أمس أصدرت الجامعة العربية قراراً تاريخياً لم يسبق لها إصدار مثله على مدار تاريخها الطويل، حين انحازت للشعب الليبى وليس إلى حاكمه، كما اعتادت دائماً، ومعروف أن الجامعة العربية تمثل الحكومات العربية، شأنها شأن كافة المنظمات الإقليمية المثيلة، لكن الفارق بينها وبين غيرها أنها صارت تعبر عن إرادة الحكام العرب، وليس عن إرادة وتطلعات الشعوب العربية. ومنذ سنوات عديدة، وتحديداً منذ القمة الطارئة التى عقدت بالقاهرة عام 1990، وقررت التدخل العسكرى فى العراق، لإجلاء القوات العراقية المحتلة عن الكويت، فقدت الجامعة العربية الكثير من رصيدها لدى المواطنين العرب، الذين تشككوا فى هذا القرار، واعتبروه محاولة لإضفاء الشرعية على الرغبة الأمريكية فى ضرب العراق وتأديبه. ورغم أن الاحتلال العراقى للكويت كان خطيئة كبرى، أدت إلى تمزق النظام الرسمى العربى، لكنها فى نفس الوقت أفقدت المواطنين العرب ثقتهم بمؤسستهم العربية الوحيدة، حتى إنهم كانوا ولا يزالون لا يأملون خيراً فى أى قمم عربية، حتى بعد أن أصبحت تلك القمم دورية تعقد كل عام فى دولة عربية مختلفة. أمس انحازت الجامعة العرية للشعب الليبى، واتخذت قراراً بمطالبة الأممالمتحدة بفرض حظر جوى على الطيران الحربى فى ليبيا، بعد أن استخدم القذافى الطائرات فى قصف شعبه الذى تمرد عليه فى محاولة لنيل الحرية، والخلاص من 42 عاماً من الديكتاتورية.. وهى خطوة عظيمة وغير مسبوقة فى تاريخ الجامعة ضد رئيس لا يزال فى السلطة. ومع ذلك يظل قرار المجلس الوارى للجامعة العربية دليلاً على عجز النظام الرسمى العربى، فرغم إنحيازه للشعب الليبى، فإنه طلب من الأممالمتحدة تنفيذ القرار، فى اعتراف صريح بأن العرب جميعا أضعف من حل مشكلة داخلية، لذلك رموها على المجتمع الدولى. وهنا أعود بالذاكرة إلى السبعينيات، حينما اندلعت الحرب الأهلية فى لبنان، وكانت الجامعة العربية لا تزال بعافيتها، وقررت إرسال ما أطلق عليه قوات الردع العربية التى تشكلت فى الأساس من الجيش السورى، ورغم أن العرب الذين أدخلوا السوريين إلى لبنان، لم يفلحوا بعد ذلك فى إجبارهم على الرحيل، لكن فى النهاية كان العرب قادرين على التصرف بمفردهم دون الحاجة إلى المجتمع الدولى. وقد تكون الجامعة العربية قد اتخذت مع ليبيا قراراً غير مسبوق، وهى أول مرة تنحاز لشعب على حساب حاكمه، لكن حتى هذا القرار يعبر عن ضعف النظام الرسمى العربى، مما يعنى الحاجة إلى إعادة هيكلة الجامعة العربية لتعبر عن المصالح العليا للشعوب العربية، بنفس القدر الذى تحافظ فيه على مصالح الرؤساء والملوك العرب، مما حولها إلى ناد لهم، وليس جامعة للدول العربية.