إلى مراجعة شاملة لهذا القانون كإجراء التعديلات اللازمة ليقدم الحلول للمشكلات التى تسببها النصوص الحالية للمرأة والرجل والأطفال ولقد شعرت الدولة بهذه الحاجة وهناك جهود من جانب المجلس القومى للمرأة، والمجلس القومى للطفولة والأمومة، والجمعيات الأهلية لتقديم مقترحات للتغيير والإصلاح، ومنها على وجه الخصوص أن يصبح تعدد الزوجات بقرار من المحكمة بعد اتفاق الطرفين على الشروط الواجبة.