الثالث والعشرون من يوليو عام 52 انطلق الضباط الأحرار ليعلنوا للشعب انتهاء فترة الاستعباد وبداية لعصر جديد مشرق فى تاريخ مصر والعرب والشرق الأوسط بل ودول العالم الثالث وانتصرت إرادة الشعب الذى التف حول الضباط الأحرار لنبذ الظلم وليؤكدوا للشعب العربى أن قوة العرب فى توحدهم ليجمعوا الهمم نحو استعادة الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية بعد أن عانى الشعب المصرى من الظلم والاستعباد وغياب العدالة الاجتماعية واتساع الفجوة الطبقية بين طبقات المجتمع بشكل شاسع وما نتج عن ذلك من التمييز الطبقى وحالة استحقار واستعلاء من جانب طبقة الاقطاعيين والدوائر ذات النفوذ والسلطة والمقربين من (السرايا) إلى باقى أفراد الشعب. وللوصف الصحيح لثورة 23 يوليو فإننا نقول إنها حركة قام بها الجيش وباركها والتف حولها الشعب لتوافر عنصر المصداقية فى هذه الحركة فلم تكن (انقلاباً عسكرياً) بالشكل المعهود أو تغييراً شكلياً أو قامت طمعاً فى السلطة والسيطرة على الحكم !!....ولكنها قامت للشعب ومن أجل الشعب، لذا حظيت بتأييد شعبى جارف من قطاعات عديدة على رأسها الفلاحين وطبقات الشعب العاملة الذين كانت تعيش حياة تتسم بالمرارة والمعاناة والاضطهاد والتمييز، كما أنه كان يوجد تيّاراً شعبياً كبيراً خلف قائدٍ ثورى وطنى مخلص جاء من رحم هذه الأرض الطيبة وهذا المجتمع البسيط اسمه جمال عبدالناصر صدق مع شعبه وأخلص له وعمل جاهداً من أجل مصلحته وخدمته. وتميزت ثورة 23 يوليو بشمولية حركتها وأهدافها لعموم المنطقة العربية ودول العالم الثالث وكل الدول التى تعانى من الاستعمار حينها وهذا ما جعل لها ظهيرا شعبيا كبير تخطى الحدود الجغرافية المصرية والعربية وامتد إلى ربوع أفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها من خريطة العالم. إنّ ما صنعته الثورة داخل مصر وخارجها تحت قيادة الزعيم جمال عبد الناصر كان كبيرا جداً ومؤثراً جداً وتركت مردودا إيجابيا انعكس على حياة شعوب تلك الدول وجعلهم يرفعون صوره ويدينون له بالولاء حتى الآن ويعتبرونه رمزاً لمعانى الحرية والكرامة والعدل وهذا ما يظهر دائماً فى أى احتجاجات شعبية أو مظاهرات أو انتفاضات.. الخ. وإذا كانت الإنجازات المادية للثورة فى داخل مصر تتحدّث عن نفسها فى كافة المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. الخ، فإنّ الإنجازات الفكرية والخلاصات السياسية لهذه الثورة، خاصّةً فى العقد الثانى من عمر الثورة (فترة الستينات)، بحاجةٍ إلى التأكيد والتركيز عليها دائماً وإبراز معالمها ونتائجها، فقد طرح الزعيم جمال عبدالناصر القائد الفعلى للثورة مجموعة أهدافا فكرية عامّة وعدداً من الغايات الاستراتيجية المحدّدة، إضافةً إلى جُملة مبادئ حول أساليب العمل الممكنة لخدمة هذه الغايات الاستراتيجية والأهداف الفكرية العامّة، كما وضع فلسفة خاصة بالثورة استندت إلى القيم والمبادئ الأساسية التى قامت من أجلها لخصها فى كتابه الشهير (فلسفة الثورة) الذى شرح فيه للعالم بأسلوب بسيط جداً كيف حدثت الثورة؟ ولماذا حدثت؟ وماالمطلوب بعد ذلك؟ يبقى أن نعلم جيداً أن ثورة 23 يوليو ثورة بكل المقاييس وينطبق عليها مفهوم الثورة حيث يتوافر فيها عناصر ومقومات شكل وطابع التغيير الثورى , والتى تظهر فيها طبقة اجتماعية جديدة وتكون قادرة على تنحية طبقة اجتماعية غير قادرة على تدبير الأمور فى نظام سياسى ما، وتكون الطبقة الاجتماعية الجديدة حاملة لمشروع اقتصادى وسياسى بتجاوز ما هو كائن حتى فى مجالات أخرى كالثقافة والفكر والتعليم. وحين تتمكن الطبقة الاجتماعية الجديدة من السيطرة على الأوضاع السياسية حينئذ يتحقق المفهوم السياسى للثورة، وهذا ما تحقق فى ثورة 23 يوليو التى تعتبر هى أم الثورات والمرجعية الأساسية للشعب والدولة المصرية ,وملهمة الثورات العربية كلها.