"سلاماً عليك يا سوريا مودعاً يرجو اللقاء".. هكذا قالها هيرقل عندما تم إرغامه على سحب قواته من سوريا فى العصور الوسطى. دخلت سوريا مرحلة دقيقة فى حياتها السياسية لم تشهدها منذ نبذ الوحدة مع مصر عام 1961 لقد استقرت إبان حكم الرئيس الأسد الذى امتد منذ عام 1971 حتى عام 2000، وهو رجل لم يدنس كلتا يديه أو حتى إحداهما بالتفاوض مع الكيان الصهيونى، أو حتى يصافحهم رغم احتلالهم أرض الجولان حتى الآن، ويوم أن لاقى الأسد ربه بكته سوريا ومناطق بلبنان مر البكاء، وعدلوا الدستور فى بضع دقائق ليتاح الأمر أمام نجله بشار لخلافة والده، وهو الذى لم يكمل عقده الرابع من عمره، لقد تماسك الأسد الابن بضع سنوات، مع وجود سحابات سوداء كثيفة تمثلت فى معارضته على يد وزير خارجيته الأشهر ونائبة عبد الحليم خدام الذى رأى فى ذاته الأحق بحكم البلاد لملازمته الأسد الأب سنوات طويلة، وإدارة البلاد أناء مرضه، وشكل هؤلاء وغيرهم معارضة فى المنفى حتى نجحوا فى إقصاء الجيش والشرطة السورية عن أماكن بعينها فى لبنان، فقد دأبت سوريا على التدخل فى الشأن اللبنانى منذ ولاية الأسد، وتعايشوا على تهريب العمال عبر حدودهم مع لبنان التى لا يستطيع أن يفصلها كائن من كان، لقد نفضت أمريكا اليد السورية من سحر لبنان، فأثر ذلك على الأوضاع الاقتصادية، وزاد حجم البطالة مع استمرار القمع الشعبى ضد الحريات التى سلكها حزب البعث، وهى أطول بلد تعايشت مع قانون الطوارئ لمدة خمسين عاماً امتدت حتى الآن. ورغم أن سوريا حليف قوى لإيران وحزب الله فى لبنان وأتباع صدام فى العراق، إلا أن نظامها يلقى وهناً على وهن فى وجه المقاومة الشعبية حتى أطلقوا الرصاص على الثوار علانية فى شوارع دمشق، فاستشهد العشرات فى الجمعة الدامية التى مرت، ومازال الأسد الابن فى حالة ذهول مما يراه ولا يعرف من أين يستقر حكمه ويهدأ شعبه، ويفكر فى أى البلاد يمكن استقباله هل السعودية أم تركيا. إن الحكام العرب دفعوا ثمن تخاذلهم عن نجدة صدام حسين يوم نحره صبيحة عيد الأضحى منذ خمسة أعوام، والتزموا الصمت ولم يعلموا أن الدائرة عليهم تدور، لقد شنق صدام فى بلاده ودفن فيها أما حكام عرب قد لا يجدون أرضاً تواريهم جزاء استهانتهم بشعوبهم والتنكيل والسوء الاقتصادى الذى شهده معظم دول الوطن، لقد بدأتها تونس وتبعتها مصر ومازالت الثورات تغلى فى اليمن والبحرين وسوريا على أشدها، والأوضاع فى ليبيا لا تبشر بخير، وهناك حركات محدودة فى المغرب والجزائر والسعودية وقطر والإمارات والعراق والسودان الذى مازال يعانى آلام الانقسام. إن الأورام السرطانية التى ألمت بالشعوب العربية فى طريقها للزوال بفعل الكيماوى الذى تبثه الشعوب لكبح جماح المرض حتى يتعافى الشعب كله من آلامه ويصبح الجسد العربى لا يستلزم السهر أو الحمى، أما الآن فجميع أعضائه تتداعى. * نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب