أذكر أنني منذ ما يقرب من الثلاث سنوات، كنت في سيارتي أسير في شوارع القاهرة، ووقع نظري عن طريق المصادفة البحتة على اللافتة المكتوب عليها أسماء الشوارع، والأسهم التي تشير إلى كيفية السير في الاتجاه، وكان من ضمن هذه اللافتات، لافتة مُدون عليها "جزيرة بدران"، وهو شارع قريب من شبرا، فلفت انتباهي هذا الاسم، وقلت في نفسي أنه يصلح أن يكون اسم عمل روائي أو درامي، وتمنيت حينها أن أكون روائية؛ حتى أستطيع أن أرسم خيوط تلك الرواية، وتناسيت الأمر، ولكن في كل مرة أسير في هذا الطريق، وأقرأ ذلك الاسم، تُراودني الفكرة من جديد، ولا تلبث أن تتوارى خلف انشغالات الحياة. ولا أُنكر أنني حينها كنت أظن أنني أفتقر إلى كتابة الرواية، فقد ظننت أن تلك الموهبة بعيدة عني كل البعد، رغم قُدرتي على تنظيم الشعر، وكتابة المقالات، ولكن الرواية هي خلق وتجسيد شخصيات على الورق، داخل حبكة روائية قوية، وأحداث متتالية، يربطها خط درامي، فكان الأمر يبدو أمامي شديد الصعوبة، حتى لعبت الصدفة دورها في حياتي، عندما مررت بأزمة في العام الماضي، حتى كادت أن تعصف بي تمامًا، وحينها سمعت بالمصادفة عن لعبة الحوت الأزرق، فقلت في نفسي لماذا لا يكون هناك عمل روائي باسم "الحوت الأزرق"، وتخيلت هذا الاسم، لو أنه وضع على أفيش فيلم سينمائي، وبدأت أنسج خيوطه في مُخيلتي، وهذا الأمر لم يستغرق مني سوى ساعة واحدة، غُصْتُ فيها مع الخيال، فقررت أن أمسك بالقلم، وأبدأ في تدوين وسرد الأفكار، والمُصادفة أن الدفتر الذي اشتريته لكتابة الرواية، كان غلافه باللون الأزرق، وضحكت وقلت إنها بشارة خير، ورغم كل ذلك، كنت على يقين أنني سأمل، ولن أكمل الرواية؛ لأنني لم أكتب من قبل رواية أو حتى قصة قصيرة، ولكنني فُوجئت أنني أعيش الأحداث، وأتفاعل معها، واندمجت في الكتابة، لدرجة أنني طيلة شهر بأكمله، وهو مدة كتابة الرواية، كانت أجمل ساعة في اليوم، هي ساعة كتابة أحد فصول الرواية، وأحمد المولى عز وجل أنها نالت إعجاب القُرَّاء والنقاد، فقررت هذا العام أن أُحقق حلمي، بكتابة رواية "جزيرة بدران"، وكنت قد وجدت أخيرًا الحبكة الروائية، التي ظللت أحلم بها على مدار ثلاث سنوات، ولذا عندما سُئلت أثناء حفل توقيع الرواية هذا الأسبوع، عن سبب اختياري لهذا العنوان، أجبت بأن هذا العنوان لا صلة له البتة بالمكان أو الحي الذي يحمل اسمه، ولكنه فقط كان اسمًا مغريًا لي، لنسج خيوط الرواية.
ومن توفيق المولى سبحانه وتعالى، أنها نالت إعجاب النقاد، وأشادوا بها في الحفل، لدرجة أنهم شبهوها بروايات الأدب العالمي، والأساطير الخالدة، والملاحم التراثية، فكان هذا أكبر وسام على صدري، إجماعهم على نجاحها، وعلى قدرتي على جذب القُرَّاء، فحينها أعلنت على الملأ أنني كنت أتمنى أن تكون "جزيرة بدران"، هي عملي الروائي الأول، ولكنه القدر، الذي جعلها الرواية الثانية، بعد "الحوت الأزرق"، والتي أدين لها بدخولي عالم الروائيين في مصر، والتي أخرجتني من محنتي، التي كانت ستقضي علي، لولا أن لاحت لي فكرة كتابتها، والتعايش مع أحداثها، لذا فلن أنسى فضل "الحوت الأزرق"، فهي مُنقذتي وبدايتي، وأول كتاباتي الروائية، ولكن "جزيرة بدران"، كانت الحلم الذي حققته أخيرًا.
ومن هنا، أتقدم بخالص شكري لكل من آزرني في حفل التوقيع، وأدين بالشكر للكوكبة التي أشادت بهذه الرواية، وهم الروائي والكاتب الكبير "يوسف القعيد"، والناقد الكبير "شعبان يوسف"، والدكتورة والناقدة "نوران فؤاد"، والشاعر والناقد "سامي حداد"، والفنان الكبير "أحمد ماهر"، وكل من تشرفت بحضورهم من كبار الصحفيين والإعلاميين، ووالدي العزيز، الذي أمدني بالطاقة الإيجابية بتواجده معي، ومُؤازرته لي، ووُقوفه إلى جواري، ولن أنسى ما حييت أنه الشخص الوحيد الذي شجعني على كتابة الرواية، وكان واثقًا من أن هذه الموهبة بداخلي.