وزير الصحة يعلن تشكيل اللجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض    هل سيواصل سعر الذهب الصعود فى 2026؟ البنك الدولى يفجر مفأجاة    اختتام دورة تدريبية بمركز بحوث الصحراء بمطروح حول الإدارة المستدامة للمياه والتربة بمشاركة دولية    نائب ترامب: شعرت بالإهانة بسبب تصويت الكنيست لضم الضفة الغربية خلال زيارتي لإسرائيل    السفير الفرنسي بالقاهرة يثمن جهود مصر في وقف إطلاق النار بقطاع غزة    اعتقال بريطاني متهم بالتجسس لصالح روسيا في أوكرانيا    الزمالك يختتم استعداداته لمواجهة البنك الأهلي    مصرع طفلة دهسها جرار زراعي في الشرقية    قطر تشيد بالمتحف المصري الكبير: من أهم المشاريع الثقافية العالمية    هل يجوز للزوجة التصدق من «مصروف البيت»دون علم زوجها؟.. أمين الفتوى يُجيب    «الصحة» تعلن تحقيق إنجازات نوعية في تنفيذ توصية «تمكين المرأة» قبل انطلاق مؤتمر PHDC'25    وزيرة الخارجية الفلسطينية: نحاول توجيه البوصلة الدولية حول ما دار في مؤتمر نيويورك    تأجيل حفل افتتاح مهرجان الفضاءات غير التقليدية بأكاديمية الفنون    مصطفى قمر يطرح أولى أغاني ألبومه الجديد بعنوان "اللي كبرناه"| فيديو    ب«جرة مياه».. نجل مكتشف مقبرة توت عنخ آمون يكشف أسرار اللحظة التاريخية    وزير خارجية إستونيا: بوتين يختبر الناتو ولا نتوقع اجتياح ليتوانيا    حالة الطقس غدًا الخميس 30-10-2025 على البلاد والأيام المقبلة    الصحة: خفض نسبة الوفيات بين حديثي الولادة إلى 16 طفلا لكل ألف مولود    لصحتك.. روشتة للوقاية من السكتة الدماغية    أيمن يونس يهاجم ثروت سويلم بسبب تصريحاته عن حلمي طولان    الشيخ خالد الجندي: الغني الحقيقي هو من يملك الرضا لا المال    مجلس الزمالك.. لقد نفد رصيدكم!    الإمام الأكبر يخاطب المفكرين والقادة الدينيين فى مؤتمر السلام العالمى بروما    الإسكندرية تستعد ب22 شاشة عملاقة لنقل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    جامعة القاهرة تُهنئ أساتذتها الذين شملهم قرار رئيس الوزراء ب«المسؤولية الطبية»    مؤتمر إقليمى لتفعيل مبادرة تمكين بجامعة العريش    رئيس الوزراء القطري: نحاول الضغط على حماس للإقرار بضرورة نزع سلاحها    سقوط نصاب الشهادات المزيفة في القاهرة بعد الإيقاع بعشرات الضحايا    شاشات بميادين كفر الشيخ لنقل حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    آرسنال يخطط للتجديد مع ساكا ليصبح الأعلى أجرًا في تاريخ النادي    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    خلال ساعات.. موعد إلغاء التوقيت الصيفي 2025 في مصر وتأخير الساعة 60 دقيقة    هل يدخل فيلم فيها إيه يعنى بطولة ماجد الكدوانى نادى المائة مليون؟    محافظ شمال سيناء يستقبل عدداً من مواطني إزالات ميناء العريش    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا في بحر شبين بالمحلة    رئيس جامعة حلوان: الاستثمار في التكنولوجيا استثمار بالمستقبل    «الخطيب أخي وأوفينا بما وعدنا به».. خالد مرتجي يزف بشرى لجماهير الأهلي    تعديل موعد مباراة برشلونة وأتلتيكو في الدوري الإسباني    مصر تشارك في اجتماع مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي في أديس أبابا    محافظ الدقهلية يتابع من مركز سيطرة الشبكة الوطنية محاكاة التعامل مع مياه الأمطار وحركة المواقف ومستوى النظافة    بعد تداول فيديو.. القبض على متهم بسرقة هاتف فتاة في الإسماعيلية    كليتى العلوم وتكنولوجيا التعليم ببنى سويف يحصلان على جائزة مصر للتميز الحكومى    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء عودتها من الحضانة فى البدرشين    حبس المتهم بقتل شاب بسبب معاكسة الفتيات ببنها في القليوبية    "أتوبيس الفن الجميل" يصطحب الأطفال في جولة تثقيفية داخل متحف جاير أندرسون    دون إبداء أسباب.. السودان يطرد مسؤولين من برنامج الأغذية العالمي    بينها «طبق الإخلاص» و«حلوى صانع السلام» مزينة بالذهب.. ماذا تناول ترامب في كوريا الجنوبية؟    النقل تعلن مواعيد تشغيل المترو والقطار الكهربائي الخفيف بعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025    أسقفا الكنيسة الأنجليكانية يزوران قبرص لتعزيز التعاون الإنساني والحوار بين الكنائس    سفيرة قبرص لدى مصر: المتحف الكبير.. الهرم العظيم الجديد لعصرنا الحديث    "ADI Finance" توقع اتفاقية تمويل إسلامي بين البنك الأهلي لدعم أنشطة التأجير والتمويل العقاري    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    رعم الفوز على النصر.. مدرب اتحاد جدة: الحكم لم يوفق في إدارة اللقاء    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للأجهزة العليا للرقابة المالية «الإنتوساي» ل3 سنوات (تفاصيل)    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    الكشف عن حكام مباريات الجولة ال 11 بدوري المحترفين المصري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التجديد والتراث
نشر في اليوم السابع يوم 18 - 11 - 2016

كثيرًا ما يُتهم التراث بأنه السبب الرئيس لكثير من المشكلات الواقعة فى بلاد العالم الإسلامى، وخاصة تلك المتعلقة بالتطرف والإرهاب. ولما كانت المناهج التعليمية فى الأزهر الشريف تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التراث، فإنها حاضر لا يغيب فى نقد المنتقدين لتراثنا الإسلامى، ونحن فى الأزهر الشريف مع تقديرنا واعتزازنا الشديد بتراثنا الخالد لا نقول بعصمته ولا ندعى سلامته من المدسوسات التى لا ينبغى أن تكون بين طياته، ونقول دائمًا، وبكل وضوح، إن المقدس عندنا هو كتاب الله تعالى والسنة النبوية الصحيحة، فكلاهما ليس من حق أحد، ولا ينبغى له أن يشكك فى حرف ولا فى حركة إعرابية مما نُقل منهما بطريق التواتر.

ومع ذلك، فنصوص القرآن والسنة الصحيحة تنقسم من حيث الدلالة إلى قسمين: قسم قطعى فى دلالته، وهذا لا يقبل اجتهادًا من أحد مهما بلغ من العلم، وهو المراد بقولهم: «لا اجتهاد مع النص»، فآيات الصلاة والصوم والزكاة والحج تدل دلالة قطعية على فرضية هذه الأركان، ومن هذا النوع آيات القتل لمعصوم الدم، والسرقة، والخمر، والإفساد فى الأرض، والبغى، وأكل أموال الناس بالباطل، والربا.. فهذه الآيات ناطقة بالتحريم القطعى، ومنه أيضًا ما يفيد التخيير ولا يلزم بفعل أو ترك كحل البيع، وإباحة الصيد البرى بعد التحلل من الإحرام، وتوثيق الدَّين بالكتابة أو الرهن، وإن كان هناك اختلاف فى نوع التخيير بينها، حيث يشمل التخيير ثلاثة أحكام من جملة الأحكام التكليفية، وهى الإباحة والندب والكراهة، ولذا لم يختلف الفقهاء، مع ما بينهم من خلاف فى كثير من المسائل الفرعية، فى دلالة هذا النوع من الآيات على أحكامها؛ وذلك لورودها بصيغ لغوية لا تقبل تعدد المعانى المستفادة منها. وأما القسم الثانى من نصوص كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، فهو ظنى فى دلالته؛ أى ورود نصوص هذا القسم بصيغ تحتمل أكثر من معنى، ومقصود هذا اختلاف العلماء فى تفسير هذه النصوص واستنباط الحكم منها، وذلك من باب التيسير على المكلفين، ومن هذا النوع قوله تعالى فى آية الوضوء: «وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ»، فدخول الباء التى تكون عند اللغويين زائدة من حيث المعنى ولا تفيد شيئًا أحيانًا، وأحيانًا أخرى تكون عاملة وتفيد التبعيض، جعل الفقهاء يختلفون فى الممسوح من الرأس بين من قال بمسح الرأس كله باعتبار الباء غير عاملة، ومن قال بمسح بعض الرأس على الاعتبار الآخر. ومن هذه النصوص قول الله تعالى فى عدة المطلقة: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ»؛ وذلك لأن لفظ «القرء» يطلق لغة على كل من الطُّهر والحيض، فبالحيض أخذ بعض الفقهاء وبالطُّهر أخذ بعضهم الآخر، ومن ثم كان الاختلاف فى مدة العدة التى تحل بعدها المطلقة للزواج. وهذا القسم ظنى الدلالة لا حرج على من امتلك أدوات النظر والاجتهاد من قدح زناد فكره فيه بعد اطلاعه على ما ذكره السابقون حوله، ولا إنكار عليه إذا توصل إلى معنى جديد يناسب الزمان والمكان ولا تأباه قواعد اللغة ولا يتصادم مع ما أفادته نصوص أخرى قطعية الدلالة فى ذات الموضوع، وهذا لا يخل بقدسية كتاب الله تعالى والسنة النبوية الصحيحة، وذلك لأن نصوصهما ظنية الدلالة وردت كذلك لتقبل الاجتهاد بما يناسب الزمان والمكان وأحوال الناس، ولو كان المراد ثبوت أحكامها لوردت بصيغ قطعية فى دلالتها كما هو الحال فى النصوص قطعية الدلالة.

أما كتب التراث الإسلامى من تفسير وحديث وفقه وغيرها، فهى نتاج عقول بشرية غير معصومة، ولذا فإن ما ورد فيها إن كان قطعى الثبوت والدلالة فلا مجال للاجتهاد فيه، وهو مقدس نسبة إلى أصله الذى هو قرآن أو سنة صحيحة، وإن كان ما فيها غير مقطوع بثبوته فلا حرج من الاجتهاد فيه لاستنباط الأحكام المتعلقة بموضوعه ولو جاءت الأحكام مغايرة لما دلت عليه السنة الضعيفة، شريطة أن يكون المجتهد أو المجدد مؤهلًا للاجتهاد والنظر وملمًّا بشروط الاجتهاد وملتزمًا بضوابط النظر. ويلزم السالك فى هذا الدرب عدم تسفيه رأى المجتهدين قبله أو التعرض لذواتهم، وما عليه إلا ترك اجتهاداتهم التى ناسبت زمانهم والجد فى النظر حتى تكون أحكامه المستنبطة مؤيدة باستدلالات ترجح صحتها، وليس بالضرورة إثباتها بيقين، وذلك لأن غالب أحكام الفروع من المظنون وليس المقطوع، وهو يكفى لامتثال المكلف. أما المدسوس فى كتب التراث من الإسرائيليات والأحاديث الموضوعة على رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، والآثار المكذوبة على صحابته رضوان الله عليهم، فهذه لا قداسة لها ويجب إهمالها وكشف زيفها، ومن ذلك زعم الحرق أو الذبح ونسبة ذلك إلى بعض الصحابة كذبًا وزورًا والربط بينه وبين ما ترتكبه داعش وأخواتها اليوم من جرائم.

ومع تثمين دعوة من ينادون بتنقية التراث من هذه المدسوسات، إلا أنها فى الحقيقة دعوة غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، وذلك لعدة أمور منها: أن كتب التراث ليست ملكًا لمؤسسة بعينها حتى تملك حق التصرف فى محتواها، وإنما هى ملك للأمة بأسرها، ويصعب اتفاق الأمة على عمل كهذا على فرض إمكانيته. والثانى: أن تتبع هذه الجزئيات فى هذا الكم الهائل من كتب التراث يستغرق أعمار أجيال لإنجازه إن كان ممكنًا، ولسنا فى حاجة لتذليل صعوبات يتعذر تذليلها، كما أننا ليس لدينا رفاهية الانتظار لعدة عقود من العمل لتخليص تراثنا مما دُسَّ فيه، والأيسر من ذلك، فى ظل ما تعانيه الأمة اليوم، مراجعة ما كتبه سلفنا الصالح حول هذه الروايات المدسوسة والأخبار المكذوبة؛ حيث خلفوا لنا كتبًا وعلومًا تنبه عليها وتكشف زيفها، ومنها الكتب المصنفة فى علوم مصطلح الحديث والرجال والجرح والتعديل وغيرها، والمصنفات التى جمعت الأحاديث وميزت صحيحها من ضعيفها من موضوعها، وما علينا إلا أن نهتدى بهم إن أردنا السلامة والنجاة من ضرر هذه المدسوسات، وذلك بمعرفتها ومن ثم تجاهلها والتمسك بالصحيح المغنى عنها، فمن غير المعقول ولا المقبول ترك درر التراث وكنوزه التى لا يمكن أن يستقيم حال عباداتنا أو حتى معاملاتنا وأخلاقنا إلا باتباع هديها، بذريعة هذه المدسوسات التى يمكن كشف زيفها وتجنب أضرارها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.