لا يمكن للمرء أن ينكر على الآخرين شغفهم بلعبة كرة القدم أو أية رياضة أخرى، ولكن الذى يصعب قبوله هو حصر مشاكلنا كلها فى مدى الإنجازات والإخفاقات التى تحققها هذه اللعبة أو تلك.. فلو أن الشعوب يقاس تقدمها بمدى تفوقها فى كرة القدم مثلا لأتت دول عملاقة مثل الصين والهند على رأس دول العالم النامى المتخلف..! والعجيب أنك لا تجد معظم الناس مهموما بمستوانا العلمى أو الاقتصادى كما هو مهموم بمستوانا الكروى.. فقد خرجت جامعاتنا كلها من التصنيف الدولى الذى شمل 500 جامعة على مستوى العالم، ولم نجد ردود فعل على المستويين الرسمى أو الشعبى تتناسب مع هذا الانحدار الخطير فى أهم مجال من مجالات الحياة، أقول ذلك بمناسبة حالة الحزن والوجوم التى سيطرت على كثير من الجماهير بعد الإخفاق الأخير لمنتخبنا الوطنى فى التأهل لبطولة أفريقيا.. وربما ذهب الشطط ببعضهم إلى التحسر على النظام البائد الذى حققنا فيه بطولة أفريقيا مرات عديدة..!! لقد تحول اللاعبون فى لحظات الانتصار إلى أساطير، تروى سيرتهم وكأنهم من أبطال الإغريق الذين تسمع عنهم ولا تراهم، وأحسب أن كثيراً من العلماء والمفكرين والساسة يندبون الآن حظوظهم التى حرمتهم من أن يكونوا لاعبى كرة مشهورين! ولا تتعجب إذا رأيت أبا يعنف ابنه الذى لا يكف عن المذاكرة، رافضا الذهاب إلى النادى أو النزول إلى الشارع للعب مع أصحابه.. وربما فعل الأب ذلك خشية على ابنه وخوفا من أن يحدث له مثلما حدث لأخيه الأكبر الذى خيب آمال أسرته، وتخرج فى كلية الطب ليصبح طبيبا فى انتظار التعيين فى منطقة نائية نظير دراهم معدودة..!