كم من الجرائم ترتكب فى بلدنا الحبيب باسم الحصانة! إن الحصانة فى كل البلاد المتقدمة تكون سلاحاً فى يد النائب لكى يهاجم بها حكومته إن أخطأت، أو يستخدمها فى أن يطلع على الوثائق التى يضع من خلالها رأيه فى أمر هام، أما فى مصر تستغل الحصانة أسوأ استخدام، فيمكن لمالكها أن يقترض من البنوك ويهرب للخارج، أن يقتل 1034 فردا غرقاً ويفر إلى الخارج، ويمكنه أيضاً أن يتلاعب بالبورصة ويشترى الأراضى بأبخس الأثمان ليسقعها ثم يبيعها بكل غالٍ وثمين، ويستطيع أيضاً تضليل الجماهير حتى ظن بعض من لديهم حصانة أنهم محصنون ضد أن يخرجوا من كراسيهم حتى صاروا يتصرفون وكأنهم باقون أبد الدهر، وصارت فكرة الحصانة مسيطرة على أذهانهم وقلوبهم حتى أننى أتخيل أنهم تعاملوا مع كل شىء حولهم من خلال منظار الحصانة، ولكم مثال على ذلك. يبدو أن هؤلاء المسئولين ظنوا أن مبانيهم ومكاتبهم هى الأخرى محصنة، ولن يصبها مكروه فلم يأمنوا واحدا من أعرق المبانى تاريخياً فى مصر ضد الحرائق ظناً منهم أنه محمى مثلهم بالحصانة! ودعونا نسألهم ألا يستحق مبنى مجلس الشورى، وباقى المبانى الحكومية، وكل ما فى مصر أن يؤمن ضد الحرائق ويحصن كما أنتم أيضاً محصنون، ألا يستحق ذلك المبنى التاريخى أن يكون له نظام إنذار مبكر ليعمل على أمانه مهما كان ذلك مكلفاً على خزينة الدولة التى تصرف عليكم فى أمنكم الشخصى من عربات حراسة، ومصفحة، ومواكب خادعة. هل نسيتم أن مصدر حصانتكم هذا هو ذلك المبنى والكثير من المبانى التى تقطنوها، وتهملوها؟ ألم يفكر واحد منكم كيف سيكون حاله إن وقع الحريق وهو بداخل هذا المبنى!؟ كيف صار آفاق تفكيركم محدودا حتى خلعتم الحصانة على من ليس له حصانة إلا من عند الله فنحن فى مصر نترك كل شىء على الله سبحانه وتعالى هو الذى يستر علينا وعلى أفعالنا! كم كنت حزيناً وأنا أرى تاريخ مصرنا الحبيب مهددا لتقصير بعض من رجالها احتموا فى حصانتها ونسوا تحصينها! أفيقوا يا كبار مصر قبل أن تأكل نار مجلس الشورى كل أخضر ويابس، وقبل أن تأكلكم أنتم. وأراكم رأيتم نظرات الشماتة فى عيون الكثيرين المعذورين الذين لا يعرفون قيمة الوثائق الموجودة بالبناء المحروق، ولم يروا فيه إلا رمزاً لكم، ولاستهانتكم بهم، واستهتاركم بمطالبهم. انظروا حولكم فى تأنى وتأمل لتعوا درس حريق مجلس الشورى من كل جوانبه لتدركوا أن حتى مصدر الحصانة زائل، والشعب شامت، وغير مقدر لقيمة النفائس التى على أرضه، وكم هم غاضبون منكم، أفيقوا وحصنوا ما بقى من مصر، وارفعوا الحصانة عمن لا يستحقها قبل أن يرفعها أُناس غيركم، أنا لا أحذر من ثورة، ولا أحب الثورات، فطالما أتت لنا بالنكسات ولا أحب لغة التهديد، ولا التحذير فأنا من أنصار تبادل كراسى الحكم بطرق ديمقراطية لنأتى بمن يستطيع تقييم تاريخنا واحترامه وتقديره، وأنا على ثقة أن هناك من بيننا من يستطيعون ذلك وعلى وعى بقيمة مصر وتاريخها، كما أننى على ثقة فى من هم بالحكم الآن أنهم قادرون على استيعاب الدرس، ولن يعطوا الفرصة للأقدار السيئة لتكراره فسيصونوا، ويحصنوا كل شبر من أرضنا كما يحصنون أنفسهم بالقوانين، والمواكب حتى لا نعطى الفرصة للشامتين ليشمتوا فى قوم لم يصونوا ماضيهم الذى لا يبقى لهم سواه الآن، على أمل أن يسطروا هم بأنفسهم حاضرا ومستقبلا بإذن الله.