هو سيدى أحمد بن عمر الأنصارى المرسى الشاذلى المالكى المرشد المربى، العارف بالله قطب الزمان وارث سر سيدى أبى الحسن الشاذلى وخليفته رضى الله عنهما. اشتهر بكنيته أبو العباس وبلقبه المرسى نسبة إلى بلدة مرسية التى ولد فيها سنة 616 هجرية. تلقى سيدى أبو العباس المرسى رضى الله عنه التصوف على يد شيخه الصوفى الأشهر سيدى أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه، الذى التقى به سيدى أبو العباس المرسى رضى الله عنه فى تونس فى سنة 640 هجرية، بعدما تزوَّد بعلوم عصره كالفقه والتفسير والحديث والمنطق والفلسفة، وجاء أوان دخوله فى الطريق الصوفى وتلقيه تاج العلوم: التصوف. وصحَّت صحبة سيدى أبى العباس رضى الله عنه لشيخه الشاذلى، وصار من بعده إماماً للطريقة الشاذلية، وكان قبلها قد تزوَّج بابنة شيخه، ومن المأثورات المروية عن سيدى أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه، الدالة على المكانة الروحية لتلميذه سيدى أبى العباس رضى الله عنه قوله: يا أَبَا العبَاَّسِ؛ واللهِ ما صَحَبْتُكَ إِلاَّ لِتَكُونَ أَنْتَ أَنَا، وأَنا أَنْتَ.. يا أَبا العَبَّاسِ؛ فِيكَ مَا فِى الأَوْلِيَاءِ، وَليْسَ فِى الأَوْليَاءِ مَا فِيكَ. ومن مأثورات سيدى أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه التى اشتهرت بين الصوفية، عبر مئات السنين، قوله: أبُو العبَّاسِ مُنْذُ نَفذَ إِلى اللهِ لَمْ يُحْجَبْ، وَلَوْ طَلَبَ الحِجَابَ لَمْ يجدْهُ.. وأَبُو العبَّاسِ بِطُرُقِ السَّمَاءِ، أَعْلَمُ مِنهُ بِطُرُقِ الأَرْضِ! كان سيدى أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه يقول مفتخراً بسيدى أبى العباس، يأتى الأعرابى إليه يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفاً بالله. ويقول سيدى أبو العباس مفتخراً ومتحدثاً بنعمة الله عليه "والله لو حجبت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عيناى طرفة عين ما عددت نفسى من المسلمين". كان يقول رضى الله عنه "والله ما سار الأولياء من قاف إلى قاف حتى يلقوا واحداً مثلنا فإذا رأوه كان يغنيهم". وكان يقول رضى الله عنه، "شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ولم يشاركونا فيما نحن فيه. فكان رضى الله عنه يتكلم فى سائر العلوم وكل اللغات والألسن"، وكان لا يتحدث إلا فى العقل الأكبر والاسم الأعظم والأسماء والحروف ودوائر الأولياء والمقامات والمقربين من العرش وعلوم الأسرار. وكان يقول رضى الله عنه وهو يمسك بلحيته، "لو علم علماء العراق والشام ما تحت هذه الشعرات لأتوها ولو على وجوههم". وكان يقول رضى الله عنه، "والله ما دخل بطنى حرام أبداً"، وكان له ستون عرقا ينفض ويضطرب إذا اقتربت يده من طعام فيه شبهة، وكان النور يتلألأ من بين أصابعه. وفى سنة 642 هجرية، وصل سيدى أبو العباس رضى الله عنه مع شيخه الشاذلى إلى الإسكندرية، واستقرا بحى كوم الدِّكة. وبلغ من زهده أنه أقام بالإسكندرية ستاً وثلاثين سنة ما رأى وجه واليها ولا أرسل إليه وطلبه الوالى للاجتماع فأبى. قال رضى الله عنه، أطلعنى الله عز وجل على الملائكة ساجدة لآدم عليه السلام فأخذت قسطى من ذلك ثم أنشد يقول: ذاب رسمى وصح صدق فنائى وتجلت للسر شمس سمائى وتنزّلت فى العوالم أبدى ما انطوى فى الصفات بعد صفائى تولَّى سيدى أبو العباس رضى الله عنه، مشيخة الطريقة الشاذلية بعد وفاة سيدى أبى الحسن الشاذلى رحمه الله سنة 656 هجرية، وكان عمره آنذاك أربعين سنة. وظلَّ يحمل لواء العلم والتصوف حتى وفاته 686 هجرية، بعد أن قضى أربعةً وأربعين عاماً فى الإسكندرية، سطع خلالها نجم الطريقة الشاذلية فى الآفاق. كانت وفاته رحمه الله سنة 680 ه ، دُفن سيدى أبو العباس رحمه الله فى الموضع الذى يحتله اليوم مسجده الكبير بالإسكندرية. وكان هذا الموضع وقت وفاته، جبانةً يُدفن فيها الأولياء. وقد أُقيم سنة 706 هجرية بناءً على مدفنه، ليتَميَّز عن بقية القبور من حوله، فصار البناءُ مزاراً. ثم صار مسجداً صغيراً بناه زين الدين القَطَّان وأوقف عليه أوقافاً؛ وأُعيد بناء المسجد وتم ترميمه وتوسيعه سنة 1189 هجرية.