من الذى يخترع هذه الأكليشيهات ومن الذى يروجها.. لا أحد يعرف.. فهو سر من أسرار الدولة العليا.. ولكن المؤكد أننا نستيقظ ذات صباح لنجد كلمة فى عنوان صحيفة أو فى تصريح لمسئول حكومى.. وفجأة وبقدرة قادر يتم رش هذه الكلمة على لسان وأقلام الجميع لتتحول إلى "أكلشيه حكومى" يردده الجميع بطريقة ببغائية بمناسبة وبغير مناسبة، خصوصا فى أوقات "الزفة" و"الزمبليطة" عندما تتوحد جميع وسائل الإعلام الرسمية وبرامج "التوك توك شو" شبه الحكومية منها والمستأنسة لتمرير رسالة ما إلى جموع المصريين.. ساعتها يتم استدعاء سلاح الأكلاشيهات الإعلامى ليقوم بقصف عنيف على أدمغة الجميع جوا وبحرا وأرضا، وتتوالى الأكلاشيهات حتى يرفع الجميع الراية البيضاء أمامها.. وهذه قائمة بأشهر الأكلشيهات التى يتم تداولها فى الوقت الحالى: 1) "البلبلة": المقصود ليس بنت اسمها نبيلة وبيدلعوها بُلبُلة.. فالبلبلة بفتح الباء هى اتهام أمنى غامض يتم إطلاقه فى مواقف مختلفة ومتباينة.. وغالبا ما يتم توجيه هذا الاتهام إلى الصحفيين الذين يحاولون أن يبحثوا أو يقدموا أخباراً أو معلومات صحيحة.. على أساس أن المعلومات التى تقدم فى الصحف نوعان: إما أخبار صحيحة تؤدى للبلبلة أو تصريحات لمسئولين حكوميين تؤدى للتخلف العقلى. 2) "القلة المندسة": وهناك فارق كبير بين القلة المندسة والقُلة القناوى، وأيضا القُلة اللامؤاخذة.. فالقلة المندسة بكسر القاف هى مصطلح أمنى يسرف المسئولون فى استخدامه لوصف كل من ينتمى للمعسكر الآخر على طريقة "إنت معانا والا مع الناس التانيين".. ودائما يكون "الناس التانيين" قلة مندسة حتى لو كان عددهم ثمانين مليون مندس ومندسة. 3) "المغرضة": ضع هذه الكلمة بجوار القلة المندسة وأضف عليهم البلبلة تبقى وقعت يا حلو ونيابة أمن الدولة تتلو عليك قرار الاتهام الصادر بحقك.. أما إذا وضعت الكلمة بجوار كلمات أخرى مثل "القلة المندسة المغرضة المأجورة الحاقدة" فأنت تقرأ مقالا لرئيس تحرير أحد جرائد الحزب الوطنى المتنكرة فى شكل صحيفة قومية. 4) "الشفافية": أكلاشيه حكومى يستخدمه المسئولون والصحافة الحكومية كاسم تدليل للفساد.. ففى كل مرة يتحدثون عن الشفافية يكون المعنى هو الفساد.. ولك أن تراجع عشرات العناوين والتصريحات البراقة التى تتحدث عن ضرورة التعامل بشفافية مع الانتخابات.. وتعيد الترجمة لتفهم أنهم لم يكذبوا فى شىء، وإنما فقط يحدثون الشعب المصرية بطريقة "السيم". 5) "الإسلام برىء": ومن قال إنه أصلا متهم حتى نسمع هذا الأكلشيه فى كل يوم عشرات المرات على لسان صحفيين ومسئولين وفنانين وتوكتوكيه (نسبة إلى برامج التوك توك شو). 6) "جهات خارجية": وهى ترجمة حرفية حكومية لمصطلح آخر هو "اللهو الخفى".. وهى المتهم الأول فى أى حاجة وحشة تحصل فى مصر، ولم يحدث أبداً أن حاول أحد أن ينورنا من هى هذه الجهات الخارجية، ولماذا تفعل بنا كل هذه الأفاعيل رغم أننا "جعلنا لها خدنا مداس.. وبعنا لها الغاز ببلاش". 7) "المختل عقليا": مصطلح أمنى يتم استخدامه فى بيانات وزارة الداخلية بهدف الترفيه عن الشعب.. فبما أننا شعب ابن نكتة.. فوزارة الداخلية - حماها الله - تحاول أن تخفف من وطأة الحوادث المفجعة باستخدام هذا الأكلشيه.. وهى تعلم جيدا أن كل من يقرأ هذه الكلمة عقب أى جريمة مفزعة مهما بلغت بشاعتها لن يتمالك نفسه من الضحك. 8) "الأشقاء": فى كل مرة يتردد فيها لفظ الأشقاء تستطيع أن تتنبأ بمصيبة قادمة.. الشعب الشقيق والدول الشقيقة والزعماء الأشقاء.. كلها أكلاشيهات تستخدم لتدارى ما فى القلب.. والقلب دائما فيه ما فيه.. الطريف أن الدولة الوحيدة التى لا يستخدم المسئولون لوصفها لقب الشقيقة هى الدولة التى يبيعون الغاز لها ببلاش ويفتحون الأسواق لها باتفاقية الجات، ويزورنا قادتها كل يوم لتنسيق المواقف تجاه الأشقاء الآخرين.. آه يا نارى.. نفسى مرة واحدة أسمع واحد مسئول يتحدث عن إسرائيل الشقيقة يمكن علاقتنا بها تصبح مثل علاقتنا بباقى الأشقاء. 9) "المواطن البسيط": لسبب ما يفترض المسئولون الحكوميون دائما وهم يحشرون كلمة "المواطن البسيط" فى تصريحاتهم أنهم يتحدثون عن الفنان أحمد زكى فى فيلم "البداية" وهو يتحدث أمام الكاميرا بملابس ممزقة ووجه ملىء بالهموم، فيشكر السادة المسئولين ويتلعثم وهو يحمد ربنا ويبوس يده وش، وظهر على النعمة التى يعيش فيها.. ولعل هذا التصور هو السبب الذى جعل وزارة الداخلية تبتكر الأكلاشية رقم 7 لترفه به عن الشعب فى الحوادث المفجعة.. فيبدو أننا جميعا فى عيون السادة المسئولين مواطنون بسطاء.. وفى رواية أخرى مختلون عقليا.