ما فشلت الحياة في سنين عمرها الکثيرة أن تمحوه من وجدانى، من فكرى، من روحى. علمنى أبى أن من زرع شجرة وجلس الناس فى ظلها، أفضل بكثير من من امتلك حقولا يشب الناس أسوارها فقط ليروا جمال زرعها وغنى أهلها ويتحسرون. علمنى أبى أن الفقير هو من لا يملك إلا المال وأن القائد من قاد بأقدامه وليس بعصاه، والراعي هو الذي يبذل نفسه عن الخراف! علمني أبي أن الحب لا يوقفه لا أمواج بحار ولا سحاب سماء ولا جمود الجبال بل الحب يعبر ويتنفس ويطير. علمنى أيضا أن للحب قدسية، فالله حب قبل كل شىء؛ في عالم عهروا بالحب وأصبح الحب بالنسبة لهم لمسة ثدى وقبلة على الفم، فإن كان الحب دينا فنحن خرجنا عنه وبه! حبيبتى جوهرة، أخشى أن تكون جوهرتى، لعبة فى يد آخر، فلو على لقطعت يداه أو لرميت اللعبة لأنها رفضت فخامة الجواهر ورضيت بتفاهة الألعاب؛ هذا ما علمنى أبى. ضحك أبى، ضحك أبى عندما لبس الناس الأسود، فغير الناس ألوانهم، وابتسمت وجوهم، فعلمنى كيف أكون بهلوان فى عالم كثر فيه المكتبئون، کيف أکون حزينا وأتظاهر بالسعادة فلا ذنب للآخر أن يكتئب بسببى وما أكثر المكتئبين. وتجاهل سبب المشکلة يكون هو حلها أحيانا. علمنى أبى فى صغرى الكلام؛ وطلب منى فى كبرى أن يكون كلامى هو الصوت الذى يزعج الظالم فى نومه، ويوتر السارق وهو على المواسير، ويشجع اللاعب الذى فقد جمهوره! فعلمني أبي أن أتکلم عندما يصمت الجبناء وأن أصمت عندما يتكلم السفهاء. حذرنى من أن أطلب الحب أو الاهتمام، فهناك أشياء إن طلبت فقدت معناها. لن تشعر أبدا أنك وحيد، إن كانت نفسك راضية عن الشخص الذى اختارته لنفسها فى وحدتها لذلك حبوا نفسكم وارضوا عنها ترضى عنكم السماء. علمتنى الحياة، وعلمتنى المدرسة؛ وتعلمت وأتعلم وسأتعلم ولكن هذا بعض ما علمنى أبى.