قال الكاتب النوبي حجاج أدول عضو لجنة "الخمسين لتعديل الدستور" إنَّه وأبناء جيله أمضوا سنوات في الحرب بدايةً من "حرب الاستنزاف"، مؤكِّدًا أنَّ هذه الحرب لم تأخذ حقها في التأريخ حتى انتصار السادس من أكتوبر. جاء ذلك خلال ندوةٍ أقامتها دار "العين" لمناقشة رواية "كَدِيسة" الصادرة حديثًا، وشارك فيها الناقد الدكتور صلاح فضل، والدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق. وقال حجاج، في كلمته، إنَّه تأخر في بدء الكتابة لأنَّ ظروف جيله كانت صعبةً، إضافةً إلى انشغاله بالقضية النوبية التي ظُلمت بسببها كثيرا، لا سيما أنَّ كثيرًا من الناس أخطأوا فهم القضية النوبية، موضِّحًا أنَّه حين يتكلم عن النوبة فإنَّه يقصد القضية الإنسانية وليس القضية العرقية، باعتبار أنَّ النوبة حالة إنسانية أضافت إلى كل المجتمعات التي كانت جزءًا منها. وأضاف: "كنت على وشك الانهيار أو كتابة ما لديّ، حين أقول ظلمت أعني أنَّ هذا الظلم يقع على نمط من البشر وليس علي حجاج شخصيًّا". ورأى الدكتور صلاح فضل: "الرواية تختلف عن سائر الروايات العربية التي ناقشت العلاقة بين الشرق والغرب، فأغلب الكتاب العرب الذين تناولوا هذه العلاقة بين الشمال والجنوب عادةً يبدأون من الجنوب الأقرب إلى خبراتهم ووعيهم، فبدأ الكاتب السوداني الطيب صالح رائعته موسم الهجرة إلى الشمال بالجنوبي الذي يذهب إلى أوروبا، أمَّا حجاج فقد اتخذ الطريق المعاكس لتكون روايته حول شخصية كلود الأول الذي أتى مع حملة لويس التاسع لغزو مصر وانتهى به الحال أسيرًا في المنصورة". وأضاف: "أغلب الروائيين يجمعون خبراتهم الشخصية، بالإضافة إلى ثمات أساسية في الشخصيات عايشوها لترتبط معا في حبكة درامية، أمَّا حجاج فقد قدَّم مغامرةً روائيةً لينطلق مع بطل غربي يأتي إلى مصر، نحن هنا إذا أمام كاتب استطاع أن ينشئ خلقًا جديدًا ليس له علاقة بخبراته، يتمثل الحياة الغربية كيف يعيشون ويتزوجون وكيف يصنوعون نبيذهم" ويتتبع حجاج عشرة أجيال من أبناء كلود وهي واحدة من الأسر الأرستقراطية الفرنسية، أي حوالى 300 عام، ومع يرى فضل أنَّ رواية حجاج ليس تاريخية بل هي رواية اجتماعية بدأت بحدث تاريخي لكن صلبها رواية اجتماعية تحمل عبق الكتابة الحديثة وأسلوبها. واختتم: "لا أعرف رواية استطاعت أن تبلور رسالتها وتنسجها خيطًا خيطًا دون مباشرة أو أن تشعر القارة بأنها تملي عليه شيئًا، فنحن عادةً نستهجن ما سميت بالرواية الهادفة لأنَّها عادة تقع في فخ الصوت العالي والمباشرة، أمَّا حجاج فقدم رسالةً عظيمةً دون أن يملها القارئ". أمَّا الدكتور شاكر عبد الحميد فقدَّم قراءةً مستفيضةً استطاعت أن تمسك بالمشاهد الفنية للرواية، وقال إنَّ أول ما لفت نظره في الرواية هو الحضور القوي للمشاهد البصرية والتفكير البصري لدى حجاج، فالصورة دائمًا حاضرة في كل تفاصيل الرواية، بدايةً برسم الشخصيات بكافة تفاصيلها والأحداث الكبرى والحرب والجنود في الحرب، بل في الحياة اليومية داخل الأسواق والحضور الكزموبوليتاني والبهجة والألفة في الإسكندرية. وأوضح: "تنم هذه الطريقة في الكتاب عن خبرة سنيمائية وكتابة السيناريو لدى المؤلف، والرواية أيضًا تقدم وتعلي من شأن القيم الإنسانية، وهناك نوع من الحفر الدؤوب للبحث واكتشاف جوهر قيم الإنسانية من محبة وتسامح وقبول وتعايش سلمي مع الآخر، وهي رواية أجيال منقطعة متصلة فلا يتناول الكاتب حياة عائلة بكاملها بل يتخطى بعض أجيالها إذ ينتقل مباشرةً إلى الحفيد وفي هذا الاختيار تتأتى قيمة الحفيد باعتباره الأمل". وحجاج روائي سكندري من أصل نوبي، له خمس مجموعات قصصية، وعشر روايات وعشر كتابات مسرحية، ولد عام 1944 وبدأ الكتابة في الثمانينات، خاض الكثير من المعارك الفكرية والثقافية حول قضية أبناء النوبة.