لاشك أن النشر فى الكثير من الأحيان قد يؤثر على مجريات التحقيقات أو أدلتها أو شهودها خاصةً فى المراحل الأولية، أو قد يزيف الحقائق بقصد أو بغير قصد، أو هروب المتهم للإفلات من الجزاء، كما قد يؤثر النشر على قرائن أخرى خاصة بخط سير القضية، والمدعى العام يتخذ هذه الصلاحية فى منع النشر إذا رأى أنه سينتهك خصوصية الجناة أو الضحايا، أو قد يؤثر على الشهود من خلال الضغط الإعلامى عليهم، مما يحيد عن الطريق الصحيح لتحقيق العدالة، إلا أنه يجب ألا يستخدم هذا الحق فى غير محله أو فى تلك الحالات غير الضرورية، أى أنه يجب أن يقتصر على الحالات الهامة والضرورية مثل قضايا الأحوال الشخصية وحماية الخصوصية، بالإضافة إلى القضايا التى تمس الأمن القومى. المشكلة هنا أن يستخدم هذا القرار بشكل غير مبرر، فأخبار التحقيقات لدينا فى مصر غالباً ما يطلق عليها حظراً للنشر، فربما تكون هناك مواقف مؤيدة مع أو ضد أطراف القضية، ومن الممكن أن يتم تبرئة المتهم الحقيقى فى القضية، فى حين يدان شخص آخر ليس هو المرتكب الحقيقى للجريمة، ومع هذا فأنا ضد التوسع فى اتخاذ قرار الحظر على النشر، ومن حق المدعين والمتهمين توفير مناخ لمحاكمة عادلة لهم، ولكن يبدو أن هذا يأتى على حق الإنسان فى المعرفة، ومن ثم يجب أن يكون لقرار الحظر ما يبرره. إن القرار الذى يتخذه النائب العام المصرى فى شأن حظر النشر له أصوله فى قانون العقوبات أو الجنايات المصرى الخاص بجرائم النشر والعلانية، وأيضاً نص عليه قانون الصحافة الجديد، علاوةً على قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996، وجميعها تنص على حق النائب العام المصرى فى فرض حظر النشر، وليس هذا للسلطة التنفيذية أو النيابة الإدارية. لكن ما حدث فى الآونة الأخيرة من فرض حظر النشر فى قضايا لا تمثل أهمية ما بقدر حق الفرد فى المعرفة والحصول على المعلومات، يعد استخداماً غير مبرر لهذه الصلاحية للنائب العام، خاصةً أن هذه القرارات جاءت لحماية مصالح خاصة بعينها. إننى هنا أود الإشارة إلى أنه مع انتشار التقنية المعلوماتية والطفرة الرهيبة التى أحدثتها الشبكة العنكبوتية فى انتشار المدونات والمواقع الإخبارية، والتى تأخذ شكل الصحافة الإلكترونية، أصبحت المعلومات تنساب من ينابيع متعددة، ولم يعد حتى المحظور منها خفياً على أى فرد فى أطراف المعمورة، إلا أن الخطورة الجمة فى مثل هذه القضايا التى تحتاج إلى حظر، تتمثل فى أنه من الممكن أن ينقل أحد المدونين أخباراً كاذبة قد تضر بسير التحقيقات، علاوةً على أن الصحافة الإلكترونية فى البلاد العربية لم تتخذ لنفسها الشكل الكامل والموثوق بها .. اللهم إلا بعض المواقع. لقد انتهكت بعض وسائل الإعلام قرارات للحظر فى حقبة السبعينيات من القرن المنصرم، والأمر الآن أصبح أكثر انتشاراً، فيجب عند اتخاذ مثل هذا القرار أن يتسم بالدقة ويفرض الحظر لمدة صغيرة جداً حتى يمكن تحقيق العدالة، والحد من انتشار الشائعات، دون إهمال لحق الفرد فى المعرفة والحصول على المعلومات باعتباره مبدأ أساسياً وقانونياً للأفراد. ولكن هناك بعض الاستثناءات، ففى قانون "حرية تداول المعلومات"، الذى تم تقديمه للجنة التشريعية فى البرلمان المصرى، والذى لم يصدر حتى الآن، باب الاستثناءات فى منع النشر لضمان حماية الحرية الشخصية من الاعتداء، وأيضاً ضمان حسن سير العدالة فى بعض القضايا التى تستدعى ذلك كما ذكرنا سالفاً، ولكن الأصل فى نصوص هذا القانون بمواده، إتاحة المعلومات للجميع مهما علا شأنهم أو قل من أفراد عاديين أو إعلاميين وخلافه. ولا ننسى فى هذا الصدد أن نذكر أن قانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 سمح بحرية تداول المعلومات إلا ما كان منها سرياً، لكن النص الذى جاء فيه كان فضفاضاً، أما القانون القديم والذى تم إلغاؤه رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة النص جاء فيه أكثر تحديداً، ويعطى للصحف الحق فى تداول المعلومات، كما كان ينظم العلاقة بين الأجهزة المعنية التى تعمل على إعطاء المعلومات وبين مستهلكيها.