لأول مرة أشعر بعد ثورة 25 يناير من العام 2011 أنني حرة، وأن بلادي حرة، ولم أقصد التحرر من الاستعمار الاجنبي، لكني أقصد التحرر من الفساد والظلم والاستعباد وعدم الوعي الذي لطالما اتُهم به الشباب المصري، وتابعت مثلي مثل أي مصري ومصرية أحداث الثورة الشعبية في الأيام الماضية، وشعرت بأن واجبي يحتم علي النزول للشارع لمشاركة الشباب في ثورتهم، وبالفعل نزلت وشاركتهم، وحينما علم أهلى ومنعوني من النزول ثانية ليس انتقاداً للثورة ولكن خوفاً منهم علي من همجية البلطجية الذين دُفع بهم لإجهاض الثورة وسلب حياة المتظاهرين الُعزل، خاصة بعد سقوط العديد من شهدائنا في أعمال العنف، وقررت أن أتابع الأحداث من خلال وسائل الإعلام، وأن أقوم بدوراً آخر في تدعيم الثورة، فإذا كنت غير قادرة على النزول ومشاركتهم في تظاهراتهم، فإنني قادرة أن أكتب وأعبر عنهم، وأدعم مطالبهم، وأؤيد ثورتهم، وحينما إلقى الرئيس مبارك خطابه، حادثت نفسي وقلت إذا جاء هذا الخطاب مرضي للشباب ومحقق لآماله وآمال جميع المصريين فإنه لا داعي لاستمرار المظاهرات، وإذا جاء عكس ذلك، فإنني سوف أكسر الحصار الذي وُضعت فيه في منزلنا، وسوف أنزل لأشارك هذا الشباب النبيل في الدفاع عن مطالبه المشروعة وتوصيل صوته للعالم بأكمله، ولكن أعترف أنني بعد أن سمعت خطاب الرئيس، شعرت بأن مصر قد وصلت لمرحلة هامة جدا من تاريخها، وتأكدت من نجاح ثورة الشباب العظيم، واعتقدت أنه لا داعي لاستمرار المظاهرات وأنه لابد من إعطاء الحكومة الجديدة فرصة لتنفيذ خطوات الإصلاح، وإعطاء الفرصة للرئيس لتنفيذ وعوده خلال الأشهر القليلة الباقية من حكمه، وبعد مرور الأيام اكتشفت أنني أخطأت في اعتقادي واكتشفت أنه نتيجة لإصرار شباب الثورة على موقفهم رغم ما سقط منهم من شهداء وجرحي ومعتقلين، فإن هذا الإصرار هو الذي يضغط على النظام المصري لتقديم التنازلات واحد يلو الآخر، وها نحن يا ثوار مصر قد وصلنا بفضلكم وبفضل شجاعتكم وإصراركم إلى تحقيق العديد من الأهداف التي تمنيناها على مدار العقود الماضية، والتي لم يستطع أحداً غيركم الوصول إليها، فلكم الفضل في تعهد الرئيس مبارك بعدم ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة، وإقصاء جمال مبارك من الحياة السياسية والقضاء على فكرة التوريث تماماً، والحمد لله أن كُتب لمصر ألا تعود ثانية لعهد الملكية وتوارث الحكم، كما تم الإطاحة بأبرز قيادت الحزب الوطني والقضاء على كابوس وجود أحمد عز في السلطة، وإقالة الحكومة الفاشلة، وتشكيل حكومة جديدة خالية من رجال الأعمال، وإثبات فشل مفهوم تولي رجال الأعمال للسلطة، وتقديم العديد من الوزراء والمسئولين السابقين للتحقيق من أجل محاكمتهم في كل التهم المنسوبة لهم من تآمر على مصر أو أهدر لأموال شعبها أو نشر الفساد فيها، كما تم التعهد بالغاء قانون الطوارئ، وتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وألزام مجلسي الشعب والشورى بالانصياع لأحكام القضاء الخاصة بإبطال نتائج الانتخابات في عدد من الدوائر، وترك الرئيس مبارك للحزب الوطني مما سيضع هذا الحزب في حجمه الحقيقي، وتقديم الوعود بتعديل المادتين 76، و77 من الدستور، ولا ننسي أنه لطالما دعا الكثير لتعديل هاتين المادتين، ولم ينجح أحد، ولكن نجح شباب الثورة في إجبار النظام على تشكيل لجنة من كبار الفقهاء في القانون لتعديل هاتين المادتين، ولم يكتفي فقهاء هذه اللجنة بالنظر للمادتين 76، و77، بل قرروا تعديل 6 مواد، ثم قرر الرئيس تفويض سلطاته إلى نائبه، وأخيراً نتيجة لضغط الشعب المصري ولإصرار الشباب الثوار، إضطر الرئيس للخضوع لرغبتهم، والتنحي نهائياً عن الحكم لصالح الجيش الذي قرر بدوره عدم الاستئثار بالسلطة واختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا ليتولى شئون البلاد مع الجيش إلى أن يتم تعديل الدستور وإجراء انتخبابات رئاسية تحت الإشراف القضائي واختيار رئيس جديد يأتي ليجلس على كرسي الرئاسة بإرادة الشعب التي سوف تكون السلطان عليه، فلابد أن تكونوا فخورين يا شباب الثورة بأنفسكم كما نحن فخورين بكم، فلكم كل الشكر على ما وصلنا إليه، لكم الفضل في صناعة كيان مصري جديد حافظاً لكرامته ومدافعاً عن حقوقه بنفسه، أيها المصريين أعلموا أن هذا للشباب ثأر لكرامته وأجبر النظام الذي لطلما استعبده على تقديم كل هذه التنازلات، ولابد لنا جميعاً من مساندتهم وتدعيمهم من أجل تحقيق هذه الانجازات على أرض الواقع، وللحافظ على أمن الوطن لابد أن نكون جميعاً يداً واحدة، حافظوا على أنجازات شبابه، أحلموا وتفاءلوا بمستقبل جديد وأفضل لمصر، مستقبل خالي من الفساد والرشوة والمحسوبية والاستعباد والفتنة وتفاوت الطبقات وسرقة المال العام وانهيار التعليم والصحة وانحدار الكرامة وتقييد الحريات، لا أزال أبكي أجل مصر الغالية، وأبكي على الشهداء الذين دفعوا حياتهم لتحقيق آمال الشعب المصري بأكلمه، شكراً لكم يا ثوار مصر على النضال من أجل مصريتكم ومصريتنا، واستمروا فنحن معكم بكل الوسائل نحن معكم.