ولدت فى تونس الخضراء قبل ما يزيد عن الأربعين عاما لأسرة ثرية ما لبث أن توفى عنها أبواها وهى فى سن الصبا، أصر أهلها على زواجها على طريقتهم، رجل ثرى يكبرها بخمس وأربعين سنة أو يزيد.. صبية ثرية لم تعرف طعم الهناءة ولا معنى الحياة فى ظل وجودها مع رجل فى عمر جدها.. لم يطب لها المقام فقررت الهروب. ولَّت وجهها شطر البحر المتوسط ويمَّمت شطر إيطاليا الحلم الذى يداعب الملايين من سكان شمال أفريقيا. إلى ميلانو كانت الرحلة وفيها كان طلب اللجوء.. لم يكن المقام سهلا أبدا.. فمن أجل الحصول على بطاقة اللاجئين كان على "ليلى أن تختار بين أن تظل هاربة من الشرطة التى تطاردها نهارا أو مافيا الدعارة ليلا أو أن تترك دينها لتحصل على تلك البطاقة. تحت ضغط الظروف تحولت "ليلى" إلى "ماريا" وأقامت فى أماكن مخصصة للاجئين التى كانت زاخرة بالمبشرين من الكنيسة الكاثوليكية. أعجبوا بذكاء ماريا وقدرتها على التجاوب معهم. أخذوها إلى الكنيسة لتصبح "راهبة" تعلم الأولاد الصغار وتربيهم. كانت ماريا جادة فى عملها حتى أن الكنيسة- ومن فرط ثقتها بها- أوكلت إليها مهمة تعميد وتعليم أطفال المسلمين القادمين من البوسنة والهرسك وكوسوفا ومقدونيا والصومال. شعرت ماريا أن ما يطلب منها تجاوز حدود ما يمكن أن تقبله.. قالت فى نفسها كنت أعلم أبناء المنتسبين للكنيسة الكاثوليكية والآن يطلبون منى أن أحوِّل هؤلاء الأطفال عن دينهم. سألت نفسها وما الفارق لقد كنت مثلهم وتخليت عن دينى؟ أجابت نفسها: لا.. كنت تحت ضغط شديد! وعادت ترد على نفسها: وهؤلاء أيضا تحت ضغط الفقر والجوع والنفى. حتى ولو كان الأمر هكذا فلن أسمح لنفسى أن أستمر فى هذا الأمر.. شىء ما بداخلى يرفض ذلك. الآن صحوة الضمير! أين كنت طوال تلك السنين؟ لآ أدرى ولكنى على يقين بأننى ما تركت إسلامى يوما ما! هل تغشين نفسك أم تضحكين علينا. لا هذا ولا ذاك هذه هى الحقيقة... واسألوا خطيبى المسلم هل هناك أكثر من ذلك دليل على أننى ما زلت مسلمة؟ صحوة ضمير على إثرها أفاقت ماريا وهى تبحث عن ليلى من جديد.. وفور علمها بأن محاضرا عربيا سيصل إلى مسجد ميلانو طلبت من خطيبها أن تتصل به لتسأله سؤالا واحدا: ماذا أفعل؟ لو تركت الكنيسة ربما تعرضت لمصاعب أكبر ليس أقلها الطرد من إيطاليا البلد الذى أويت إليه ولو عدت إلى تونس فالقتل فى انتظارى! أنا مسلمة أبحث عن حل؟ أفتنى يا مولاى.. وفى أمسية رمضانية التقيت قدرا بذاك المحاضر حكى قصة ماريا وألقى بين أيدينا بهذا السؤال: ما ذا أقول ل"ماريا"؟ صدقونى لم أجد جوابا ولم أعرف كيف أرد فكتبت هذا المقال بحثا عن إجابة فى صدور وعقول القراء الأعزاء.. ساعدوا ماريا.. أقصد ليلى آخر السطر: ليلى هو اسم مستعار أما ماريا فهو اسمها الحقيقى الذى تعيش به فى الكنيسة حتى اللحظة.