يعيش الفرد الاجتماعى الحرية إما كتحرر وانعتاق وإما كخضوع وعبودية، حيث إن الحريات تدور فى إطار الظهور والضمور، وكلما تعلم الإنسان أو الفرد قوانين الحرية، كلما ازدادت قدرته على التعامل مع الحرية، وإخراجها من الشعار الذى يردده وينادى به، إلى التطبيق الفاعل للمفهوم وتجربته على قدر الفهم الذى وصل إليه. ولأجل هذه الحرية اندلعت ثورات الربيع العربى قبل عام من كتابة هذا المقال، بشرارة لم يتوقعها المتفائل قبل المتشائم حيث أشعل شاب بسيط(بائع متجول) بنفسه النيران انتقامًا أو انتصاراً لكرامته، فتلقف المحرومون هذه الشرارة وتحدوا خوفهم وانطلقوا إلى الشوارع فى تونس الخضراء، ومنها إلى الميادين فى مصر المحروسة، فكان الفعل أقوى من ردة الفعل، وانتصر الفعل، طلباً للحرية التى صاغها الشباب العربي، بطريقته التى خرجت عن طور التقليدية، وعن منهجية التاريخ الرتيبة، فشهد ميدان التحرير"ثورة" لم يشهد التاريخ مثلها من حيث الأسلوب والشعار والأداة، فامتزجت الإرادة بالطرفة، والتحدى بالإبداع، والدم بالفكاهة، وصنعت ثورة بيضاء، عنوانها"الحرية" وهى الفلسفة التى اعتبرت مدخلاً لشعوب عربية أخرى مثل اليمن التى استنسخت الثورة المصرية بشعاراتها، وبأدائها وطبقتها، دون الخروج عن النص. إذن، فالحرية هى المحرك الدافع لقوى الشباب العربى فى انتفاضاته أو ثوراته الشبابية التى سخرت التكنولوجيا كسلاح تنسيقى فيما بين قطاعات غير منسجمة فكرياً أو طبقياً، وغير منظمة فى إطار جامع مؤهل لها، وإنما لديها شراكة أو قاسم مشترك وحيد فقط هو" الحرية" بمفهومها الممزوج بالغموض لدى شباب ترعرع على المفهوم المغلق لمعنى"الحرية" الناتج عن الاحتكاك بالمجتمعات الافتراضية التى وفرتها وسيلة الإنترنت التى فتحت العالم على مصراعيه لكل بقاع المعمورة، فأصبح هناك تبادل معرفى- ثقافى. حتى هنا عبّر الشباب عن فهم متجرد للحرية، ونحن فهمناها بشكلها الذى نعرفه، وندركه، ونعلم مفاتيحه، ومخارجه، حتى بدأت تتضح ملامح المفهوم الآخر للحرية فى ذهن عالمنا العربى، العالم المحافظ على قيمه وتقاليده، وعاداته الاجتماعية، بالرغم من كل محاولات الانفتاح الممارسة من قبل العولمة الثقافية، إلاّ أنّ هذه المجتمعات مضت على نهجها وقيمها، حتى بدأت تتسلل بعض القيم الغربية، غير المقبولة، وغير المعهودة فى منظومة القيم للمجتمع العربى- المسلم بفطرته- والمتدين بطبيعته، والمحافظ بكل فئاته، وطبقاته، حتى بالجزء الآخر منه المسيحى والماركسى...إلخ، فهم منسجمون فى مجتمع محافظ، ذو قيم متوارثة. مع ثورات الشباب بدأت مفاهيم جديدة تلتصق بالحرية مثل، استدعاء أو الاستعانة بالمستعمر، وهى شكل كان لوقت قريب جداً مرفوض إطلاقًا حتى ابتدعته الكويت بعد الغزو العراقى؟، وكذلك المعارضة العراقية المرتبطة بالمستعمر الأمريكى، ومن ثم سارت على النهج المعارضة الليبية، وبدأت هذه الفكرة مُبررة لدى المنادين بالحرية. الممارسة الأخرى للحرية هى عدم الاعتراف بالقوانين والنظم الاجتماعية السائدة، وبدأ البعض يحاول التمرد أو القفز على هذه النظم والقوانين الضابطة مثل الفِعل المنحل للناشطة المصرية التى تعَر كنوع من الحرية، ومحاولة البعض تقليدها وكأنها بطولة، فى حين إنها سقوط لا يُعبّر سوى عن عبودية للجسد، لأن الحرية، حرية روح وليس بَدن، وكذلك الصورة الأخرى لبعض الناشطات السوريات اللواتى كتبن على ظهورهن بأسهم نحو المؤخرات بإشارات لا تحمل سوى سفاهة بشرية، أقل ما يمكن وضعها، باستحقار الإنسان لجمالية إبداعية الخلقية الجسدية والروحية، وسقوطه من معنى الحرية الفعلى إلى الحرية العبودية الجسدية، وهى نفس الحرية التى خلقها الله مع الحيوانات تمارس غرائزها بلا قيود اجتماعية أخلاقية، وهذا مفهوم الحرية التى يجب أن يسأل شبابنا العربى نفسه لماذا كُرم الإنسان بالحرية الروحية، والحيوان بالحرية الجسدية؟ [email protected]