أنا ربة منزل في نهاية الأربعينات من عمري ومن عائلة مرموقة, وبعد أن أنهيت تعليمي الجامعي قررت أن أتفرغ بعد الزواج لأسرتي وبيتي, وتقدم لي أستاذ بإحدي الجامعات يكبرني بثلاث سنوات, فتزوجته ومضت حياتنا في هدوء ولم يعكر صفوها شيء, وأنجبنا ولدين وبنتا وشارفوا جميعا علي سن الزواج. ومنذ أن عرفت زوجي وهو يهتم بمظهره وملبسه وسلوكه الاجتماعي, فهو أنيق ووسيم ولديه حضور واضح, ويرتاح إليه كل من يتعامل معه.. وعلاوة علي ذلك فإن شخصيته قوية ويحسب له الجميع ألف حساب, وإلي وقت قريب لم يتغير شيء في حياته. وفجأة أصابه تحول مفاجئ, فبدأ في صبغ مابدا من بياض في شعره, ثم شيئا فشيئا راح يغير ملابسه الكاملة الأنيقة ببنطلونات الجينز والقمصان المشجرة زاهية الألوان, وصارت الموسيقي الصاخبة المصاحبة للأغنيات الشبابية هي موسيقاه المفضلة بعد أن كان ينتقدها من قبل ويتعجب لهيافة من يستمعون إليها ويعتبرهم عديمي الذوق الفني. أما معاملته لي فلقد تغيرت إلي الأحسن فصار أكثر ارتباطا بي, بل وأحسست أنه يعاملني كعروس في شهر العسل! وتسلل الشك والقلق إلي قلبي, وحدثتني نفسي بأن هناك امرأة شابة في حياته هي التي تملي عليه مايفعله, ولأجلها صار علي ماهو عليه الآن, ففتشت كل متعلقاته الشخصية وأرسلت خلفه الجواسيس لكي يراقبوه من بعيد, لكن جاءت النتائج في مصلحته, فهو يفعل ذلك لتغير حدث في شخصيته وليس مدفوعا من أحد, إذ لاتوجد أي علاقة مشبوهة في حياته, باستثناء مزاحه الدائم مع طلابه وطالباته في الجامعة! وبالطبع فقد تحولت علاقته بهم إلي علاقة صداقة وكأنه في مثل أعمارهم.. وحاولت معرفة ما إذا كان يخص طالبة بعينها باهتمامه دون الاخريات أم لا, فجاءت النتيجة هذه المرة أيضا في مصلحته! ومع ذلك لم أرتح لسلوكه وبت ليالي طويلة لم أذق خلالها طعم النوم, وهو نائم إلي جواري, وأخيرا صارحته بما يدور في نفسي, فقال لي إنه يفعل ذلك من باب التغيير بعد أن أصابه الملل من الحياة الروتينية علي حد تعبيره, وكرر علي مسامعي بأنه لم ولن يتزوج أو يتعلق قلبه بغيري, وطالبني بأن أفعل مثله حتي نستمتع أكثر بالحياة فيما تبقي لنا من العمر, ثم إن مايفعله ليس حراما ولا عيبا وأنه لايهمه كلام الناس, وشرح لي رؤيته لكي أكون صغيرة علي الدوام في حياتي الخاصة, وفي الوقت نفسه كأم وإمرأة كبيرة في أمور أخري ولم يضع وقتا فاصطحبني معه إلي حفلات العشاء والسهرات وسط الشباب, والمدهش أنني وجدت فيها من هم في مثل سننا. إنني مازلت غير مقتنعة بهذا التحول المفاجئ الذي أود أن أعرف له تفسيرا إذ مازال زوجي يتمادي في أعماله الصبيانية وأصبح يقضي وقتا طويلا أمام المرآة حتي ونحن داخل حجرتنا الخاصة, ويدعوني إلي الرقص معه علي أنغام الموسيقي الهادئة فأوافق علي طلبه, بينما أكون شاردة الذهن لا أدري ماذا أفعل ومازال التفكير يقتلني, ولو وجدت تفسيرا لحالته لاسترحت وعاد إلي هدوئي المفقود. * تصدر تصرفات الانسان دائما عن قاعدتين أساسيتين هما: الغريزة الجنسية, والرغبة في العظمة, وفقا لما قاله فرويد, وبهذا المفهوم فإن تصرفات زوجك تأتي من رغبته الملحة في إثبات ذاته والإيحاء للآخرين بأنه مازال في عز شبابه, وهذه هي أزمة منتصف العمر التي تصيب كثيرين من الرجال فتعميهم عن حقيقة أعمارهم التي يجب أن يعيشوها, لا أن ينتحلوا الماضي للعيش فيه دون سند من الواقع. وينظر الآخرون الي من هم أمثال زوجك علي أنهم مراهقون بل وقد يسقطون من نظرهم وتتحول رؤيتهم فيهم إلي النقيض! وسن الأربعين بشكل عام مرحلة مهمة في حياة الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة, إذ تمثل مرحلة النضج الفكري والقدرة علي تحمل أعباء الحياة بل وهي المرحلة التي يصل فيها الإنسان إلي الاستقرار علي مستوي الأسرة والعمل والعلاقات مع الآخرين, ولكنها ربما تفتقر الي التقارب الشديد بين الزوجين بعكس الحال عند بداية حياتهما الزوجية, حيث تنصرف اهتمامات كل منهما الي الأبناء وتتراجع المشاعر العاطفية شيئا فشيئا. أيضا قد تكون لأزمة منتصف العمر علاقة بعدم إشباع المشاعر العاطفية في سن المراهقة والشباب, لذلك فإن عليك أن تعيدي حساباتك مع زوجك وأن تحتويه وتتفهمي الظروف النفسية التي تعيشيها, ثم لماذا لاتختارين له ملابس فيها شيء من موضة الشباب وتكون أكثر وقارا وتتناسب مع تركيبته النفسية وتهديها إليه في عيد ميلاده مثلا؟! أما العلاقات العاطفية التي تتخوفين منها فإنه لايكتب لها النجاح وإنما تتسبب في نتائج وخيمة علي صاحبها وعلي الآخرين من حوله. ومايفعله من صبغ شعره وارتداء ملابس شبابية لايعد شيئا يذكر من الاعراض التي تصيب الانسان في هذه المرحلة من العمر وأبرزها شعوره بالتوتر وقرب نهاية الحياة والتعبير عن الحنين الي الماضي والإكثار من سرد الذكريات, كما يقل اهتمامه بزوجته وقد يتصيد عيوبها ويختلق المشكلات معها, وربما يتخذ قرارات عشوائية تكون لها انعكاسات خطيرة علي حياته فيما بعد. من هنا فإنني أطالبك باحتواء زوجك ومجاراته فيما طرأ عليه من تغيير وإرشاده تدريجيا وبشكل غير ملحوظ إلي أن مركزه الاجتماعي وصورته الذهنية لدي الطلبة تتنافي تماما مع المظهر الشبابي الذي يبدو عليه, وأنه يتمتع بصحة جيدة وروح عالية وان قيمته في ان يعيش سنه وأن الشباب هو شباب القلب وليس شباب الشكل والمظهر. إن سعادة الانسان تقاس دائما باتساقه مع نفسه فلا معني لأن يظهر بمظهر لايعبر عن حقيقة مايدور في نفسه. وعليك أن تضعي هذا الأمر في حجمه الصحيح, إذ لايصح التفكير القاتل الذي أصبحت أسيرة له, ولن يمر وقت طويل حتي يعود زوجك الي رشده بعد أن يتبين أن مايفعله زبد سوي يذهب جفاء, وتبقي الحقيقة الراسخة بأن مايفعله لايناسب المرحلة العمرية التي وصل اليها.