أكتب هذه الكلمات بعد لحظات من قبول استقالة رئيس وزراء ينتمى للعهد البائد، وقبل ساعات من تولى رئيس وزراء جديد شاهدناه بين المعتصمين فى ساحة التغيير، ولعل أول كلمة يجب أن نقولها له، على سبيل السلام، هى لا تهنأ فسوف تتعود معنا على المساءلة من أول يوم، كلمة السر هى المساءلة، فهى جوهر الديمقراطية وأساس العدالة ولب القانون. قلبى مع الرجل الذى يعلم بالتأكيد أنه يرأس حكومة تتولى شئون شعبٍ غير الشعب فى ظروف غير الظروف، وبرؤية غير الرؤية وفى زمن غير الزمن. من الآن فصاعداً يصبح الشعب، ممثلاً فى أجهزته التشريعية، رقيباً على عمل الحكومة التى ينبغى عليها، شاءت أم أبت، أن تستلهم استراتيجيتها من أهداف ذلك الشعب ممثلةً فى الحرية المسئولة، والعدالة المطلقة فى حدودها البشرية لا الإلهية، والمساواة بين الناس فقط أمام القانون. أما عن أجواء الحكم لرئيس الوزراء الجديد، فدعونا نتعاطف مع رجل لن يجد صحافة تصفق لكل ورادة وشاردة، أو مجتمعاً مدنياً مُفَصَلاً على الهوى، أو معارضة تغازله مغازلة الدجاج للديكة فى حظيرة الوطن، أو مجلس شعب أصبح فى غفلة من التاريخ سيدَ قراره وسيدَ هواه وسيدَ مجالس العالمين. والأهم أنه سيجد شعباً ليس باللين فُيمضَغ وليس باللذيذ فيستساغ، شعباً يعلم أن موارد الوطن هى موارده، وحدود الوطن التى ينبغى الدفاع عنها هى حدوده، وشرف الوطن وعرضه هو شرفه هو وعرضه هو، شعباً يعيش فى زمن تبين فيه الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ولأن هذه الكلمات المتعجلة تفتقر إلى الكياسة إزاء رجلٍ لم يجلس بعد على كرسيه فقد وجب علينا أن نرحب به بأى كلمات لطيفة، وربما أقول فى هذا السياق أن أهم مسوغات الرجل الجديد أن لديه خبرةً طويلةً فى الطُرُق، وهى خبرة لو تعلمون عظيمة بالنسبة لشعب يستأمنه على خريطة الطريق لوطن جميل يتآخى فيه الصغير مع الكبير، والمسيحى مع المسلم، والرجال مع النساء فى إطار من الحرية السياسية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وطن أنواره دائماً مضاءة، ونساؤه دائماً جميلات، ورجاله دوماً فرسان، وأطفاله جميعهم يبتسمون. أما موتاه فهم فى مثواهم الأبدى يتطلعون بشوق إلى جنة السماء بعدما أوجدوا جنتهم على الأرض.