عانى الشعب المصرى طويلاً من تزوير إرادته فى جميع أنواع الانتخابات سواء الانتخابات البرلمانية أو المحليات أو حتى النقابات، لدرجة أشعرت الجميع باليأس من حدوث أى تغيير، وأصبحت ثقافة تزوير الانتخابات أسلوب حياة لدرجة جعلت المرشحين يبحثون عن كيفية النجاح عن طريق التزوير والتزييف بأقصر الطرق، ويبحثون أيضا عن الصحبة التى ستساعدهم فى التزوير قبل البحث عن برامجهم الانتخابية، وعن خططهم وأساليب وطرق إيجاد الحلول لكافة المشكلات أو إنجاز المهمات التى يسعوا لترشيح أنفسهم لتوليها. وانعكس هذا الأداء من المرشحين على أداءات بعض المواطنين بالسلب قطعاً، فأخذ الناخبون أحد طريقين، الأول وهو العزوف عن المشاركة فى هذه الانتخابات، لأنهم لم يكونوا يروها إلا مهزلة لا يريدون الإسهام فيها بينما رآها البعض الآخر فرصة لا تعوض لكسب الكثير من المال، فمنهم من عملوا سماسرة للانتخابات، ومنهم من باع صوته من أجل كيلوجرام من اللحم ربعه لحم، والباقى دهون أو كيلوجرام من السكر أو رشوة مالية قدرها مائة أو مائتى جنيه. وبصرف النظر عن مدى حاجتهم لهذه الأشياء أو أن يلتمس لهم البعض من الأعزار تحت راية المحتاج لا يرد يدا للعون، إلا أننى أرى أنهم قد باعوا أصواتهم بأرخص الأثمان. والآن وبعد كل ما مر على البلاد من تغييرات، وما يعيش به شعب مصر الآن من روح الثورة، روح التغيير، مع إحساس جارف عم القلوب بأن هذه البلد بلدنا، وهذا الوطن ملك لنا، فالوطن الذى كان للكثيرين مجرد مكان نعيش فيه صار الوطن هو الذى يعيش فى قلوبنا جميعا، ولذلك أرى أنه من الواجب علينا جميعا أن نسعى جاهدين للقضاء على سياسات التزوير، وكفا تزييف إرادة شعب بأكمله لأعوام كثيرة مضت وولت ولن نعود إليها بإذن الله. نحن الآن على أعتاب الاستفتاء على المواد التى تم تعديلها فى الدستور، ولذلك فإنه من الواجب علينا جميعا أن نشارك وأن نعبر عن رأينا وبمنتهى الحرية، سواء بالقبول أو الرفض، ليس هذا هو الأساس، وإنما الأساس هو زرع ثقافة التعبير عن الرأى، وأن تكون الديمقراطية أسلوب حياة، لم يعد لنا حجة بعد الآن فلن تكون عمليات الانتخاب ولا الاستفتاء مهزلة أو مسرحية بعد اليوم، ولذلك فعلى جميع الشرفاء المشاركة فيها، بل وحمايتها أيضا ممن تسول له نفسه مجرد التفكير فى الانقضاض عليها، لماذا لا تعود اللجان الشعبية التى حافظت لمصر على المال والعرض التى حمت بأجسادها الممتلكات العامة والخاصة، لماذا لا يوكلون بالدفاع عن عملية الاستفتاء على الدستور بجوار إخوانهم من رجال القضاء على أن يكون دور رجال الأمن قاصراً على التأمين فقط، دون تدخل فى إدارة العملية نفسها. أما بعض المواطنين الذين أجبرتهم الظروف على أن يبيعوا أصواتهم، فعفا الله عما سلف، ونقول لهم إن صوتك الآن يساوى حريتك، عزتك، كرامتك، يساوى كل قطرة دم نزفت على أرض ميادين مصر، وهى تطالب لك بهذا الحق فى العيش بكرامة الآن أصبح لصوتك هذا ثمن، ثمن أغلى بكثير من ثمن كيلو اللحمة.