الأسبوع الماضى شهد حدثاً كبيراً زلزل نحو 50 أسرة من الداخل، عندما قاموا فى مطار القاهره بتوديع صغارهم المسافرين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وعدد من الدول الأوربية والآسيوية فى مهمة دراسية ثقافية تستمر لمدة عام. فمن بين أكثر من 2000 طالب تراوحت أعمارهم ما بين 15 إلى 18 عاماً، وعلى مدى أكثر من تسعة أشهر مروا خلالها باختبارات عديدة، تم اختيار 51 منهم على أساس الأقوى شخصية والأكثر ذكاء وتحملا لظروف السفر الصعبة، وكذلك الأكثر قدرة على أن يكون سفيراً لبلده فى الخارج لمدة عام فى هذه السن الصغيرة، بعيداً عن أسرته فى الولاية المتواجد فيها وسط أسرة أمريكية وتلاميذ صغار السن فى المدرسة سيتفاعل معهم ويتفاعلون معه، ولابد أن يكون مؤثراً فيهم مثلما سيكون هو متأثر بهم. الموضوع ببساطة هو قيام الجمعية المصرية للتبادل الثقافى، وهى إحدى أفرع الجمعية الدولية للتبادل الثقافى حول أنحاء العالم المعروفة باسم A.F.S وتحت إشراف وزارة التربية والتعليم، بعمل إعلان سنوى فى المدارس الإعدادية والثانوية عن منحة إلى الخارج، لاختيار مجموعة من التلاميذ وفقاً لشروط مهمة، أولها اجتياز اختبار تعده وزارة التربية والتعليم، من ينجح فيه يخوض اختبارات أخرى أكثر تعقيداً الهدف منها التعرف على شخصيته ومدى إدراكه للتطورات التى يمر بها مجتمعه، بالإضافة إلى قياس مدى تعامله مع الآخر فى المجتمعات الأجنبية التى سيذهب إليها وكيفية استيعابه للنصائح والتوجيهات التى من المفروض أن يتحلى بها، علاوة على ضرورة أن يكون متقدماً فى دراسته بصورة مرضية. وتقوم مجموعة من المتطوعين الأكفاء بعمل تلك الاختبارات وفقاً لمراحل متعاقبة، بحيث ينتقل الطالب إلى الاختبار الأكثر تعقيدا كلما تخطى مرحلة، وغالبا ما تتم تلك الاختبارات من خلال أيام عمل شاقة، سواء أكانت فى معسكرات داخل القاهرة أم خارجها بهدف التعرف على شخصية الطالب الحقيقية وتصرفاته فى المواقف المختلفة وردود أفعاله تجاه زملائه، كل ذلك يتم دون أى مقابل مادى ودون مراعاة للمستوى الاجتماعى أو المادى للعائلة، أو من القاهرة أو الأقاليم أو كونه ذكراً أو أنثى، وأيضاً دون النظر إلى الديانة كونه مسلماً أو مسيحياً، والحقيقية أن هذا المكان ربما يكون من الأماكن التى ليس للمحسوبية أو الوساطة مكان فيها، فالطالب شخصيته ومؤهلاته هى محسوبيته ووساطته فقط. المهم استقر الرأى على 51 طالباً وطالبة من محافظات مصر المختلفة، النسبة الكبرى منهم سافرت إلى الولاياتالمتحدة والباقى إلى عدد من الدول الأوربية والآسيوية، حيث يقضون عاما دراسيا كاملاً ويسكنون لدى عائلات تستضيفهم طوال تلك المدة، وفى المقابل تقوم مصر باستقبال تلاميذ من دول مختلفة يدرسون فى مصر لمدة عام وتسضيفهم أيضاً عائلات مصرية، كل ذلك بغرض تعرف شبابنا الصغير على تلك المجتمعات التى يكونون فيها سفراء لمصر فيها، وفى المقابل تعرف شبابنا فى المدارس على الوافدين الجدد من الدول المختلفة وتعرف هؤلاء على مجتمعاتنا أيضاً بصورة حقيقية ودون مواربة، وكانت لى تجربة فى الاستضافة لفتاة سويسرية لمدة عام عشقت خلالها مصر والمصريين وعادت إلى بلادها، وقررت دراسة التاريخ المصرى القديم والتخصص فيه وحتى الآن مازالت تحلم باليوم الذى تعود إلى مصر وتعمل هنا، وأرى أن هذا التبادل هو أفضل طريقة لتعرفنا على بعضنا البعض، فنحن نحتاج حقيقة إلى أن يعرف كل منا الآخر بشكل سليم فهناك سوء فهم كبير ومعلومات مغلوطة ولا نعرفهم على حقيقتهم ولا هم يعرفوننا على حقيقتنا بصورة جيدة. وإذا تصورنا كم نحتاج من مال ووقت وجهد من أجل أن نحاول أن نقنع الآخرين فى دول العالم المختلفة، بصورتنا الحقيقية، وبمصريتنا التى نعتز بها جميعاً، وبحضارتنا التى يعشقونها، بالتأكيد سنحتاج إلى ملايين من الدولارات، ومن الممكن أن ننجح وقد نفشل، ولكن عندما يقوم سفير صغير السن مثل أولادنا ويتعامل ببراءة وبعفوية وتلقائية وسط أسرته وأصدقائه وزملائه، أعتقد أن الرسالة سوف تصل أسرع وبأقصر الطرق ولا تقدر حجم الأعمال التى يقوم بها هؤلاء السفراء بمال.