صحيح أن إسرائيل دولة عدوة، ومعتدية وعدوانية، وهى التى أعلنت الحصار حول شعبنا العربى فى غزة، وهذا لا جديد فيه، ولكن الصحيح كذلك أننا نشاركها الجريمة نفسها، نحن الذين اعتبرنا أن غزة تهدد أمننا القومى، نحن الذين قلنا سنكسر رجل من يقترب من معبر رفح الذى أغلقناه لتكتمل دائرة الحصار المفروض على شعبها، نحن الذين نطنطن وتأخذنا الحمية الوطنية فقط فى مواجهة كل ما هو عربى، أما الصهاينة فهم على الرحب والسعة، مدعون إلى القاهرة وشرم الشيخ، ومرحبا بهم فى كل وقت، نعقد من أجلهم المؤتمرات الدولية، وتنهمر عليهم تهانينا بعيد استقلالهم، الذى هو بالمصادفة غير السعيدة يوم نكبتنا الكبرى، ونحن الذين أفتى منا المفتون بشرعية الجدار الفولاذى الذى يعصر غزة ويحصرها بين فكى الرحى، بين إسرائيل العدوة وبين مصر الجارة العربية الشقيقة الكبرى. نحن على الحقيقة شركاء فى الجريمة، وحتى قرار فتح المعبر جاء مؤقتاً وإلى إشعار آخر، هو أن تنام القضية ولا يعد هناك اهتمام منصوب حولها، حين ينام العالم، ويتراجع خبر غزة عن صدارة الأحداث، بعدها سوف يظهر هذا الإشعار الآخر، وتغلق مصر من جديد بوابة رفح فى وجه الفلسطينيين، وهو بالإضافة إلى أنه مؤقت فهو محدود، وحولوه إلى دعاية إعلامية لحفظ ماء الوجه الذى سال من مواقف أوروبية وعالمية رافضة لحصار غزة وناسها، فضلا عن الموقف التركى الذى يلاقى تجاوباً فى كل بيت عربى، وفى كل بد إسلامى. قرار فتح المعبر جاء على غير رغبة الذين أصدروه وبان أنهم اضطروا إليه، فراحوا ينفذونه فى حدوده الدنيا، ولم نسمع حتى اليوم عن قافلة إغاثة حكومية أو أهلية سُمح لها بالعبور إلى المحاصرين فى ذلك السجن الكبير الذى فرضته إسرائيل على مليونى فلسطينى تركتهم فى ظروف غير إنسانية وشاركناها نحن فى التضييق عليهم والمشاركة فى خنقهم. كل يوم فى كل بلاد العالم نسمع ونشاهد احتفالات كبرى ومظاهرات حاشدة ومؤتمرات منصوبة للتنديد بما فعلته إسرائيل من قرصنة وإرهاب دولة موصوف فى القوانين الدولية، وكل يوم نسمع ونشاهد مواقف من زعماء فى العالم منددة بموقف إسرائيل إلا هنا فى القاهرة، كأن ما جرى قريباً من مياهنا الإقليمية على مرمى حجر، لم يكن شيئاً مذكورا، حتى المصريين الوحيدين اللذين كانا على متن أسطول الحرية لم يحتفل بنجاتهما أحد، اللهم إلا أقاربهما، كأنهما كانا فى نزهة بحرية، أو كأنهما ليسا منا، لا أحد استقبلهم كما استقبلت حكومة الكويت أبناءها العائدين من التضامن المشرف مع إخواننا فى غزة، وكما فعلت فعاليات كبيرة فى الأردن وسوريا، حتى إسرائيل سمحت بمؤتمر حاشد للجماعة الإسلامية احتفلت فيه بعودة الشيخ رائد صلاح، أما نحن فلم تخرج منا كلمة واحدة تدين إسرائيل بقوة، ولا خرج منا موقف واحد يشبه مواقف اتخذتها حكومات غير عربية وليست على دين الإسلام فى نيكارجوا وفى جنوب أفريقيا وفى أربعة أرجاء العالم. لابد أن نعترف أننا نشارك، ليس فقط فى حصار غزة، بل إننا مشاركون فى تجويع أهلها، نعاقبهم على أنهم اختاروا بإرادتهم الحرة انتخاب حركة حماس، ونعاقبهم على اختيارهم الوطنى، نريد أن نجرهم جراً إلى المصالحة على أساس التسليم لإسرائيل لا على أساس مقاومة عدوانيتها والتصدى لجبروتها وهمجيتها. أقولها بكل وضوح لو أن مصر فتحت بوابتها مع غزة لم يكن هناك حصار فعلى عليها، ولضربت إسرائيل رأسها فى الحيط، ولم يكن لحصارها فائدة تذكر، والعالم كله يعرف ذلك، وأسأل كل صاحب ضمير حى فى هذا الوطن: لو أن معبر رفح مفتوح أمام أهل غزة هل كان العالم سيحتاج إلى إرسال قوافل بحرية تحاول كسر الحصار فتهاجمها إسرائيل وتقتل منها ما قتلت، ألسنا شركاء فى قتلهم؟! الغريب أن الذين يهللون اليوم لقرار فتح المعبر هم أنفسهم الذى هللوا من قبل لغلقِه، كان فتح المعبر فى رأيهم ضربة معلم، كما كان غَلقُه ضربة معلم، بل إن بعضهم راح يتفنن فى إظهار ولائه لمن حطوه فى رئاسة التحرير فوصف الموقف التركى الذى شد الأنظار واجتذب الاحترام بأنه موقف متراجع، والله ضحكت فى سرى وأنا أقول ليتنا نتراجع مثلما تراجعت تركيا، كفانا تقدماً على طريقتكم، وأهلاً بالتراجع على طريقة الطيب أردوغان.