الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    وظائف معلم مساعد 2024.. تعرف على الكليات ورابط التقديم    سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الإثنين 6 مايو 2024    د.حماد عبدالله يكتب: "الإقتصاد الجزئى " هو سبيلنا للتنمية المستدامة !!    استقرار سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 6 مايو 2024    جيش الاحتلال يفرض حظرا للتجوال في مخيم نور شمس بطولكرم    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    إعلان بانجول.. تونس تتحفظ على ما جاء في وثائق مؤتمر قمة التعاون الإسلامي بشأن القضية الفلسطينية    تشكيل غير مناسب.. فاروق جعفر يكشف سبب خسارة الزمالك أمام سموحة    هل استحق الزمالك ركلة جزاء أمام سموحة؟.. جهاد جريشة يجيب    خالد مرتجي يكشف أسباب غيابه عن مراسم تتويج فريق الزمالك للكرة الطائرة    طاقم حكام مباراة بيراميدز وفيوتشر في الدوري    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    أمير عزمي: خسارة الزمالك أمام سموحة تصيب اللاعبين بالإحباط.. وجوميز السبب    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    طقس شم النسيم.. تحسن حالة الجو اليوم الاثنين    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    تصل ل9 أيام متواصلة.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى 2024 في مصر للقطاعين العام والخاص    بالأسماء.. إصابة 12 من عمال اليومية في انقلاب سيارة ب الجيزة    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    حمادة هلال يكشف حقيقة تقديم جزء خامس من مسلسل المداح    أنغام تتألق بليلة رومانسية ساحرة في أوبرا دبي    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    "وفيها إيه يعني".. فيلم جديد يجمع غادة عادل وماجد الكدواني    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    إنفوجراف.. نصائح مهمة من نقابة الأطباء البيطريين عند شراء وتناول الفسيخ والرنجة    أسباب تسوس الأسنان وكيفية الوقاية منها    الصحة تحذر.. إذا ظهرت عليك هذه الأعراض توجه إلى المستشفى فورًا (فيديو)    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    فى ليلة شم النسيم.. إقبال كثيف على محلات بيع الفسيخ فى نبروه||صور    ردا على إطلاق صواريخ.. قصف إسرائيلي ضد 3 مواقع بريف درعا السوري    سعرها صادم.. ريا أبي راشد بإطلالة جريئة في أحدث ظهور    الباشا.. صابر الرباعي يطرح برومو أغنيته الجديدة    بوتين يحقق أمنية طفلة روسية ويهديها "كلب صغير"    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    مصرع وإصابة 6 في حادث انقلاب تروسيكل بمطروح    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    أستاذ اقتصاد: المقاطعة لعبة المستهلك فيها ضعيف ما لم يتم حمايته    أمطار خفيفة على المدن الساحلية بالبحيرة    مصر في 24 ساعة|اعرف طقس شم النسيم وتعليق جديد من الصحة عن لقاح أسترازينيكا    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    3 قتلى و15 مصابًا جراء ضربات روسية في أوكرانيا    نائب سيناء: مدينة السيسي «ستكون صاعدة وواعدة» وستشهد مشاريع ضخمة    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟ دار الإفتاء تجيب    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    أمينة الفتوى: لا مانع شرعي فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    «العمل»: جولات تفقدية لمواقع العمل ولجنة للحماية المدنية لتطبيق اشتراطات السلامة والصحة بالإسماعيلية    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    اليوم.. انطلاق مؤتمر الواعظات بأكاديمية الأوقاف    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطر تعود للمربع "صفر".. قطع العلاقات تأكيد لتمادى الدوحة فى العداء.. دبلوماسية القاهرة تكسب والعمالة "أمان".. السيناريو الأرجح إما طرد تميم أو "مستنقع إيران".. ومصر أبرز الرابحين وتركيا تخسر
نشر في اليوم السابع يوم 06 - 06 - 2017

المفاجأة المصرية السعودية الإمارتية صفعة قوية على وجه قطر وخسارة فادحة لنظامها
قطع العلاقات تأكيد لتمادى قطر.. وموقف معلن منها بعد شهور من الرسائل الخفية
الحصار الناتج عن القرار يهدد اقتصاد قطر ومعيشة مواطنيها ويدفع فى اتجاه الانكماش
شلل حركة التجارة وتوقف النمو العمرانى وتهديد كأس العالم 2022 "المشبوهة"
تصاعد الشقاق داخل الأسرة الحاكمة وتصاعد أصوات المعارضة القطرية أبرز الآثار
السيناريو الأقوى فى قطر إما التضحية بأميرها تميم بن حمد أو الورط فى مستنقع إيران
لا تهديد للعمالة المصرية فى قطر.. ومنها 80 ألف إخوانى لن يعودوا فى كل الأحوال
احتمال اشتعال حالة فوضى داخلية بقطر مع قصور أمنى بجيش مرتزقة أقل من 12 ألف جندى
مصر والإمارات وسوريا وليبيا أبرز الرابحين من القرار.. وقطر وتركيا والإخوان يخسرون

مفاجأة ربما غير متوقعة استيقظ عليها الجميع فجر الاثنين، قرار رباعى متزامن تقريبا من مصر والسعودية والإمارات والبحرين، تلتها ليبيا واليمن، بقطع العلاقات الدبلوماسية وتعليق التمثيل المتبادل مع قطر، إضافة لإجراءات أكثر حدة وصلت لطرد بعض الدول لمواطنى قطر، وفق مهلة زمنية، وإغلاق المنافذ الجوية والبرية والبحرية معها.
القرار نتيجة مباشرة لمسلسل متصاعد من الأحداث خلال الأسبوعين الأخيرين، ولكنه كان وصولا لآخر المدى بدرجة أكبر من توقعات المتابعين، ما يشير إلى أن رواكد كثيرة جرت فى نهر الاتصالات مؤخرا، وأن المضمر أكبر من المعلن وأخطر، وهو ما يبرهن عليه سرعة تدخل الكويت للوساطة، والأثر السريع الذى أسفر عنه التدخل بقطع كلمة تميم بن حمد، أمير قطر، مساء الاثنين، وتحديد موعد لقمة سعودية قطرية، وصولا لموقف الدوحة المصرح به على لسان وزير خارجيتها، محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، بقبول الوساطة وتأكيد أنها لن تتخذ إجراءات تصعيدية.
القراءة السياسية للمشهد ترتبط بمحددات وأوراق لعب ومناورة، وتجاوزات مسجلة ضد قطر، وإمكانات ضغط لدى القوى المواجهة لها، وهذه القراءة لا تشير لخروج عاجل وناعم من حالة الاشتباك، الأوضح أن الأمور ستسير إلى سخونة أكثر حدة، وهو ما سنحاول الاقتراب منه فى هذا الاستعراض الشامل، مع التأكيد منذ البداية على أن المشهد العربى قابل فى أى لحظة للالتفاف على نفسه، ويمكن أن يسفر الأمر عن تراجع القوى المقاطعة خطوة للخلف، مقابل تراجع قطر عشر خطوات، لينتهى الأمر بترتيبات تبدو هادئة، ولكنها تنتصر لمحور مصر والسعودية والإمارات والبحرين، على قطر وظهيرها وميليشياتها، ولكنه يبدو سيناريو ضعيفا.

قرار قطع العلاقات.. موقف معلن بعد شهور من الرسائل الخفية
القرار الرباعى صفعة قوية ومؤلمة لقطر، وسيؤثر عليها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وفى الغالب سيقودها لتنازلات مذلة، إما على محور دول مجلس التعاون الخليجى ومصر، أو على محور تركيا وإيران، رغم ما يشوبه من تعارض واختلافات.
يبدو أن الموقف ليس عربيا فقط، الصورة تحمل إشارات لحياد أمريكى وقرار بكف يدها عن التدخل لصالح أى من طرفى الصراع، وتقارير إخبارية عدة، بعضها أوردته وكالة سبوتنيك الروسية، أشارت إلى أن موسكو لن تتدخل إذا قررت الدول العربية معاقبة قطر، ويضاف لهذا ما يتواتر عن قطع شوط بعيد فى اتفاق إقليمى أمريكى لنقل قاعدة "العديد" التى تضم قيادة المنطقة المركزية الأمريكية وأكثر من عشرة آلاف مقاتل، لإحدى دول الخليج البارزة بدلا من قطر.
بيان الخارجية القطرية التالى لقرار قطع العلاقات أعرب عن أسف الدوحة لقرار السعودية والإمارات والبحرين، وبعيدا عن حملة العلاقات العامة الساذجة التى أشارت لإهانة وتجاهل القاهرة فى البيان، فقد أشار بيان خارجية قطر فى فقرته الثانية لمصر متهما إياها صراحة بأنها السبب الرئيسى فى القرار، وهى من نسّقت المواقف بين الدول العربية المقاطعة، وما يشير إليه البيان فى وجهه العميق أن قطر تضع يدها على سبب لموقف مصر منها، باعتبار أنها تحتضن الإخوان ولم تنكر دعمهم، ولكنها تشعر بالصدمة من مواقف الجيران الخليجيين، إذ ترى أنها لم تتورط فى تصرف معاد لهم، فى إطار الظاهر، وهروبا من الخفى الذى طُرح على طاولة التداول كثيرا فى اجتماعات مجلس التعاون وفى لقاءات الوساطة بين وزير خارجية الكويت ونظيره القطرى.

الدبلوماسية المصرية.. تحرك ناعم وتأثير فاعل فى ملفات المنطقة
الواضح أن الدبلوماسية المصرية لها الدور الأكبر فى الموقف الأخير، خاصة مع الحديث عن اجتماع سابق على القرار بساعات، ضم السفير السعودى بالقاهرة ومسؤولين بالخارجية المصرية، والحقيقة التى تفرضها الحسابات الجيوسياسية والأوزان النسبية تؤكد أن مصر طرف فاعل إقليميا.
إذا تتبعنا مسار قطر ودورها المشبوه فى الملفات العربية المثارة، سنجد أنها سخرت جهودها لوقت طويل، للخصم من رصيد مصر، ودعم الحكم الإخوانى، ثم مساندة تهديدها لمنظومة الحكم التالية لثورة 30 يونيو، وسعيها لإثارة حالة من الفوضى الداخلية وتقويض تحركات القاهرة خارجيا بحملات علاقات عامة وتشويه لتحركها الشعبى وترتيبات خارطة الطريق التى أقرتها القوى السياسية منتصف 2013، ومع مقاومة مصر لهذا الدور القطرى المشبوه، وسعيها لإدانة الدوحة وردعها عن هذه الأفعال، كان طوق النجاة الدائم لها ظهيرها الخليجى فى مجلس التعاون، وكثيرا ما تصدت السعودية والإمارات تحديدا لمحاولات مصرية لعقاب الدوحة، وهو ما يكشف عن تحول كبير فى مواقف الدولتين الآن، يبدو أن الدبلوماسية المصرية عملت عليه بهدوء ودأب، لتكشف قطر أمام جيرانها، وتشارك فى وضع تصور ناضج للمشهد العربى الراهن، ينطلق من ضرورة الالتقاء على مشروع جامع لمواجهة المد الإرهابى، وقصقصة أجنحة داعميه من الداخل، ويُضاف لهذا أن الموقف الأخير، وتبنى الرياض لاستراتيجية مكافحة الإرهاب التى صاغتها مصر، يؤكدان تحول الموقف الرسمى للمملكة من التشدد فى التضحية بالرئيس السورى بشار الأسد، إلى تقديم أولوية أخرى ترتبط بتصفية الإرهاب الميليشياتى المسلح/ الخصم المباشر للأسد، ما يعنى ضمنيا القبول ولو مرحليا بترتيبات سياسية يكون "الأسد" طرفا فيها، وهو موقف القاهرة، ما يؤكد فاعلية التحركات الدبلوماسية المصرية لبلورة تصور عملى متزن للتعامل مع ملفات المنطقة، والقدرة على تسويقه فى أوساط القوى الإقليمية، وإقناعهم به ودفعهم للمشاركة فى تنفيذه.

البدائل المتاحة أمام قطر للخروج من الأزمة بأقل الخسائر
قطر الآن تواجه موقفها الأصعب كدولة، فى عمرها القصير الذى لا يبلغ خمسين سنة، فهى للمرة الأولى تعاين الحصار بشكل قاس، وتخرج من بعدها الجغرافى كشبه جزيرة، إلى حالة الجزيرة المحصورة بالنار من ثلاث جهات، ولا منفذ لها الآن إلا إيران، بما يحمله هذا من تعميق الشقاق العربى معها أكثر، وخسارة الأب الروحى والراعى الأمريكى، ودخول جفوة مزعجة مع نظام أردوغان فى تركيا.
قد تضطر قطر فى إطار التحرك العملى باتجاه تخفيف حدة الضغط، لترشيد قواها الإعلامية وتقليم أذرع اتصالها الطويلة مع الميليشيات والجماعات المسلحة، والتضحية بالمقيمين على أرضها من الإخوان والمعارضة السورية والفلسطينية، ما يعنى تجريدها من قوتها الفعلية التى كانت سبب بروزها وأزماتها، وحصرها فقط فى مربعها الجغرافى بمحدودية تأثيره وأهميته الاستراتيجية.
أبرز ما يمكن أن تواجهه قطر، أزمة غير هينة فى الإعاشة، عطفا على أن 90% من وارداتها تمر عبر الأراضى السعودية، أو المياه الإقليمية للإمارات والبحرين، وتباطؤ حركة النمو والعمران لتوقف خط إمدادها بالخامات من المنافذ نفسها، وما يحمله هذا من تهديد استضافتها لكأس العالم 2022، التى أعيد فتح ملف الفوز بتنظيمها بالرشاوى مرة أخرى، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الطيران لاضطرارها لاتباع خطوط أطول وتبديل محطات الترانزيت، مع ما يحمله هذا من ارتفاع تكلفة التشغيل وتراجع الجدوى الاقتصادية وتراجع أعداد الزائرين التى بلغت ما يقرب من 40 مليونا فى 2016 بحسب أرقام مطار حمد الدولى.
حال لجوء قطر للتصعيد، قد تواجه عقوبات اقتصادية أو مستوى أوسع من الحظر، وربما يصل الأمر لتدخل عسكرى مباشر، وحال استمرار حياد الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا بالتبعية باعتبار قطر تحت حماية واشنطن ومسرح عمليات خاصا لها، فقد تتراجع مؤشرات الأداء الاقتصادى للإمارة، مع تراجع التبادل التجارى مع دول العالم، وارتفاع نغمة الشقاق الداخلى بين عائلة آل ثانى، وإفساح مجال أوسع للمعارضة القطرية بالخارج لتقويض النظام بشكل أكثر نشاطا وتأثيرا، إلى جانب ما تحمله تطورات الأوضاع من فرص توتر الجبهة الداخلية، مع احتمالات سوء الأوضاع، وغلبة الوافدين على التركيبة الديموغرافية، ومحدودية الذراع الأمنية والعسكرية القطرية مع جيش قوامه 11800 مقاتل، أغلبهم من الصومال والهند وباكستان وإيران والسودان.

العمالة المصرية.. هل تملك قطر استخدامها كورقة ضغط ضد مصر؟
أبرز ما يمكن إثارته فيما يخص قنوات الاتصال المصرية القطرية، التي كانت تعانى انسدادا جزئيا فادحا، وأُغلقت تماما عقب قرار قطع العلاقات، ما يتصل بالعمالة المصرية المقيمة على الأراضى القطرية.
السفيرة نبيلة مكرم، وزير الدولة للهجرة، قالت إن عدد المصريين فى قطر 300 ألف تقريبا، وبالنظر لمتوسطات الأعداد خلال العشرين سنة الأخيرة سنجد أنها تراوحت بين 220 و250 ألفا، ما يعنى أن عدد الهاربين من عناصر الإخوان والتيارات الحليفة للتنظيم يتراوح بين 50 و80 ألفا، وهؤلاء لا احتمال لعودتهم فى المدى القريب تحت أى ظرف، وبعيدا عن رسالة الطمأنة التى أرسلتها وزير الهجرة بشأن اتخاذ تدابير احترازية وتوفر فرص عمل لراغبى العودة، تبدو الصورة فى جوهرها مستقرة وغير مثيرة للفزع، ولن تكون ورقة العمالة بطاقة ضغط فى يد النظام القطرى.
أول ما يمنع قطر من المراهنة بورقة العمالة، أن وجودها أمر ملح وضرورى ضمن بنية الدولة ودولابها الإدارى، ويصعب إحلالها بعناصر من بلدان أخرى فى المدى القريب، خاصة أن لديها ميزات تفاضلية تخص الخبرات والمهارات ومعايشة المجتمع ونظامه، وأى مغامرة بتغيير نسبة تتجاوز 10% من إجمالى السكان دفعة واحدة تحمل مخاطر كبيرة فيما يخص انتظام العمل وتماسك المجتمع وسلامه وأمنه، هذا إلى جانب ما يفرضه الحصار الواسع من ضغوط على فكرة الإحلال، مع مواقف متوقعة للمقاطعة الاقتصادية كما فعلت الفلبين بإعلان توقفها عن إرسال عمالة لقطر، وصعوبة إقدام الدوحة على حرق كل الأراضى وإنهاء فكرة العودة لمحيطها العربى مستقبلا، والأرجح أن تستخدم ورقة العمالة للحفاظ على روابط عربية ما، وقد تتخيل أن هذه الورقة يمكن أن توفر لها تعاطفا شعبيا فى مصر، يمكن أن تبنى عليه برسائلها الإعلامية الموجهة والملونة حال استمرت فى دعمها للإخوان، وربما نظرت الدوحة لاحتمال أن توفر الإمارات والسعودية مساحة لاستيعاب العمالة المصرية حال أقدمت هى على تسريحها، كجزء من اتفاق تكامل سبق خطوة المقاطعة، وبالتأكيد لن تحب قطر الذهاب لهذا المدى، ولا منح أوراق إضافية، شعبية ورسمية، للجارتين الخليجيتين.
بعيدا عن الصراع المشتعل الآن، لا تبدو أن يد قطر مطلقة تماما فى ملف كهذا، خاصة أنه لا يخص منازعة عمل فردية، وإنما يرتبط بسياسات عدائية من دولة ضد قطاع واسع من العمال على خلفية سياسية وجغرافية، وهو ما يواجه إشكالا مع منظومة قانونية وتشريعية دولية، إلى جانب اتفاقات العمل والدور الرادع أو الترهيبى الذى يمكن أن تلعبه منظمة العمل الدولية فى هذا الإطار، وقد عهدت مصر سريعا برعاية مصالحها لسفارة اليونان فى الدوحة، ما يعنى أن حالة اليقظة مستمرة، وأن قناة تنسيق واتصال مصرية أوروبية مفتوحة الآن، ويمكن أن تمثل تأمينا إضافيا لأوضاع العمالة.

السيناريو الأرجح لقطر.. إما التضحية بتميم أو السقوط فى مستنقع إيران
الحديث عن المسار المستقبلى للأزمة لا يبدو واضحا بدرجة كافية الآن، ولكن ترتيبات الأيام المقبلة فى القصر الأميرى بالدوحة هى ما ستحسم الوجهة، التى ستنطوى فى كل الأحوال على خسارة قطرية فادحة، ولكن قبلة الخسارة وملعب الاحتراق هو ما ينتظر التحديد.
الجبهة الداخلية القطرية ليست فى أفضل أحوالها، أسرة أحمد بن على، أصحاب الحق الأصليون فى حكم الإمارة، تناوئ أسرة خليفة وترفض شرعيتها، وتصاعد الأمر خلال السنوات الأخيرة مع سياسات تميم العدائية ضد المنطقة، ليصل مؤخرا لإصدار بيان اعتذار رسمى باسم الأسرة للسعودية، عقب تصعيد إعلام الدوحة لهجومه ونشر رسمين يُعرّضان بالملك سلمان، عبر موقعى الجزيرة و«ميدل إيست آى».
بيان أسرة أحمد بن على ليس الوحيد، فعقب قطع العلاقات أصدر تحرك يعرف باسم تنسيقية تحرير قطر بيانا مضادا لمواقف تميم، ومعلنا عزله وتشكيل حكومة موسعة من أطياف الشعب، واتخاذ خطوات عملية لاستعادة العلاقات مع الأشقاء العرب، وإصلاح ما أفسدته سياسات الأمير الصغير، يضاف لهذا أن مساحة المعارضة فى الخارج توسعت بدرجة ملحوظة خلال الفترة الماضية، والأزمة الحالية توفر لها فرصا أكبر للحركة خارجيا والضغط داخليا فى اتجاه رسم سيناريو المرحلة المقبلة، وكل هذه التطورات والمؤثرات تأتى وسط بلبلة وسخونة مكتومة داخل أسرة خليفة آل ثانى، مع عدم رضا شقيقى تميم، مشعل وجاسم، عن سياسات الأمير الصغير، الذى فاز بعرش الإمارة على حساب فرصهما وحقهما فيه، وتصاعد المرارة لدى الأب، الأمير السابق حمد بن خليفة، جراء نقض الاتفاق معه بأن يكون قيادة روحية، وتعمد تهميشه خلال السنوات الأربع التالية للإطاحة به، وقد ترددت أنباء عن اتصالات من جانبه مع البيت الأبيض قبل شهور لرعاية ترتيبات انتقال السلطة داخل البيت القطرى، ويدعم هذا الاتجاه ما نقلته وسائل إعلام سعودية وغربية عن مخاوف تميم بن حمد وعدم رضاه عن زيارة والده للسعودية قبل شهور.
السيناريو الداخلى المتصاعد يُحتمل أن يؤدى للإطاحة بالأمير الصغير تميم بن حمد من واجهة السلطة، لصالح أحد أشقائه أو حتى لصالح المعارضين، المهم أن الإطاحة ستوفر فرصة للوافد الجديد للتقارب مع البيت العربى مرة أخرى، وتحميل تميم منفردا فاتورة الفترة الماضية كاملة، وهو ما يعنى فى كل الأحوال الاضطرار لحرق ميراث تميم، حتى ما أسس له واستخدمه والده من قبل، ما يعنى دخول مرحلة جديدة من السياسة العاقلة والتخلى عن المنطق الميليشياتى والتآمرى الذى انتهجته الدوحة فى السنوات الأخيرة.
الوجه المقابل للصورة السابقة، أن يكون تميم أذكى وأسرع فى الحركة من خصومه، ويتمكن من السيطرة على الأمور وقطع الطريق على مناوئيه من داخل الأسرة وخارجها، ما يعنى أن قطر ستواصل السير فى الطريق نفسها، وربما تتجه لمزيد من التشدد، كإجراء نفسى للدفاع وإثبات أنها ليست ضعيفة، ما يعنى مزيدا من الخطاب التحريضى ضد مصر ودول المنطقة، ومزيدا من احتضان الإخوان وداعش وميليشيات سوريا وليبيا واليمن والتوسع فى تمويلهم وتوفير التسهيلات الإعلامية واللوجستية لهم، أى ستدفع الدوحة فى اتجاه تصاعد موجة الإرهاب واستهداف مصالح ومواطنى دول المنطقة.
سيناريو بقاء تميم يحمل فى أيامه الأولى اتجاها للارتماء فى أحضان إيران، مع الضغط الاقتصادى والمعيشى المتولد عن الحصار الضاغط، ستحاول الإمارة الصغيرة البرهنة على أنها تستطيع العيش دون محيطها العربى، لهذا ستلجأ لتدبير احتياجاتها من المنافذ المتاحة، وبالنظر للصعوبات الجغرافية والسياسية التى تحجم دور تركيا فى هذا الإطار، لن تجد الدوحة وجهة أفضل ولا أسرع من إيران، التى بادر مسؤولوها بالتحرك سريعا لملء الفراغ، وأكدوا عبر تصريحات للمتحدث باسم الخارجية ورئيس اتحاد تصدير الحاصلات الزراعية، جاهزية طهران لتوريد احتياجات قطر، وهو ما سيبدأ من اليوم، ومع عناد قطر ومكابرتها سيمتد لأسابيع، ومع استمرار الحصار والضغوط، وسعى إيران للتوسع ووضع موطئ قدم فى الخليج العربى، وانتصار سيناريو نقل قاعدة العديد العسكرية، ستطمع إيران فى التوسع جغرافيا لملء الفراغ، وستضطر قطر لتقديم تنازلات للحليف الشيعى الجديد، لتبدأ مرحلة جديدة من وكالة قطر لمصالح الدولة الشيعية فى المنطقة، ما سيزيد من حصارها ومساحة العداء لها، ويبعدها عن الحليف التركى، ويُدخلها دائرة العداء المباشر للولايات المتحدة الأمريكية.
المناورة الأكبر خداعا يمكن أن تتمثل فى الاتجاه ناحية تركيا، عبر تفعيل اتفاق أمنى موقع بين البلدين فى 2014، لإقامة قاعدة عسكرية تركية فى الإمارة الصغيرة، فى الوقت ذاته الذى تتحرك فيه الدوحة قُدما على المحور الإيرانى، ولكن على طريقتها المعهودة فى اللعب مع كل الأطراف، ستحاول الدويلة الصغيرة الموازنة بين توطيد علاقتها بطهران وما تمثله من إشعال لإجواء الصراع والرفض العربى بها، وفى الوقت ذاته الاقتراب من أنقرة التى جمعتها بها شراكة طويلة فى تنسيق المواقف ودعم التيارات المتطرفة، وفى الوقت ذاته تتمتع بعلاقات هادئة مع بعض دول المنطقة، وإن كانت رتيبة ورمادية أحيانا، وعلى المحورين سيتحرك "تميم" ونظامه لاستغلال إيران كورقة ضغط على تركيا، والعكس، فى إطار الحصول على القدر الأكبر من المكاسب والمناطحة للقوى الخليجية الكبرى.

المكاسب والخسائر.. مصر أول الرابحين وقطر الخاسر الأكبر
النقطة الأخيرة فيما يخص الرابحين والخاسرين، فأول الخاسرين جماعة الإخوان والميليشيات المسلحة فى سوريا وليبيا والعراق واليمن، عبر الخصم من رصيد الدعم المالى والإعلامى المفتوح من جانب الدوحة لهم، وتأتى قطر تالية بالفاتورة الفادحة التى ستدفعها سياسيا واقتصاديا، وما يهدد جبهتها الداخلية من شروخ، وخروجها فى الغالب عارية من أذرعها الإعلامية التى شكلت التأسيس الأبرز لقواها الناعمة ومفاتيح حركتها الفاعلة فى المجالين الإقليمى والدولى.
قائمة الخاسرين تضم أيضا تركيا بدرجة من الدرجات، إذ ربما يسفر الأمر عن نزوح واسع لقيادات وعناصر الإخوان، وقادة حماس، وعناصر جبهة النصرة والميليشيات السورية، المقيمين فى الدوحة، لاتخاذ الأراضى التركية مقرا جديدا، مع التضييق المتوقع على قطر وعليهم، كما أن أنقرة التى تعانى من توتر كبير فى علاقاتها مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على حد السواء، واضطرت لتقديم تنازلات والتراجع عن مواقفها السابقة بشأن بشار الأسد والوضع فى دمشق، والاستجابة لشروط القوتين الكبريين بحضور مؤتمر "آستانة" والرضوخ لمقررات موسكو وواشنطن ودمشق، ستخسر بالتأكيد ذراعا مهمة طالما حركتها لتحقيق بعض أهدافها بشكل غير مباشر، وسيتعين عليها بعد الحصار العربى للدوحة، وارتماء الأخيرة فى أحضان إيران الداعمة للأسد، أن تنفذ مخططاتها بنفسها مباشرة، وهو الأمر الذى يصعب عليها ويصل درجة الاستحالة لعدة أسباب، أولها أن تركيا لن تغامر بمرحلة السلام البارد مع موسكو وواشنطن، ولن تجرؤ على التصريح بمواقفها وانحيازاتها فى الملفين السورى والليبيى ثانية، كما أنها لا تمتلك المقدرة المالية لتقديم الدعم المباشر للميليشيات، وطالما اعتمدت على الأموال القطرية فى تنفيذ أجندتها، لهذا تحضر تركيا أردوغان فى طليعة الخاسرين، وربما تكون خسارتها أكبر من قطر نفسها.
أما الرابحون فتتقدمهم مصر، بقطع طريق دعم وإمداد مهمة على الإخوان وحلفائهم، والتخلص من إزعاج منصات قطر الإعلامية الموجهة بشراسة وعداء، أو ترشيده، وتقليص تحركات الدوحة فى الظهير الأفريقى بالسودان ومنابع النيل، تليها الإمارات بالتقدم لموقع الشريك القوى للولايات المتحدة فى الخليج، وتأكيد حضورها الإقليمى المؤثر بعد سنوات من النشاط الدؤوب فى الساحة الأمريكية، عبر سفيرها يوسف العتيبة، نجل أول وزير نفط إماراتى من زوجة مصرية، ثم تأتى الولايات المتحدة الأمريكية التى تتأهب لمعركة الرقة وتحتاج قبولا سعوديا للعمل ضد داعش والميليشيات المسلحة فى المنطقة، وهى قوة روحية كبيرة، وطالما كانت تتشدد فى الإطاحة ب"الأسد"، ما يعنى ضمنيا دعم خصومه.
تأتى رابعا فى قائمة الرابحين السعودية، التى تؤكد من خلال هذا التحرك هيمنتها على فضاء الخليج وقدرتها على التأثير المباشر فى اللاعبين الأساسيين على ساحته، ثم البحرين التى ستضمن عبر الدخول فى هذه الزمرة تحجيم النشاط الإيرانى فى ساحتها، وإطلاق يدها فى التحرك ضد ناشطيها الشيعة، ثم تأتى سوريا التى يوفر لها الموقف العربى الأخير فرصة لفرض الرؤية الرسمية على ساحة الصراع وحلحلة الأوضاع وفق أجندة الدولة السورية، وبالمنطق نفسه تحل ليبيا ضمن الرابحين بتزامن هذا التحجيم الحاد للنشاط القطرى مع جهودها العسكرية المشتركة مع مصر لبسط هيمنتها على مناطق سيطرة الميليشيات المدعومة من الدوحة وأنقرة.
بين تفاصيل اللعبة وقائمتى الرابحين والخاسرين، لا شك فى أن خريطة جديدة للمنطقة يُعاد رسمها الآن، وربما يرى البعض هذا التصور تزيدا وتضخيما، باعتباره يقوم على مفصل صغير من مفاصل المنطقة، عبر دولة لا تتجاوز مساحتها 11500 كيلو متر مربع، ولكن كثافة الخيوط التى ربطت الدوحة نفسها بها خلال العشرين سنة الأخيرة تجعلها أرضا خصبة لتصفية كثير من الملفات وإعادة بناء استراتيجيات وتحالفات جديدة بالمنطقة، وهو ما سيشهده مقبل الأيام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.