منذ إعلان وزارة الصحة عن تحويل مستشفيات التكامل، التى ثبت فشلها، إلى وحدات لطب الأسرة، منها 52 مستشفى من مستشفيات التكامل بمحافظة المنوفية تكلفت ملايين الجنيهات، بهدف تقديم خدمة طبية متكاملة للمرضى بالقرى والمدن البعيدة، إلا أنها شهدت كساداً غير مسبوق، وأصبحت أماكن مهجورة بعد أن عزف عنها المريض والطبيب على حد سواء. أصيبت الأجهزة والمعدات الطبية الموجودة بمستشفيات التكامل بالصدأ لعدم استخدامها، كما غابت عنها تخصصات حيوية مثل التخدير وإخصائيى القلب والأعصاب وبنوك الدم وغيرها، حتى أصبحت عبئا على مديرية الشئون الصحية، لكثرة شكاوى المواطنين وأعضاء المجالس المحلية من عدم تأديتها للخدمة العلاجية المطلوبة والمطالبة باستثمارها، من أجل تقديم خدمة طبية مناسبة للمواطنين، مما أدى بوزارة الصحة إلى تحويلها إلى مراكز طب أسرة، يقتصر دورها على تقديم التطعيمات وإرشادات تنظيم الأسرة. ومع رفض المواطنين لقانون الإصلاح الصحى، الذى يقضى بفتح ملف الأسرة بدفع مبلغ 10 جنيهات لكل فرد سنوياً ودفع نسبة من تكاليف العلاج والأدوية، أصبحت كثير من تلك المستشفيات جثثاً هامدة بلا حراك تسكنها الأشباح، فلم تعد تقدم أية خدمات للجمهور سوى بعض التطعيمات وإرشادات تنظيم الأسرة، ليتجسد فى كل قرية ومدينة مثال صارخ على إهدار المال العام على منشآت لم تحقق الهدف من إنشائها على مدار سنوات، فى قرية ميت خاقان مركز شبين الكوم يوجد شاهد عيان على هذا الواقع الغريب، عبارة عن مركز صحى تم إنشاؤه على أعلى مستوى منذ عام 1997، بتكلفة تجاوزت 3 ملايين جنيه، ولم يتم افتتاحه رسمياً حتى الآن، ورغم وجوده ضمن كتلة سكنية تضم ما يقرب من 60 ألف نسمة، فضلاً عن 4 قرى مجاورة ومجمع للمدارس يشمل مدرستين للتعليم الأساسى ومدرسة إعدادى على الطريق مباشرة إلا أنه "مرفوع دائماً من الخدمة"، فلا يوجد به أى نشاط سوى بالطابق الأرضى، الذى يضم قسم الاستقبال وعيادات طب الأسرة والأسنان، أما باقى الأدوار فهى خالية تماماً رغم وجود لافتة عريضة عند مدخل المبنى توضح وجود عيادات لجميع التخصصات. يفاجأ المريض الذى يدخل المركز الصحى، أنه عبارة عن عيادات وهمية ليس لها وجود على أرض الواقع، فجميع الأدوار العلوية خالية من الأطباء والإخصائيين، وقسم الأشعة لا يوجد به سوى جهاز "مستعمل" متهالك لا يعمل إلا على الأطراف فقط فى حالة صلاحيته، لأنه كثير الأعطال ولا تجد الممرضات من يقدمن له الخدمة بعد تطبيق قانون الإصلاح الصحى الملزم لكل فرد، بفتح ملف بعشرة جنيهات وإن كان مبلغاً صغيراً، إلا أن الكثير من المواطنين، خاصة البسطاء منهم لا يقدرون على دفع تكاليف العلاج، ورغم قرار وزير الصحة بتقديم العلاج الفورى بقسم الطوارئ دون انتظار لدفع الرسوم، إلا أنه لا يتم استقبال أى مريض بالقسم أو تقديم العلاج له، إلا بعد فتح الملف ودفع تكاليف العلاج، مما يضطر بعض الممرضات إلى "تجميع" ودفع الرسوم من جيوبهن الخاصة لإنقاذ الحالة. يوجد بالمركز الصحى مركز تدريب تكنولوجى مغلق دائماً لا يرتاده أحد ولا يعرف أحد مغزى وجوده داخل مركز صحى قروى دون الاستفادة منه، ويتم تحويل المرضى إلى مستشفى شبين الكوم التعليمى، لعدم وجود أطباء إخصائيين بالمركز، الذى لم يفتتح رسمياً على مدار 11 عاماً كاملة، وتحاصره أكوام من القمامة وبقايا الهدم من الصخور والأتربة. وسيارة الإسعاف الموجودة بالمركز سيصيبها الصدأ لعدم استخدامها فى أى شىء، حيث يتم فى حالة وقوع حادث أو وجود حالة تستدعى الانتقال للمستشفى الاتصال بأقرب مستشفى حكومى، الذى يقوم بإرسال سيارة إسعاف لنقل المريض، والمشكلة هنا تتمثل فى أن مستشفى شبين الكوم وهو أقرب مستشفى للقرية، عادة ما يتأخر فى إرسال سيارة الإسعاف، الأمر الذى قد يودى بحياة المريض. يضاف إلى ذلك عدم توافر الأدوية، وقيام المريض بشراء العلاج على حسابه، واقتصر دور المركز على فك الغرز وتضميد الجراح فى مبنى تكلف إنشاؤه ملايين الجنيهات. من ناحيته يؤكد الدكتور عابد الشريف مدير الطب العلاجى بمديرية الصحة بالمنوفية، أن تحويل مستشفيات التكامل إلى مراكز لطب الأسرة، بث فيها الروح ودفع المواطنين للتردد عليها، لتلقى العلاج وجميعها تعمل بانتظام، وإن كان هناك عجز فى إعداد أطباء التكليف يتم التغلب عليه سواء بالانتداب أو بالتعاقد، بما يعنى أن الحياة لونها بمبى، وأن كل شئ تمام التمام!.