البرلمان الجزائري يصادق بالاجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي    مصر ضد جنوب أفريقيا| حسام حسن عن الأمطار في أكادير: خير لينا «شاهد»    الداخلية تكشف حقيقة فيديو متداول وتؤكد: الواقعة قديمة وتم اتخاذ إجراءات تأديبية    الذهب يقفز لمستويات غير مسبوقة وعيار 21 يتجاوز ال 6 آلاف جنيه لأول مرة    إتاحة الاستعلام عن القبول المبدئي للمتقدمين لشغل 964 وظيفة معلم مساعد بالأزهر    بدء المحادثات بشأن النزاع الحدودي بين تايلاند وكمبوديا    أسرع أهداف أمم أفريقيا 2025.. رياض محرز يكتب التاريخ مع الجزائر    رئيس جامعة الإسكندرية يعلن صدور قرار بإنشاء فروع للجامعة في الإمارات وماليزيا    الإدراية العليا تحيل 14 طعنا للنقض على نتيحة انتخابات النواب للدوائر الملغاة    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته في المنيا    محمد سامي يفاجئ مي عمر أثناء تصوير "الست موناليزا"    رئيس الوزراء: مصر كانت بتتعاير بأزمة الإسكان قبل 2014.. وكابوس كل أسرة هتجيب شقة لابنها منين    محافظ الغربية يفتتح عددًا من الأقسام والوحدات المطوّرة بمستشفى المحلة العام| صور    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته بسبب مشغولات ذهبية بالمنيا    بالأسماء.. مصرع شخص وإصابة 18 آخرين إثر انقلاب ميكروباص في أسوان    مدرب بنين: قدمنا أفضل مباراة لنا رغم الخسارة أمام الكونغو    البورصة المصرية تربح 4 مليارات جنيه بختام تعاملات الأربعاء    التعاون الاقتصادي والتجاري والمباحثات العسكرية على طاولة مباحثات لافروف والشيباني    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    هذا هو موعد ومكان عزاء الفنان الراحل طارق الأمير    المتحف المصري بالقاهرة يحدّث قواعد الزيارة حفاظًا على كنوزه الخالدة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    تقارير: نيكولاس أوتاميندي على رادار برشلونة في الشتاء    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    جامعة قناة السويس تعلن أسماء الفائزين بجائزة الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    غدا.. استكمال محاكمة والد المتهم بقتل زميله وتقطيع جثته فى الإسماعيلية    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    النائب محمد رزق: "حياة كريمة" نموذج للتنمية الشاملة والتحول الرقمي في مصر    كوت ديفوار تواجه موزمبيق في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025.. التوقيت والتشكيل والقنوات الناقلة    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    انتظام التصويت بالسفارة المصرية في الرياض    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    وفاة أصغر أبناء موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب    حوار إسلامي مسيحي لأول مرة بقرية «حلوة» بالمنيا حول ثقافة التسامح في الجمهورية الجديدة (صور)    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    أمم إفريقيا – براهيم دياز: سعيد بتواجدي في المغرب.. والجمهور يمنحنا الدفعة    وزير الري: الدولة المصرية لن تتهاون في صون حقوقها المائية    ضبط 4 متهمين اعتدوا على مواطن بأسلحة بيضاء بسبب خلافات فى السويس    لتشجيع الاستثمار في الذهب.. وزير البترول يشهد التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق مع آتون مايننج الكندية    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    ضياء السيد: إمام عاشور غير جاهز فنيا ومهند لاشين الأفضل أمام جنوب إفريقيا    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    وزير الصحة: قوة الأمم تقاس اليوم بعقولها المبدعة وقدراتها العلمية    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    محمد إمام يكشف كواليس مشهد عرضه للخطر في «الكينج»    طريقة عمل شوربة العدس الأحمر بجوز الهند والزنجبيل    القومي للطفولة والأمومة يناقش تعزيز حماية الأطفال من العنف والتحرش    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    واشنطن في مجلس الأمن: سياسات مادورو تهدد أمن الولايات المتحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر: الشرق كأديان وحضارات ليست له أيَّة مُشكلة مع الغرب
نشر في اليوم السابع يوم 22 - 10 - 2018

- القرآن يعلمنا أن «التعارف» هو قانون العلاقات بين الأمم والشعوب
- انفتاح الأزهر على المؤسَّسات الدينيَّة الكبرى في أوروبا أقوى دليل على إمكانيَّة التقارُب بين الشرق والغرب
- جامعة الأزهر تعتزُّ بدراسةِ التُّراث الإسلامي بجانب المناهج التعليميَّة الغربيَّة الحديثة
- الباحث عن الحقيقة والمؤهل لاكتشافها هو دائمًا: إمَّا مشكور وإمَّا معذور
- مناهج الأزهر بأصالتها وانفتاحها الواعي (تصنع العقل) الأزهري المعتدل في تفكيره وسلوكه
- المسلمون الذين يوصفون بالعُنف والوحشية هم دون غيرهم ضحايا هذا «الإرهاب الأسوَد»
- تعقُّبَ أسباب الإرهاب ليس محلُّه الإسلام ولا الأديان وإنما الأنظمة العالميَّة التي تُتاجر بالأديانِ والقيمِ والاخلاقِ

ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الاثنين، الكلمة الرئيسية في افتتاح أعمال الندوة الدولية "الإسلام والغرب.. تنوعٌ وتكاملٌ" التي ينظمهما الأزهر الشريف بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، بمركز الأزهر الدولي للمؤتمرات بمدينة نصر.

وأشار فضيلته إلى أن الشرق: أديانًا وحضاراتٍ، ليست له أيَّة مُشكلة مع الغرب، سواء أخذنا الغرب بمفهومِه المسيحي المتمثل في مؤسَّساته الدينيَّة الكبرى، أو بمفهومِه كحضارة علميَّة ماديَّة، وذلك من منطلق تاريخ الحضارات الشرقيَّة ومواقفها الثابتة في احتِرام الدِّين والعِلم أيًّا كان موطنهما وكائنًا من كان هذا العالِم أو المؤمن.

وأوضح شيخ الأزهر أن انفِتاح الأزهر الشريف على كل المؤسَّسات الدينيَّة الكبرى في أوروبا حديثًا، والتجاوبُ الجاد المسؤول من قِبل هذه المؤسَّسات الغربية -أقوى دليل على إمكانيَّة التقارُب بين المجتمعات الإسلاميَّة في الشرق والمجتمعات المسيحيَّة في الغرب، وأنَّ هذا التقارُب حَدَثَ ويُمكِن أنْ يحدُث.

وأكد فضيلة الإمام الأكبر أن مناهج الأزهر بأصالتها وانفتاحها الواعي على الحكمة أنَّى وُجِدَت، هي التي (تصنع العقل) الأزهري المعتدل في تفكيره وسلوكه، والقادر دائمًا على التكيُّف مع العصر وإشكالاته ومعطياته.

وفيما يلي النص الكامل لكلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله والصَّلاة والسَّلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

السادة أعلام المنصة!

الضيوف الأعزاء!

الحفل الكريم!

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللَّهِ وبركاتُه.

ومَرْحَبًا بِكُم في مصر المحروسة مُلتَقى الحضارات وحاضِنَةِ العلوم والثقافات، ووادي النِّيل وأرضِ الأهرامات وبلد الأزهر الشريف أقدم المعاهد العلميَّة وشيخ الجامعات.. حللتم أهلًا، ونزلتُم سَهْلًا.. طبتُم وطابت رحلتكم وطاب مُقامكم.

وشُكْرًا من الأزهر الشَّريف ومؤسَّساته، لاستجابَتِكُم الكريمة للمُشاركةِ في هذه الندوة الدوليَّة من ندوات الحوار بين الشَّرقِ والغرب، والتي أرجو أنْ تأتيَ ندوةً مُثمرة مُتميِّزة في مناقشةِ أمر العلاقة بين الإسلام والغرب، مناقشةً تتأسَّس على المصارحة والمكاشفة، وتأخذ في الحسبان الظروف القاسيةَ التي تُعاني منها شعوبنا هنا في الشَّرقِ، وتحتاج إلى تفكيرِ الحُكماء وتدبير العُقلاء من أمثالكُم.

السَّيِّداتُ والسَّادَةُ!

فكَّرتُ طويلًا في الكلمة التي ينبغي أن أُسهم بها في ندوتنا هذه، ووجدتُني في حالة تُشبه حالَة المُضطر للحديثِ في موضوعٍ مكرورٍ، فقد قيل فيه كلامٌ كثير، وصَدَرَتْ بيانات وتوصيات لا يُستهان بقَدْرِها في الدَّعوةِ إلى الحوارِ بين الحضارات، وضرورة الالتِقاء على أمرٍ جامعٍ بينها من أجلِ إنقاذ عالَمنا المعاصر من مخاطر الصِّراع والسَّلام المتوتِّر، وحروب الأمس الباردة، وحروب اليوم الملتهبة. ورُغم هذه الجهودِ المشكورة من حكماء الغرب والشرق، إلَّا أنَّ الطريقَ لا يزال وَعْرًا، وأنَّ جهدًا أكبرَ يجب أن يبذل، وقد تأمَّلتُ هذه المفارقة اللامنطقية بين الواقع والمأمول، وبدا لي أنَّ السبب قد يعود إلى وجود عقبات على طريق الحوار، وأنَّ الاشتغال بالتركيز على هذه العقبات: تشخيصًا وعلاجًا رُبَّما كان أجدى وأكثر اختصارًا لهذا المشوار الطويل.. ومن هذا المنظور تأتي كلمتي التي أُسهم بها في هذه الندوة، والتي سأوجزها فيما يشبه الخواطر والتأمُّلاتِ وأحلامَ اليقظة أيضًا.

وأوَّلُ ما أوَدُّ تأكيده -أمام حضراتكم-في هذا الشأن هو اقتناعي بأن الشرق: أديانًا وحضاراتٍ ليست له أيَّة مُشكلة مع الغرب، سواء أخذنا الغرب بمفهومِه المسيحي المتمثل في مؤسَّساته الدينيَّة الكبرى، أو بمفهومِه كحضارة علميَّة ماديَّة، وذلك من منطلق تاريخ الحضارات الشرقيَّة ومواقفها الثابتة في احتِرام الدِّين والعِلم أيًّا كان موطنهما وكائنًا من كان هذا العالِم أو المؤمن..

وما أظنُّ أنَّ هذه القضيَّةَ بحاجةٍ إلى البرهنة والاستدلال، فحضارة الأندلُس في قلبِ أوروبا قديمًا، وانفِتاحُ الأزهر الشريف على كل المؤسَّسات الدينيَّة الكبرى في أوروبا حديثًا، والتجاوبُ الجاد المسؤول من قِبل هذه المؤسَّسات الغربية -أقوى دليل على إمكانيَّة التقارُب بين المجتمعات الإسلاميَّة في الشرق والمجتمعات المسيحيَّة والعلمانيَّة في الغرب، وأنَّ هذا التقارُب حَدَثَ ويُمكِن أنْ يحدُث؛ وليس أمره كما قال الشاعر «كيبلنج»: «الشرق شرق والغرب غرب، وأبدًا لن يلتقيا».

وهنا أتذكَّر بحوثًا حديثة لبعض الغربيِّين المختصِّين بقضية الحوار الإسلامي المسيحي، يستدعون فيها تاريخ النَّمط الأندلسي بثقافاته الثَّلاث: اليهوديَّةِ والمسيحيَّة والإسلاميَّة، للاهتداء بهذا الأنموذج في رسم خارطةٍ لمسار الحوار الجاري حاليًا، وتصميم «إطار نظري وتطبيقي لقواعد هذا الحوار وأغراضه الأساسية»، وبخاصةٍ بعد ما بُذلت جهودٌ غربيَّة مُعاصِرَة جاوبتها جهودٌ شرقيَّة لدفعِ مَسيرة الحوار بين الإسلام والغرب، في مقدمتها: قرارات مَجْمع الفاتيكان الثاني (1962-1965)، وزيارة البابا بولس السادس لبعض الدول العربيَّة وعلى رأسها دولة فلسطين، وإعلانُ الأمم المتحدة تبني مشروعَ تحالُفِ الحضارات عام 2004م، والذي شجَّعَ على عَقْد مُؤتمرات حوار عالميَّة في الغرب والشرق، وكذلك زيارة البابا فرنسيس لمصر (في أبريل الماضي)، ومشاركتهُ في افتِتَاح مُؤتمر الأزهر العالَمي للسَّلام، وتبادل الزيارات بين الأزهر ورئيس أساقفة كانتربري، ومجلس الكنائس العالمي في جنيف والكنيسة البروتِسْتَانتيَّة بألمانيا، وقد شَعَر هؤلاء المختصون بما يَشْعُر به كل مهموم بقضيَّةِ «السَّلام الضَّائع»، من المصاحب والمتاعِب التي تقف حجر عثرة في طريقِ الجهود المبذولة محليًّا ودوليًّا، وتُباعد بينها وبين النتائج المحدودة التي تتمخَّض عنها هذه اللِّقاءات..

ومِمَّا يؤكِّد اقتناعي بأنه لا مشكلة للشرق أو الإسلام مع الغرب واقعُنا الذي نعيشه بحلوه ومُرِّه، وخيره وشَرِّه، مُنْذُ انفتحت أبواب المسلمين على الغرب في القرنيين الماضيين وحتى اليوم؛ فمنذُ ذلك الحين والمسلمون يعتمدون شيئًا غير قليل من حضارة الغرب في حياتهم نظريًّا وعمليًّا، وهذه مدارسنا وجامعاتنا، بل مدارس أطفالنا الأجنبيَّة التي يتحدَّثون فيها –بكلِّ أسف- الإنجليزيَّة والفرنسيَّة والألمانيَّة بأفضلَ مِمَّا يتحدَّثون العربيَّةَ، التي هي لُغة أمهاتهم وآبائهم وأوطانهم. أقول: هذه المؤسَّسات التَّعليميَّة تُلَقِّن أبناءنا من المواد العلميَّة والأدبيَّة كثيرًا مِمَّا يتلقَّنه الطلاب الأوربيون في جامعاتهم الغربية.. وهذه جامعة الأزهر، الجامعةُ الوحيدة التي تعتزُّ بدراسةِ التُّراث الإسلامي جنبًا إلى جنبِ المناهج التعليميَّة الغربيَّة الحديثة في كليات الطِّب والهندسة والصيدلة والعلوم والزراعة وغيرها - هذه الجامعة بها كُلية لتعليم اللُّغات الأجنبيَّة، وتدريسِ آدابها في أقسام علميَّة مختلفة، ويتردَّد في ردهاتها أسماء روَّاد الأدب الغربي بمدارسِه المتنوعة، بل أذهب بعيدًا لأقول «إن أقسام الأدب العربي في جامعاتنا تُدرِّس لطلابها العرب: مسلمين وغيرِ مُسلمين، كلَّ المذاهب النَّقديَّة المعروفة في الغرب، وكذلك أقسام الفلسفة تدرّس طلابها كل مذاهب الفلسفة الغربية.. بل أذهب إلى أبعد من ذلك حين أقول إنَّنِي دَرَست الفلسفة في كلية أصول الدِّين في ستينات القرن الماضي على شيوخ أجِلَّاء.. درسوا في جامعات أوروبا ونالوا شهاداتهم العليا على أيدي أساتذة أوربيين، وقد غرسوا في نفوسنا احترام هؤلاء الأساتذة، وتوقيرَهم والاعترافَ بفضلهم حتى وإن اختلفنا معهم».. وهذه السماحة التي حرص شيوخنا على تأديبنا بها، لم تكن انعكاسًا لما تعلَّموه في أروقة جامعات الغرب بقَدْرِ ما هي انعكاس لفلسفةِ الإسلام في تواصله مع الآخر: تأثرًا وتأثيرًا.. فهذا هو الفيلسوف المسلم «ابن رُشد» الذي تعرفه جامعات الغرب وتعرفُ فضلَه على أوروبا في القرون الوسطى، يؤصِّل في نصٍّ بديعٍ، لا أمَلُّ من التذكير به، في ضرورة النَّظَر العقلي ومشروعية انفِتاح المسلمين على ثقافات الآخرين، وضرورة الاستفادة من جهود السابقين عليهم، في كل العلوم، بما فيها علوم الفلسفة، التي هي أخطر العلوم مساسًا بالعقائد والأديان.. يقول ابن رشد في هذا النص: «يجب علينا إن أَلْفَيْنا لمن تقدَّمنا من الأُمَم السَّالفة نَظرًا في الموجودات (....) أن ننظرَ في الذي قالوه من ذلك، وما أثبتوه في كتبهم: فما كان منها موافقًا للحقِّ قبلناه منهم، وسُررنا به، وشكرناهم عليه، وما كان منها غير موافق للحق نبَّهنا عليه، وحذَّرنا منه، وعذرناهم».

والذي يقوله «ابن رشد» في هذا النص لا يقوله تجمُّلًا للذات ولا مجاملة للآخر، وإنَّما يكشف فيه عن أصلٍ ثابت من أصول الإسلام في الحث على البحث عن الحقيقة، وشُكْرِ مَن يكتشفها وعُذْرِ مَن يُخفق في اكتشافها، وهذا ما نحفظه عن ظهر قلب عن نبي الإسلام ﷺ من أنَّ المجتهد الذي يصيب الحق له أجران من الله تعالى: أجر مشقَّةِ البحث وأجر اكتشاف الحق. والمجتهدُ الذي لا يصيب الحق في اجتهاده له أجرٌ واحدٌ هو أجر عناء البحث ومكابدتهِ، فالباحث عن الحقيقة، والمؤهل لاكتشافها هو دائمًا في فلسفة الإسلام: إمَّا مشكور وإمَّا معذور، ولا أظن أنَّ معادلة أخرى تبلغ من السَّماحة مع الغير ما تبلغه هذه المعادلة.

ومَنْ يشرفنا منكم –أيُّها السَّادة الضيوف الفُضلاء-بزيارة لكلياتنا الأزهريَّة العريقة في حَيِّ الأزهر القديم يرى معهدًا لتعليم طلابِنا الذين هم شيوخُ المستقبل، اللُّغاتِ الأوربيَّةَ، وإعدادِ المتفوقين منهم للدراسات العُليا في جامعات أوروبا، وهذا المعهد يشترك في إدارته والإشراف عليه المركزُ الثقافي البريطاني، والمركزُ الثقافي الفرنسي، ومعهدُ جوته الألماني، تحت مظلَّة مشيخة الأزهر الشريف..

هذه هي مناهج الأزهر بأصالتها وانفتاحها الواعي على الحكمة أنَّى وُجِدَت، هي التي (تصنع العقل) الأزهري المعتدل في تفكيره وسلوكه، والقادر دائمًا على التكيُّف مع العصر وإشكالاته ومعطياته.

وأمرٌ آخر قد يخفى على كثيرين في أمر العلاقة بين الشرق والغرب؛ هو أنَّ كثيرًا من المظاهر الثقافية والحضارية الأوروبية متغلغلٌ اليوم في عُمق ثقافتنا الشرقية، في شتَّى ميادينها السياسيَّة والتعليميَّة والاجتماعيَّة والفنيَّة، وأن الاختلاف بين الثقافتين يكاد يكون محصورًا في مجال الدِّين والعقيدة وما يرتبط بهما من قيم وتقاليدَ تاريخيَّةٍ وثقافية، لا مفرَّ منها لأي شعب من الشعوب، أو أمة من الأمم تحرص على ثقافتها وتحميها من العُدوان والذوبان والاندثار..

السَّيِّداتُ والسَّادَة!

لعلَّكم تتفقون معي، بعد هذا السَّرد، في أنَّ سؤالًا مشروعًا يفرض نفسه هنا وهو: أين هذا الإسلام المنغلق على نفسه، والمحبوسُ في ماضيه، والذي يُشكِّل أتباعه خطرًا ماحقًا على حضارة الغرب ومنجزاته الكبرى في علوم الكون والإنسان؟! وأين شعب من شعوب المسلمين يملك مصنعًا واحدًا من مصانع أسلحة الدَّمار الشامل، أو مَصْدَرًا واحِدًا من مصادر القُوَّة العنيفة الرَّادِعة ويُمْكِن أن يُقال عنه أنه يرعِب القُوى الدوليَّة، التي تتمتَّع –بكل أسف- بحرية لا سقفَ لها، في أن تقول ما تشاء، وتفعلَ ما تُريد، وتلوِّحَ بعصاها الغليظة لكل من يُعارضها، أو يجرؤ على التفكير في مُراجعتها!!

إنَّ المشكلةَ –فيما أعتقد-وقد أكون مصيبًا وقد لا أكون، تكمُن في هذه القُوَّة العالميَّة التي يملؤها الشعور بالغَطْرَسَةِ وبحَقِّ السيطرة على الآخرين وتسخيرهم لتحقيقِ مصالحها ومنافعها الخاصة، انطلاقًا من الشعور بأنها الحضارة الأرقى والأنقى، وصاحبةُ الحق المطلق في سيادة الشعوب وقيادتها..

وهذه هي عينُ الذَّرائعُ التي تذرَّع بها الاستعمارُ القديم وبرَّر بها انقضاضه على مقدَّرات الشعوب وثرواتها.

وأنا –أيُّها السَّادَة الفُضَلاء!- مِمَّن يؤمنون بتعارُف الثقافات، وتكاملها وتعاونها، تعلَّمتُ ذلك من القرآن الكريم الذي حفظتُ منه منذ الطفولة أنَّ «التعارف» هو قانون العلاقات بين الأمم والشعوب، وذلك في الآية التي يعرفها المسلمون وغيرُ المسلمين في الشرقِ والغرب، وهي قوله تعالى: ▬يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ♂ [الحجرات: 13]، كما تعلَّمتُه في دراستي للتراث العقلي عند المسلمين وتلاقحه مع ثقافات اليونان والهند والفلسفات الدينية في العصر الوسيط.

ولم يكن يخطر بالبال يومًا أنَّ القرنَ العشرين قرنَ التقدُّم الحضاري، والرُّقيِّ الإنساني، وقرنَ حقوق الإنسان، ومواثيقِ السَّلام الدوليَّة.. سوف ينتهي بظهور نظريَّات ومذاهبَ تمهِّد للحروب بين الشعوب وتبرِّر الصِّراع بين الحضارات، وقد قرعتْ أسماعَنا طويلًا نظرية الصراع الطبقي التي ما لبثت أن تهاوتَ وذهبت أدراج الرياح، و «نظريَّةُ نهاية التاريخ»، ونظريَّة «هنتنجتون» في صِراع الحضارات، وهي نظريَّات ترتد أصولها إلى أطروحات عُنصرية خالصة، في مُقدِّمتها: أطروحة ماكس فيبر العالِم السسيولوجي والاقتصادي الألماني (1864-1920م) الذي مضى على رحيله اليوم قرابة قرن كامل من الزمان.. هذا العالِم أسَّس لنظريته بدعوى تقول: إن «مقارنة الحضارة الغربيَّة بغيرها من الحضارات البشريَّة، تُثبتُ تفرُّد الحضارة الغربيَّة بخصائصَ فريدةٍ في نوعها، لا يوجد لها نظيرٌ بين سائر الحضارات الأخرى، وأن خصائصَ الحضارةِ الغربيَّة لم تعرفها أيَّةُ ثقافةٍ إنسانيَّةٍ أخرى خارج ثقافة الغرب»

ثم جاء المُستشرق الشَّهير الإنجليزيِّ الأصل: «برنارد لويس»، ليؤكِّد في كتابه: «الإسلام»، أنه أوَّلُ مَن أطلَق فِكْرَة: [صِدَام الحضارات] عام 1957م، غداة تأميم مصر لقناة السويس بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتعرُّضِ الشعب المصري لحرب العُدوان الثُّلاثي عام 1956م.. وقد عاد لويس لهذه الفكرة مرَّة أخرى عام 1990م، وهو بِصَدَدِ الحديث عن العالَم العربيِّ والإسلاميِّ ليُؤكِّد من جديدٍ أنَّ أمْرَ الغرب حيال الإسلام هو أمرُ صِدَامِ حضاراتٍ حقيقي وتاريخي، وأنَّ صِدَامَ الغرب لهذا الدِّين بالذَّات ولحضارته من بين سائر الحضارات الأخرى هو –فيما يقول-: «ردُّ فعل على خصمٍ قديم لتراثنا اليهودي والمسيحي»، ثم يقول: «إنَّ صِدامَ الحضارات هو مَظهر مهم للعلاقاتِ الدوليَّة الحديثة».

السَّيِّداتُ والسَّادَة!

أرجو ألَّا يُفهم من كلامي أني أُنحي باللائمة كلِّها على الغرب وحضارته، ففي الشَّرق أيضًا عيوب وسَلبيَّات، أسهَمَت في تأكيدِ ظاهِرَة الخوف من الإسلام التي انتَشَرَت مؤخَّرًا بين جماهير الغرب، ومن أخطرِ هذه العيوب هو هذا الصَّمت المريب عن الإرهاب الذي مَكَّنَ للحركات السياسيَّة المسلَّحة من الرَّبطِ بين الإسلام وبين جرائمها الإرهابيَّة، وإطلاقِ أسماءٍ دينيَّة على مُنظَّماتها، استقطبت بها كثيرًا من الشَّباب والشَّابات الذين غرَّهم هذا المظهر الديني الخادِع.. حتى استَقرَّ في أذهانِ الغالبيَّة من الأوروبيِّين والأمريكان أنَّ العُنْفَ والإسلام توأمان ورضيعا لِبان لا يُفارِقُ أحدهما الآخر إلَّا ريثما يَلتصِق به من جديد.

حتى بات من الصَّعب توضيحُ الحقيقة للغرب والغربيِّين، وأنَّ هذا الدِّين مختطفٌ بالإكراهِ لارتكاب جرائمَ إرهابيَّة بَشِعة على مرأى ومسمع من أهلِه وذويه والمؤمنين به، وأنَّ المسلمين الذين يوصفون بالعُنف والوحشية هم –دون غيرهم-ضحايا هذا «الإرهاب الأسوَد»، وأن تعقُّبَ أسباب الإرهاب، والبحثَ عن عِلَلِه القُصوى ليس محلُّه الإسلامَ ولا الأديانَ السَّماويَّة، أمَّا محلُّه الصَّحيح فهو الأنظمة العالميَّة التي تُتاجر بالأديانِ والقيمِ والأخلاقِ والأعرافِ في أسواقِ السِّلاح والتسليح وسياسات العُنصرية البغيضة والاستعمار الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.