ألقى الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، اليوم محاضرة حول موضوع "تحالف الحضارات وبناء نظام عالمى جديد"، فى جامعة الملك فيصل فى انجامينا عاصمة تشاد التى يقوم بزيارة عمل لها. واستهل المدير العام للإيسيسكو محاضرته بقوله إن تعزيز الحوار بين الثقافات، بشتى الطرق وبمختلف الوسائل، يؤدى بصورة تلقائية، إلى التقارب بين الثقافات، وإلى التعايش السلمى بين الشعوب، ويكون أداة من أدوات الفهم والتفاهم بين الأمم، وركيزة من ركائز السلام الذى هو الهدف المرتجى من الجهود التى تبذل على مختلف المستويات، فى إطار الحوار والتقارب ونشر ثقافة السلام فى العالم. وقال إن هذا التفعيل المؤثر للحوار بين الثقافات، يستدعى أن نجعل منه وسيلةً فعالةً لنشر ثقافة العدل والسلام، والتمكين لقيم الفهم والتفاهم المتبادلين، ولإشاعة ثقافة التسامح وفضيلة التعايش بين جميع شعوب العالم. وهو الأمر الذى يجعل الحوار بين الثقافات حوارًا منتجًا وفاعلاً ومؤثرًا فى حياة الناس. وبيَّن أن الرؤية الإسلامية إلى الحوار بين الثقافات تنطلق من المبدإ الأساس، وهو الأخوة الإنسانية النابعة من وحدة الأصل، ومن توحيد الخالق سبحانه وتعالى. ولذلك لا نجد فى الإسلام الفصل بين الجانب الديني، وبين الجوانب الأخرى التى تشكل حياة الإنسان، سواء أكانت سياسية، أم اجتماعية، أم اقتصادية، أم ثقافية. فهذا المنهج القويم يمثل منظومة القيم التى تجعل من الإسلام نظام حياة. وذكر أنه إذا كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت سنة 2001 سنةً دوليةً لحوار الثقافات، فإن العالم دخل فى النصف الثانى من السنة نفسها، فى دوامة من الأزمات الدولية، كان لها، ولا يزال، تأثيرٌ سلبى على فكرة الحوار فى حد ذاتها، وعلى الأمن والسلم الدوليين، وقال إن عالمنا عرف خلال العقد الأخير والسنوات الخمس من العقد الحالي، تحولات عاصفة واسعة المدى، وتطورات خطيرة للغاية فى عدة مناطق لا تزال مشتعلةً إلى اليوم، هى فى عمقها، من آثار انتهاك القوانين الدولية من طرف القوى العظمى على وجه الخصوص، والإعراض عن الالتزام بقيم الحوار على جميع المستويات، وهى إلى ذلك، نتيجةٌ من نتائج انحراف كثير من وسائل الإعلام العالمى المؤثر فى تشكيل الرأى العام، عن رسالته الإنسانية فى التنوير والتوعية، وقصورِه عن تحقيق أهدافه النبيلة. وأضاف قائلا "على الرغم من هذه التراجعات التى أفضت إلى الانتكاسات، فإن الأسرة الدولية لم تستسلم لدواعى اليأس الذى عمَّ العالم، ولم تشأ أن تدع انشغال القوى العظمى بما عرف بالحرب ضد الإرهاب، يصرف المنتظمَ الدولى عن التفكير فى إيجاد وسائل جديدة لتعزيز الحوار بين الثقافات. فكانت فكرة التحالف بين الحضارات، التى تبناها الأمين العام السابق للأمم المتحدة، وأنشأ لها مفوضيةً ساميةً بقرار منه. وبذلك تعززت فكرة الحوار الثقافى بفكرة التحالف الحضاري، ونشأ عن هذا الربط المحكم، تطورٌ إيجابى يسير اليوم فى الاتجاه الصحيح، على الرغم من الصعوبات التى تعترضه، مما أشاع قدرًا كبيرًا من الأمل والتفاؤل، وحفز إلى تجديد الثقة فى القيم الإنسانية الخالدة التى انبثقت منها الفكرتان الرائدتان الحوار والتحالف". وأوضح أنه مادام الحوار بين الثقافات يساهم فى تعزيز السلام العالمي، وفى نشر قيم التعايش السلمي، وفى التمكين لثقافة العدل والسلام، وفى ترسيخ مبادئ الشورى والديمقراطية والحكم الرشيد، فإن من شأن هذا الحوار أن يُحدث تحوّلاتٍ عميقةً فى العلاقات الدولية، من النواحى كافة، وأن يغيّر من مسارات الأمور على الساحة الدولية، فى اتجاه تقييم اختلال العالم، وتعديل موازين القوى على المستويات جميعًا، وليس فحسب على مستوى واحد، حتى تستقيم أوضاع عالمنا وتستقر أحواله ويسود السلام. وقال إنَّ المتأمل فى أوضاع عالمنا اليوم، الواعى بخطورة الأحداث التى تقع فى مناطق شتى من هذا العالم، وبالأزمات التى تنشب هنا وهناك وتقع جلُّها فى منطقتنا العربية الإسلامية سيدرك لا محالة أن العالم فى حاجة إلى تغيير الفلسفة التى تقوم عليها السياسية العالمية، وأن النظام العالمى الحالى المتوارث منذ الحقبة التى أعقبت الحرب العالمية الثانية، لم يعد نظامًا ملائمًا للمجتمع الدولي، مستجيبًا لمتطلبات الأمن والاستقرار للأسرة الدولية فى المرحلة الحالية. وأشار إلى أن النظام العالمى الحالى قام على قواعد أجمعت القوى العظمى، فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، على وضعها، فكان تأسيس منظمة الأممالمتحدة فى سنة 1945، قائمًا على قواعد قانونية لم تكن راسخة وثابتة، وهى ليست منصفة بأى حال، وهذا هو ما تمثل فى التركيبة التى تأسس بها مجلس الأمن، الذى كانت الدول الدائمة العضوية فيه أربع دول، فى أول الأمر، ثم أضيفت جمهورية الصين الشعبية بعد اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بها، فأصبحت الدول الدائمة العضوية خمسًا. وفى الأفق انضمام ألمانيا الاتحادية إلى العضوية الدائمة لمجلس الأمن، لتكتمل بها ست دول. ولعل ما يؤشر إلى ذلك، هو هذه الاجتماعات التى تجرى بين مجموعة (5+1) لمعالجة بعض القضايا الدولية الشائكة، فهذا الوضع لا يمكن أن يستمر بهذه الصيغة. واختتم المدير العام للإيسيسكو المحاضرة بقوله "تلك هي، فى المنظور الشامل، وفى التحليل النهائي، السبيل، التى لا سبيل غيرها، إلى بناء عالم جديد للأجيال القادمة، وهى الأسس القوية لبناء المستقبل الآمن المزدهر المشرق للإنسانية فى ظل نظام عالمى جديد، تعيش فيه الأمم والشعوب فى ظل الحكم الرشيد، وقيم العدل والمساواة والاحترام الفعلى لحقوق الإنسان، متحررةً من التعصب والتطرف والغلوّ والانحراف عن السبل المستقيمة التى تفضى بالإنسان إلى كل ما فيه الخيرُ والأمان والسلام". موضوعات متعلقة.. - المدير العام للإيسيسكو يلتقى وزير التربية الوطنية التشادى