أرسلت ( ع ) إلى افتح قلبك تقول: أنا زوجة في بداية الأربعينات، مشكلتي قد تبدو غريبة، فأنا لم أرى أحدا يشكو من مثلها من قبل، وهي أن زوجي العزيز شخص ( يرضى بالقليل ) إلى أبعد حد، وفي كل شئ.. في عمله، وفي بيته وسيارته، وفي ملبسه ومأكله ومقتنياته.. كل شئ بمعنى الكلمة، حتى في متعته، فهو لا يطلب شيئا ولا يتمنى شيئا، ووسيلته الوحيده للاستمتاع و الترفيه عن نفسه هي مشاهدة التليفزيون. وبما أنه هو كذلك، فهو لا يتفهم ألا يكون الآخرون مثله، فهو دائما مستنكر من رغبتي في الخروج أو شراء شئ جديد، أو أي شكل من أشياء التغيير، وقبل أن تحكمي علي فأنا لست بالزوجة الطماعة أو زائدة التطلع كما ستعتقدين، بالعكس أنا كل ما أتمناه وأحلم به عادي جدا و مشروع، فلا أتمنى أكثر من أستمتع مع زوجي وأمتعه كأي زوجين في مثل عمرنا. وهو كذلك أيضا مع الأولاد، فهو يرى دائما أن كل متطلباتهم ليس لها ضرورة، وأنه يمكن الاستغناء عنها، وهذا قد يكون صحيح أحيانا بالفعل، لكن ليس دائما، لكن الأولاد أصبحوا يفهمون ذلك عن والدهم، وأصبحوا يتوجهوا لي أنا بأي طلب مباشرة تجنبا لتعجب واستنكار أبوهم المستمر. زوجي شاب، ووسيم ، وبصحة جيدة، لكنه ولشدة تنازله عن كل شئ يبدو كالعجوز، فهو لا يهتم بمظهره إلا في أضيق الحدود، فلا يرتدي شيئا مهندما إلا اذا كان هناك مناسبة، وطبعا لا يعرف شئ اسمه الاهتمام بنفسه داخل البيت من أجلي، فهو يرتدي نفس (البيجامات) منذ 12 سنة منذ أن تزوجنا، وعادة ما يرتدي النصف العلوي لبيجاما مع النصف السفلي لآخرى، لا يستخدم العطور ولا حتى (اسبراي العرق) إلا اذا كان سيقابل شخصا مهما، لا يحلق ذقنه إلا لضرورة، وكلما طلبت منه يرد علي بأنه طالما أنه نظيف فلا شئ مطلوب أكثر من ذلك. تحدثت كثيرا، ولمحت، وطلبت بشكل مباشر وغير مباشر، ولكن شيئا لا يتغير، حتى مللت ، وسلمت بأني يجب أن أعيش معه كما هو و أن أعتاد على ذلك، لكني بعد فترة ، و بشكل تلقائي وجدت نفسي وللعجب أفعل مثله، فلا أتجمل له، و لا أبذل أي جهد زائد عن الحاجة، حتى ملابس النوم الخاصة بي لم أغيرها منذ سنوات، و لم أعد أستخدم مستحضرات التجميل أو العطور نهائيا تقريبا...لا أعرف لماذا، حتى أصبحت أنظر في المرأة فأرى نفسي و قد أصبحت عجوزا أنا الآخرى، فقد زهدت كل الكماليات و وسائل التجميل و التأنق...تماما كما يفعل، و تلك هي المشكلة، فأنا لم أكن أبدا هذه الشخصية من قبل، بالعكس لقد كنت دائما متأنقة، جميلة، أهتم بكل صغيرة و كبيرة في شكلي و شخصيتي، صدقيني لقد كنت (ورده مفتحة) كما يقولون قبل الزواج، أما الآن فقدأصبحت أتجنب أن يراني أحد من أهلي أو أصدقائي القدامى، حتى لا تدمر صورتي التي في ذاكرتهم، فقد تبدلت تماما خارجيا و داخليا. أرجو ألا يتهمني البعض بالتفاهة وبالسطحية، لأنه لو كانت هذه الرسالة قد أرسلها لك رجل يشكو فيها من زوجته ، لكان رد الفعل المتوقع من الأغلبية أنهم سيتهمون زوجته بالتقصير و بالإهمال، و كانوا سيطالبونها بالاهتمام بنفسها و بزوجها و برغباته، لهذا أرجو ألا يكيل البعض بمكيالين، و أن يقدروا أن هذا حقي أنا أيضا، أليس (و لهن مثل الذي عليهن)؟. و إليكي أقول: أتفهم كل ما قلتيه، و كل ما تشعري به، و طبعا من حقك أن تحبي أن يهتم زوجك بنفسه من أجلك ،و من أجل نفسه و مظهره في المجتمع، و بالتأكيد كنت سأقول نفس الكلام بصرف النظر عن جنس صاحب المشكلة، سواء كان رجل يشكو من زوجته أو العكس...لكنه و بكل أسف هذا طبع، و الطباع لا يمكن لها أن تتغير إلا اذا أراد صاحبها نفسه ذلك، و بصعوبة و جهد شديدين أيضا، لهذا لا أنصحك بأن تظلي تحاربين طواحين الهواء لأكثر من ذلك، ف 12 سنة ليست بالمدة القصيرة، و اذا كان زوجك قابلا للنصح و التغيير لكان إستجاب خلال كل تلك الفترة، لهذا أؤيدك تماما في أن تحاولي التعايش معه كما هو، و أن تتغافلي قدر المستطاع عن هذا العيب، و تحاولي التركيز على جوانبه الإيجابية كثيرا، حتى لا تنفري منه، و تبتعدي عنه، فيحدث بينكما جفاء و تكرهيه مع الوقت. و دعيني اخبرك بمعلومة هامة، و هي أنه من الناحية النفسية يمكن تقسيم الناس إلى نوعين من الشخصيات: 1- الشخصية البسيطة: و هي الشخصية القنوعة جدا بحالها، الراضيه عن نفسها، قليلة الاحتياجات، عديمة المتطلبات تقريبا، و التي تمتن لأقل جهد يبذل لها، هذا هو الجانب المشرق من هذه الشخصية. اما على الجانب الآخر ،فإن هذه الشخصية لا تهتم أبدا بالتحسين من حالها، ولا بتطوير وضعها ، فلا تنمي مهاراتها، و لا تستغلها على الوجه الأمثل، و لا تصلح من عيوبها، و لا تغامر أبدا و تفعل شيئا لم تعتاده،و لو حتى من باب المتعة او التغيير أو الترقي، دائما تؤثر السلامة و تتنحى بعيدا عن أي مثيرات للبذل و التعب، و ترفع دائما شعار ( ما أعرفه افضل مما لا أعرفه ). 2- الشخصية المعقدة: و هي العكس تماما، فهي شخصية طموحة جدا، دائمة التطلع لما هو افضل في جميع المجالات، لا ترضى لنفسها بالمكانة المتدنية، و بالتالي فهي دائمة الجهاد و الاجتهاد لتطوير ذاتها و إمكانياتها، و لتحسين ظروفها، و لإصلاح و تعديل سلبياتها و نقاط ضعفها، و هي شخصية تتسم بالطبيعة التنافسية إلى حد كبير، و شعارها في الحياة ( و ما نيل المطالب بالتمني ، و لكن تؤخذ الدنيا غلابا ). أما عن عيوب هذه الشخصية فهي أنها ناقدة جدا، كثيرة المتطلبات، صعبة الارضاء، متغيرة و متسارعة الرغبات و الاحتياجات، ترهق من معها لإسعادها و اشباعها، سقف طموحاتها عالي دائما، تهاجم بشدة كل من أو ما يعرقل طريقها للوصول إلى ما تريد. _ لهذا فعندما تجتمع الشخصيتان تحن سقف واحد، يحدث تضارب قوي و واضح في جميع نواحي الحياة، فيبدو و كأن أحدهم _ المعقد_ يجر أو يدفع الآخر دائما، و الذي بدوره يقاومه بشدة على طول الخط. _ فينتج عن ذلك أن يشعر ( البسيط ) بعدم الراحة و الأمان، و الارهاق و التوتر، و بأنه تحت ضغط مستمر لفعل ما لايريده من اجل ارضاء الطرف الآخر، كما يشعر بعدم الثقة في النفس ،و بالذنب لعدم قدرته على مجاراة الطرف الآخر، و عجزه عن مواكبة طريقة تفكيره، فيصبح لديه إحساس بأنه غير كافي أو غير جيد بما يكفي، بينما يشعر (المعقد ) بالملل و الاجهاد ايضا ، بسبب اضطراره لدفع الطرف الاخر دائما نحو ما يريد، و قد يشعر باليأس منه و من تغيره، فيتملكه الاحساس بانه يعيش بمفرده في هذه العلاقة، و يشك في صحة إختياره لهذا الشريك، و يقع في حيرة طويلة الأمد بين الانفصال عنه و الاستمرار معه. _ و الحل ليس الانفصال إطلاقا، بل على العكس، فإن اقتران هاتان الشخصيتان قد يسبب نوعا من التوازن في جميع مناحي الحياة، لكنه يحدث بعد ان يفهم و يعي كل شخص طبيعة نفسه، و بعد أن يتخطى مرحلة الإنكار، لأنه أغلب الناس تقاوم فكرة ان تكون من نوع معين اذا كان لا يروق لها،ثم يحاول كل منهما تقليد الآخر في بعض إيجابياته، ومحاولة الاتصاف بصفاته الجيدة، فيثابر ( المعقد ) على المزيد من الرضا و القبول، و يجتهد (البسيط ) ليتجرأ على تجربة ما لم يعتاده،و بذل المزيد من الجهد في الحياة،و بعد ذلك يتفقا على أن يعملا كفريق عمل واحد، يقوي كل منهما الفريق و يعززه بإمكاناته الشخصية. لكن ما يهمني في الموضوع الآن هو أنت، فأنت تقولين أنك أصبحت مثله دون أن تعرفي السبب، لكن السبب غالبا أحد أمرين، الأول أن ( الاهتمام بالنفس ) و تدليلها من عدمه أمر معدي، لهذا قد يزداد اهتمام الشخص بنفسه و بصحته و مظهره _تلقائيا_ اذا تواجد مع شخص يفعل ذلك، و العكس صحيح، فأنت تتأثرين بمن معك، و بنظرته للأشياء و حكمه عليها دون أن تشعري، لهذا فقد أصبحتي ترين هذه الأمور غير ضرورية أنت أيضا كما يراها هو، و أصبحتي تحكمي على الأشياء بحسب مدى الحاجة إليها، مثله أيضا...ببساطة لقد أصابتك العدوى. أما السبب الثاني ، و هو الأعمق و الأكثر خفاء من السبب الأول، و هو أنك تحاولين معاقبة زوجك ، بالتصرف معه بالمثل، ظنا منك أنه عندما تذيقيه من نفس الكأس، سيفهم سبب ضيقك و معاناتك و ينصلح حاله، أعتقد أنك لو فكرتي مع نفسك قليلا ستجدين نفسك أصبحتي ( تستخسرين ) فيه ما كنتي تفعليه من أجله من قبل، و تستكثرين عليه إهتمامك بنفسك من أجله، لهذا زهدتي أنت أيضا في كل وسائل التجميل و التزين. لكن واضح أن هذا الأمر لن يجدي، فأنت لم تربحي من وراءه شيئا، بل على العكس خسرتي، خسرتي نفسك و رضاكي عنها، فأنا لا يهمني قدر اهتمامك بمظهرك بقدر ما يهمني قبولك لصورتك الذاتية عن نفسك، و التي من الواضح أنها تأثرت كثيرا بما فعلتيه مؤخرا من إهمال و عدم إكتراث. نصيحتي لك لا تخسري كل شئ، فإن كنتي لا تملكين زوجك، فعلى الأقل عودي إلى نفسك كما كنتي، و استرجعي اهتمامك بها، و تدليلك لها ، حتى تتحسن نفسيتك و تستعيدي إقبالك على الحياة من جديد، من أجل نفسك لا من أجل الغير، حتى و إن كان هذا الغير هو زوجك، و من أجل أولادك أيضا، فلا تنسي أن الأمر معدي كما سبق و قلت لك، لهذا حاولي أن تنقلي أنت العدوى الإيجابية إلى أولادك _ خاصة و إن كانوا فتيات_ حتى يصبح أمامهم مثاليا ايجابيا يحتذون به. الصفحة الرسمبة للدكتورة هبة يس على صفحة الفيس بوك: Dr. Heba Yassin