يقول الراحل توفيق زياد: أى أم أورثتكم ضفة الأردن، سيناء، وهاتيك الجبال؟ إنّ من يسلب حقاً بالقتال كيف يحمى حقه يوماً، إذا الميزان مال؟ منذ نصف قرن أو أكثر ساهمت الأنظمة العربية الرسمية على محاربة أى مقاومة عربية، بل استطاعت إخماد الاستعدادية والحافزية المقاومة بداخل المواطن العربى، حتى جعلت منه إنسانًا مسالمًا، مستسلمًا، متقبلًا لكل ما يملى عليه، وذلك لتتمكن من فرض سيطرتها وسطوتها عليه، أى تطويعه. ومن تلك الدول "دول المواجهة العربية" أو ما يسمى، دول الطوق" التى تشترك مع الكيان الصهيونى بحدود جغرافية وهى جميعها تمتلك أراضى محتلة، حيث لم تنطلق من أى دولة من تلك الدول أى جبهة مقاومة باستثناء لبنان التى وجدت نفسها فى واقع مغاير لدول المواجهة، بوجود الثورة الفلسطينية وقواتها بعدما طُردت من الأردن، ورغم محاولات بعض القوى الانعزالية اللبنانية لتصفية قوى الثورة، إلاّ أنّ هناك بعض القوى اللبنانية التى تثبت النهج المقاوم، وحافظت على مفهوم المقاومة. هنا المقاومة بمعناها لا تقتصر على مفهوم البندقية، أو المظاهر العسكرية فقط، بل بمعناها العام الشامل، وهو الذى لم يخمد جذوته لدى العديد إن لم يكن كل الشعوب العربية التى رفضت عملية التطبيع وقاومتها بكل مظاهرها وأشكالها، ورفضت عملية التسليم بافتراض علاقات ما يسمى"السلام" مع أعداء الأمة العربية، وعلى سبيل المثال وليس الحصر الشعبان المصرى والأردنى اللذان يمتلك بلديهما علاقات سلام مع الكيان. أمام هذه الحالة الافتراضية المؤقتة فى مسيرة الشعوب، كان لابد من إحداث حراك فاعل ومؤثر فى هذا الاتجاه، وبالرغم من تأخره لأكثر من نصف قرن إلاّ أنّ الشعوب العربية استطاعت إحداث حراك ما من خلال اندلاع الحركات الاجتماعية العربية، انطلاقًا من تونس ومصر، وهو الحراك الذى كان مصحوباً باستولاد حوافز المقاومة بالعمق الشعبى، مما يؤكد فشل الأنظمة العربية فى وأد قيمة المقاومة لدى هذه الأمة، بل عطلتها بشكل مؤقت. مع اندلاع الحركات الاجتماعية، وبدء موجات التغيير الفعلية، يطرح السؤال هل تتوالد عن هذه المتغيرات مقاومة فعلية؟! كل المؤشرات تؤكد أن المنطقة تتجه إلى شكل جديد من الأدلجة السياسية، وأن الإسلام السياسى اعتلى صهوة الحكم فعلياً عبر قواه أو عبر"الإخوان المسلمين" سواء فى المغرب التى شهدت تغييرًا دستوريًا أو تونس أو مصر، وكذلك ليبيا، وسوريا واليمن تسير على نفس الطريق، مع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات فى فلسطين أول ساحة أحدثت متغيرات فعلية سنة2006م، عندما قفز الإخوان المسلمين لأول مرة فى تاريخهم لسدة الحكم عبر حركة حماس. إذن فالمتغير الوحيد أن المرحلة على أبواب نمطية جديدة من الحكم، تحت سيطرة ونفوذ الإسلام السياسى وبذلك فإن الكثير يتوقع صدامًا فعليًا مع الكيان الصهيونى، والولايات المتحدةالأمريكية فى مراحل متقدمة، وهو التوقع المبنى على الشعارات المطروحة من قوى الإسلام السياسى، وعقيدتها الدينية. هذا التوقع حتى راهن اللحظة لا يوجد له أى مرتكزات وأسس منطقية علمية وواقعية، بما أن كل المؤشرات تؤكد على قدرة قوى الإسلام السياسى التأقلم والتعامل مع الواقع البيئى الذى توجد به، وقراءة التاريخ تؤكد ذلك، وأيضاً قراءة الواقع من خلال التجربة التركية التى بدأت أو انطلقت من الحركات الصوفية إلى أنّ وصلت سدة الحكم، واستطاعت التأقلم مع علمانية الدولة التركية، ومع المحيط الغربى والأمريكى، والتناقضات الإقليمية بما يتوافق مع مصالحها. إذن من الخطأ رسم السياسات المستقبلية، أو التنبؤات المستقبلية بناءً على الشعار المطروح فقط، بل على دراسة عمق التجارب السابقة والحالية، خاصة فى ظل المتغيرات التى شهدتها حركة حماس بعد قفزها لسدة الحكم، وأصبح شعارها المقاوم ينسجم مع وجودها فى السلطة عكس مما كانت عليه وهى فى صفوف المعارضة. [email protected]