سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بنات المنيا..سندريلا فى عباءة صعيدية.. أربعة شروط لوصول فتيات المنيا إلى الجامعة..التفوق.. موافقة الأهل على السكن خارج البيت.. اللبس الواسع.. الالتزام بالمواعيد
كان شرطهن الأساسى فى البداية ألا يتم ذكر ما يوضح هويتهن، السبب فى ذلك فسرته زهراء بأن من العيب فى القرى أن تقول الفتاة آراءها على الملأ، خوفا عليها من أن يجلب لها هذا الرأى الأذى، وبالتالى كان الاتفاق أن كل ما سنتحدث به عن «عالم الفتيات» فى مجتمع المنيا، يبقى بدون هوية. على مدار 4 أيام قضتها «اليوم السابع» فى المنيا، كان لعالم الفتيات خصوصية واضحة، ما يخفى منه أكثر بكثير مما يبدو، وبرغم الصمت البادى على أغلبهن، كانت الوجوه تعكس قوة داخلية كبيرة كان لابد من اختراقها، لذا اتجهنا إلى القمة، فتيات الجامعة، اللاتى استطعن أن يصلن بالفعل لأعلى مرتبة فى الدراسة بين نظيراتهن، وأمام مقر الجامعة التى ترتكز فى المدينة، سألناهن: كيف وصلتن إلى إليها؟ التفوق أمام إحدى المكتبات المجاورة للجامعة وقفت رحاب وأميمة، 20 عاما، تقومان بتصوير بعض الأوراق الخاصة بالدراسة فى كليتهن «دار العلوم»، حيث قالتا، إن الفتاة التى ترغب فى استكمال دراستها أن تكون «متفوقة». تقول رحاب: «الأزمة بتكون فى القرى، أولا مستوى الدراسة فى المدارس بيكون متدنى، وبالتالى حتى لو البنت ذكية بتكون عايزة دروس خصوصية، وهو ما لا يتحمل نفقاته كل الأسر وبالتالى يا إما بتبذل مجهودات مضاعفة للمذاكرة، يا بتدخل تعليم فنى». أغلب القرى يتجه فيها الفتيات إلى التعليم الفنى، إلا أن هذه أيضًا نعمة ليست متوفرة لهن جميعا، فالمدارس الثانوية «العامة أو الفنية» تشترك بين عدد من القرى، ونظرا لتدنى حالة وسائل النقل بين القرى والمراكز، خصوصا التى يفصل بينها النيل وتستلزم العبور إليها عبر المعديات، تبقى موافقة الأسرة على تنقل الفتاة أمرا فى غاية الصعوبة، بل إن هناك مدارس يستلزم الوصول إليها السير لعدة كيلومترات فى طرق صحراوية لا تمتد إليها خطوط نقل ثابتة، وهو ما يضطر الطلاب إلى الذهاب إليها على الأقدام. طبيعة القرية التى تنظر إلى الفتاة بأنها «آخرها الزواج»، تثقلها بشكل أكبر الأعباء المادية، تقول أميمة: «ممكن الأسرة تسمح للولد أنه يخرج للعمل حتى لو سنة 10 سنوات، ويساعد نفسه فى مصاريف الدراسة، لكن ده للبنت ممنوع. النزول إلى القرى يبرر بشكل واضح السبب خلف زواج الفتيات فى سن صغيرة، فالاستمرار فى ارتفاع نسبة الإنجاب التى لا تقل عن 5 وترتفع إلى 10 و12، فى ظل أوضاع اقتصادية متدهورة، يجعل تزويج الفتيات ونقل عبئهن إلى أزواجهن هدفا كل أسرة. تقول رحاب: «البطالة من أكبر التحديات اللى بتقابل البنات اللى بتصر على استكمال تعليمها، أول جملة يقولونها للتوقف عن الدراسة أو لإقناعها على الأقل بأن تسلك طرقا تعليمية أخرى مثل الدراسة الفنية أو التوقف قبل الوصول للجامعة، هى عدم وجود فرص عمل، فالجملة الأشهر إذا كان الولاد قاعدين بشهاداتهم البنات هيعملوا إيه». وتضيف: «الولاد على الأقل بيقدروا ينزلوا القاهرة حتى لو هيغسلو صحون، الأهل بيوافقوا ومش بيعترضوا وبيستحملوهم، لكن البنت أسرتها بتبقى عايزة وظيفة حكومية داخل القرية أو بالقرب منها على الأقل، وبالتالى ازدياد عدد الفتيات الحاملات للشهادة وقاعدين فى البيت، بيخلى أسر كتير تقنع بناتهم من الصغر أنهم ميكملوش، أو بيبقى حمل نفسى كبير على الفتاة نفسها لو مقتنعة بالعكس». المواعيد.. والعيب بعد الخامسة من العيب أن تعود الفتيات إلى القرية، قليل من الأسر هى التى تتفهم ذلك، المبيت فى سكن الجامعة حل آخر لكثير من الفتيات حتى يتخطين هذه العقبة، أمر لا يعانى منه سوى الفتيات التى تقاتل للوصول إلى الدراسة الجامعية. سارة، 22 سنة، تقول: «فى القرية الست محيلتهاش غير شرفها وسمعتها، فالعودة يجب أن تكون مبكرة حتى لو يعرف الجميع أنها قادمة من الجامعة، لذا لا تصل فتاة إلى الجامعة إلا التى يوافق أهلها على إقامتها خارج المنزل سواء فى المدينة الجامعية التى تشترط تقديرات عالية لتوافق على إقامة الفتيات من المنيا، أو فى سكن خاص، وهى مجموعة من العمارات التى يخصصها أصحابها للفتيات فقط»، تعلق ريهام قائلة: «طبعا %10 فقط من الأهالى فى القرى اللى بيوافقو على ده، حتى لو الأب وافق بتلاقى أخوها أو أقاربها حلقة ضغط عليه على أن ده عيب، وبالتالى فيه بنات ممكن متقدرش تحضر المحاضرات غير الامتحانات عشان مش هتقدر تسافر وترجع كل يوم». ولفهم أكثر لمعاناة الفتيات، فالمسافة بين مراكز محافظة المنيا ال9 قد تصل إلى ساعتين أو ثلاث فى حالة خلو الطريق وأكثر من ذلك وقت الذروة، وهو ما يعنى أن الرحيل من الجامعة يجب ألا يتأخر عن الثانية ظهرا على الأقل لتصل إلى المنزل فى الميعاد المطلوب «قبل غياب الشمس»، وهو أمر صعب. التحرش «فى القرية لا يستطيع أى شاب أن يضايق أى بنت لأن كل الناس عارفين بعضها، المشكلة خارج القرية، والأهل عارفين كده، لذلك فيه أسر بتخاف تطلع البنات برة القرية».. تقول آية، 19 عاما، التى تشير إلى أن التحرش موجود فى مصر كلها، لكن الاختلاف هنا فى الصعيد والقرى تحديدا أن الأمر قد يتحول إلى اشتباكات مسلحة بين العائلات وثأر. الفتيات أمام الجامعة أكدن أن أغلب المضايقات التى يتعرضن لها لا تتعدى التحرش اللفظى، وكل الفتيات اللاتى تحدثنا معهن، لم تذكر أى منهن اتخاذ أى رد فعل مهاجم. تقول آية إن أحد عوائق استكمال الفتاه لتعليمها رفض الاختلاط بالطلاب فى الجامعة، وهو ما يجعل لبس الفتاة مهما، وفقا للثقافة المنتشرة بين أرجاء القرى فى المنيا بأن «لبس البنت عنوانها» مثلما تقول آية مضيفة: «تلبس لبس واسع كنوع من التحصين. وتضيف أسماء، 23 سنة، قائلة: «لما بتأخر فى الجامعة وبيبقى لازم أرجع البيت، بابا بيأجرلى سواق مخصوص وينتظرنى معه حتى يرى أهل القرية إنى داخلة مع والدى». العنوسة وسط الحديث، تلحظ ما تلقيه الفتيات من دعابات حول كون أغلب من يقمن باستكمال دراستهن يتأخر سن زواجهن مقارنة بنظيراتهن فى القرى، وهو ما يجعلهن فى نظر أهل قراهن «عوانس».