◄◄ صحف أمريكا وأوروبا مثل «الجارديان» و«النيوزويك» ركزت على قضايا صغيرة واعتمدت على معلومات غير موثقة وكتبت عن مصر وكأنها تكتب عن العراق لا نعرف لماذا تناسى العالم كلمة «الإرهاب» التى «صدعنا بها» العم سام الأمريكى على مدار سنوات مضت ولايزال، وهو يحلل ويفسر من وجهة نظره التفجير الوحشى الذى استهدف كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة، وأودى بحياة 21 شخصاً من الأبرياء فضلاً عن عشرات الإصابات. ولا نعرف أيضاً لماذا أصرت صحف عالمية عريقة مثل «الجارديان» البريطانية و«نيوزويك» الأمريكية، وغيرهما، على حشد الأقلام التى عزفت على النغمة الطائفية، وحاولت بكل السبل أن تؤكد أن هذا الاعتداء ما هو إلا حلقة فى مسلسل الصراع الطائفى بين المسلمين والأقباط، وأن مصر فى طريقها إلى أن تصبح «عراق» آخر تدمره الحروب الطائفية، بل سعت إلى تعزيز حقيقة وهمية مفادها أن الصراع الدينى اشتعلت نيرانه فى مصر ولا سبيل لإخماد هذه النيران. هكذا وجد الكثير من الصحف الأمريكية والأوروبية ما حدث فى الإسكندرية فرصة للصيد فى الماء العكر، واللعب على أوتار نجحت من قبل فى تدمير بلدان وتفتيت أخرى. فمثلاً، زعمت مجلة «نيوزويك» الأمريكية، أن الاعتداء على كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة الجديدة ترك مصر فى حالة من «الترنح»، مشيرة إلى ما سمته الجولات غير المنتهية من العنف فى الأيام الأخيرة، والصدامات بين المسيحيين والمسلمين من جهة، وبين المسيحيين وقوات الأمن الحكومية من جهة أخرى. ولم تتوقف الصحيفة عند هذا الحد، بل ذهبت إلى القول بأن كثيراً من المصريين يخشون من أن هذه الهجمات «قد خلقت صدعاً لا يمكن إصلاحه بين الأقباط وباقى المواطنين»، وكأن هؤلاء البقية هم من دبروا للهجوم على الكنيسة القبطية. ورأت المجلة الأمريكية، ومعها العديد من الصحف الأخرى، أن تداعيات هذا الهجوم تجاوزت حدود مصر، وجعلت المسيحيين فى الشرق الأوسط يتساءلون عما ينتظرهم فى المستقبل. وحاولت «النيوزويك» الربط بين الحادث وما يتعرض له المسيحيون فى العراق، وقالت إن رد فعل كثير من المسيحيين العراقيين على ما حدث فى مصر هو إحساس بالألفة القاتمة، فيقول أحدهم إن الهجمات الأخيرة على المسيحيين فى مصر والعراق قد تم التخطيط لها مسبقاً، بهدف ترحيل المسيحيين من العراق ومن المنطقة كلها، مضيفاً أنه من الصعب تجاهل الصلة بين تفجير كنيسة القديسين وهجوم كنيسة سيدة النجاة ببغداد قبل شهرين. وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إن الأقباط فى مصر، والبلد كله، الجميع يحبس أنفاسه حتى تمر احتفالاتهم بعيد الميلاد، مساء الخميس، بسلام. ولم تكتف «النيوزويك» بهذا التقرير، وإنما نشرت تقريراً آخر بثت فيه رعب أقباط الصعيد من احتمال تعرضهم لهجمات، وأشارت إلى أن الصعيد الذى يقيم فيه جزء كبير من أقباط مصر هو الهدف الأكثر احتمالاً لأية هجمات، حيث قال ريتشارد جوفين، الأكاديمى المتخصص فى الشرق الأوسط بالجامعة الأمريكية فى دبى، إن هناك الكثير من الكنائس فى مصر، وتحديداً فى الجنوب، وهو ما سيشكل ضغطاً هائلاً على الشرطة. لكن مرت الاحتفالات بما هو أكثر من السلام، بحالة من التضامن من المسلمين مع إخوانهم الأقباط، وكأنهم يقولون لهذه الأصوات كفى لن تستطيعوا الوصول إلى ما تبغون. كما استغلت صحيفة «الجارديان» جزءاً من الحقيقة، وهو وجود مشكلات فعلية للأقباط، وعملت على تضخيمها، ولإثبات صحتها صاغتها مع الأسف بأقلام مصرية، فنشرت مقالاً للكاتبة أميرة نويرا قالت فيه إن التسامح فى مصر يتجه نحو الموت البطىء. وزعمت الكاتبة أن الاعتداء الأخير يهدد التاريخ الطويل من التعايش المشترك بين المسلمين والأقباط فى الإسكندرية. وتمضى نويرا فى القول إن التفجير الذى استهدف كنيسة القديسين قد هز أساس المجتمع المصرى، وفتح من جديد الجروح المتقيحة فى العلاقة بين المسلمين والأقباط. وقالت إن وقائع الهجوم غير معروفة، وربما لن تُعرف أبداً. فمنذ وقوع الحادث، ظلت الحكومة المصرية ملتزمة الصمت إزاء تفاصيله، كما أنها كانت سريعة فى توجيه أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة. نويرا تحدثت أيضاً عن حالة من «الانقسام الدينى» بين المسلمين والأقباط تعمقت وتنامت مرارتها فى مصر منذ السبعينيات، مشيرة إلى أن الانقسام أصبح واضحاً الآن فى الشوارع والأماكن العامة، ليس فقط فى ملابس النساء، تقصد الحجاب والنقاب، ولكن أيضاً فى الرجال الذين أطلقوا لحاهم تعزيزاً لمعتقداتهم الدينية. وعزت نويرا صعود وجهات النظر الدينية فى السبعينيات إلى قيام الرئيس أنور السادات بتشجيع ورعاية الحركات الإسلامية لمواجهة اليسار الذى كان يعتبره عدوه اللدود. كما تطرقت الكاتبة إلى رمزية اختيار الإسكندرية لتنفيذ هذا الهجوم، مضيفة أن هذه المدينة ليست فقط مقر الكرازة المرقسية القبطية، ولكنها تتمتع بتاريخ شديد التنوع، فقد شهدت موجات من الحضارات المختلفة والثقافات واللغات المتنوعة، سواء الإغريقية أو الرومانية أو القبطية أو العربية والعثمانية والتركية والفرنسية والبريطانية. كما أن الإسكندرية، فى العصر الحديث، أصبح اسمها مرادفاً للتسامح والعيش متعدد الثقافات، ومن ثم فإن الهجوم يبدو موجهاً أكثر إلى الأقباط، كما أنه موجه إلى تراث الإسكندرية من التعايش المشترك والتسامح. وفى مقال آخر، وجدت الصحيفة نفسها ما حدث فى الإسكندرية فرصة لتعديد المشكلات التى تعانى منها مصر. فكتب أسامة دياب، وهو مصرى مقيم بالخارج، يقول إن النظام المصرى المسن لم يهتم سوى ببقائه، فالتوتر القبطى المسلم ما هو إلا جانب واحد لاضطراب كبير من المتوقع أن يزيد من سوء الأوضاع حتى تسود الديمقراطية. وتحدث الكاتب عن فشل الشرطة فى حماية المواطنين على الرغم من التهديدات الأخيرة من قبل فرع تنظيم القاعدة فى العراق قبل شهرين، ويرى أن توقيت الهجوم كان من المفترض أن يقابله حماية أمنية مشددة للغاية، مؤكداً على مظاهر فشل الدولة فى توفير الحماية للمواطنين، لافتاً إلى أن الأجهزة الأمنية فى الوقت نفسه لا تتوانى عن حماية النظام، ويمضى فى القول إنه لا يوجد ما يثير الدهشة فى تغيير النظام الأمنى لأولوياته من التحقيقات الإجرامية إلى أجندة تحكمها دوافع سياسية تركز على حماية نظام متقادم فى العمر، ولا هم له سوى بقائه فى وجه المعارضة السياسية المتنامية. ويعتقد دياب أن التوترات الطائفية ما هى إلا جزء من مشكلة أكبر، فبعد 30 عاماً فى السلطة أثبت نظام مبارك عدم قدرته وعدم رغبته فى إيجاد حلول جديدة وخلاقة للقضايا الحساسة فى البلاد، ولم يسفر ذلك فقط عن المشكلة القبطية ولكن استراتيجية الإهمال التى يتبعها النظام أضافت مزيداً من التعقيدات، فهناك مشاكل للنوبيين، الذين يطالبون بحقوقهم بعد معاناة من التهميش المستمر، كما يتصادم بدو سيناء دائماً مع الشرطة، ويتظاهر البهائيون ضد الظلم الذى يواجهونه بشأن معتقداتهم الدينية. وفيما يتعلق بالخدمات التى يتم تقديمها للمصريين، يقول دياب لقد فشلت الحكومة فى إيجاد حل للمشكلات الأساسية، كالقمامة التى تتراكم فى الشوارع، كما تتعرض مصر لانقطاع التيار الكهربائى فى الصيف مما أثار احتجاجات كثيرة ضد الحكومة، بالإضافة إلى وجود معدلات مرتفعة من فيروس أنفلونزا الخنازير والطيور. وهناك صحف أخرى سخرت من توجيه الحكومة أصابع الاتهام إلى عناصر أجنبية، مثل مجلة «التايم» الأمريكية،و«الواشنطن بوست» التى قالت إنه لا يوجد دليل على ذلك، وإن المسؤولين فى مصر اعتادوا أن يستخدموا التدخل الأجنبى كبش فداء لحوادث العنف التى تتراوح ما بين التفجيرات الإرهابية وهجمات الصواريخ، بل حتى هجمات أسماك القرش، ومضت الصحيفة فى القول إن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن ذلك الحادث يسلط الضوء على واقع مقلق اعتادت الدولة أن تخفيه، وهو أن التوترات الطائفية فى مصر تزداد سوءاً.