عندما سمعت فيروز تغنى كسر الخواطر، فكرت فيك، جلست أحاول انتقاء طريقة ملائمة للتخلص منك دون أن تترك وراءك أثرا داميا جديدا. أستطيع أن أبدأ هكذا، صارخة أهاتفك: كيف تفعل هذا بى؟ ويمكن أن تصبح البداية أكثر عنفا من نوعية اقتحام مكتبك وصفق الباب بقوة ثم إمساكك من طرف قميصك لأهزك بشدة: كيف تفعل هذا بى؟ وإذا فكرنا فى رد فعل رومانسى قد أنظر إليك بعينين دامعتين تتسائلان: كيف تفعل هذا بي؟ أذناى تفترشان الطرق التى اعتدت عبورها علها تلتقط صوتك.. هذه ستكون رومانسية مفرطة تقارب السذاجة فى رأيك ولم تعد تليق بزمن إلكترونى كهذا.. صحيح؟ يمكننى إرسال رسالة قصيرة بوجه دامع تحصل عليه بسهولة إذا ضغطت علامتى ترقيم متتاليتين. كنت أظن الناس فقدوا القدرة على الاختفاء فى هذا العالم العنكبوتى.. حيث الجميع قادرون على اقتفاء الآثار وتشمم أفعال بعضهم البعض.. كنت أظن ولكنك نجحت فى الرحيل، ولم يتبق لى سوى أن أفردك أمامى على الورق.. أفرد كل جوانبك، التى أريتنى إياها والتى طويتها عنى، علنى أفهم ما حدث.. وبعدها أصنع بك ما أشاء، أمحوك.. أمزقك أجزاء صغيرة أطيرها فى الهواء أو أبتلعها. ياسمين لم أنجح فى الإمساك بها، دخلت غرفتى وجلست أمامى على المكتب واضعة إحدى ساقيها الرفيعتين على الأخرى، هزتها فى دلال وقالت: اكتبينى إن استطعت. كان كل ما فيها يلمع، عيناها، ابتسامتها ، حتى الكلمات التى تخرج من فمها تكاد تسمع صليل فضتها.. طالما أحبت الفضة وزينت بها معصمها وكاحلها ورقبتها وإذنيها، حتى صارت حركاتها ترن. وربما لذلك أحبت شعرك الفضى.. فكرت أن أجعلها بائعة مناديل وفل تجوب الإشارات المزدحمة، وفكرت أن أجعلها فتاة يتيمة تعيش فى حجرة مليئة بالبشر والأحلام السجينة تحاول الخروج منها، فكرت لها فى مائة شخصية ولكنها استعصت على الورق.. كأنها تقول لا مزيد من السجون والحدود.. تركتها جالسة على المكتب، تهز ساقيها بدلال وتنظر لى متحدية مرة ومعتذرة مرة. ياسمين لم تعد تهمنى الآن، لأنك فى الوقت الذى قررت فيه الرحيل كنت سترحل معها أو بدونها، فأنا أعرفك.. رجل يعرف كيف يحقق ما يريد.. وأنت تعتقد أنك تعرفنى كذلك.. وتظن أننى سأبكى يوما أو يومين ثم أستسلم وأواصل حياتى بهدوء، لأن كلها خطوط غير مكتملة وطرق فشلت فى الوصول لنهاياتها ولن يضر أن نضيف إليها خطا آخر ناقصا.. وتوهانا جديدا. تغلق السماعة بعنف،وأنت تعلم أننى لى الطرف الآخر لا أعرف كيف أبدأ الحديث.. وكل البدايات التى تخيلتها لم تعد تناسبك. هل تبتسم لها الآن نفس ابتسامتك الحنون؟ وهل تحتد هى ليك وتغفر لها ما لم تغفره لى؟ هل تقدم لها الحلوى لتصالحها حين تنشغل عنها؟ وهل تنشغل عنها؟ وهل تنقش اسمك بأظافرها الملونة على حافة السرير؟ فرت ياسمين من مخيلتى، لم أكن أعرفها كما يجب وكنت أظن معرفتى بك تكفى.. فرت لكنى نجحت فى الإمساك بك وحبسك على مكتبى لأفعل بك كل ما أشاء قبل أن تفلت حرا.. سأجعلك تبكى وترجع نادما ثم أطردك مرة وأسامحك مرتين.. سأجعلك تقتلها وتنتحر.. وسأجعلها تحاصرك.. تطبق عليك، تقتلك بعد أن تستمتع وتمتعنى بتعذيبك مرات ومرات.. ولكن ياسمين فرت بك، ولم يعد بالإمكان الإمساك بكما.. مع أنك قلت مرارا أنى الأولى والأخيرة والوحيدة، ولم تقل أبدا الغريبة.