سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السيسى.. ما بعد عملية سواد الليل.. يمكننا أن نطمئن إلى إدارة الرئيس لأعقد الأزمات.. وأن لدينا قوات مسلحة قادرة على رد اعتبار الوطن وردع من يريدون سرقته بذبح أبنائه العزل
1-الآن فقط يمكنك أن تهدأ، تطمئن، تنفض عن نفسك غبار الشك الذى أثقل كاهلك وأتعبك من شدة التفكير فى قوة الدولة المصرية، ومدى استعدادها للدفاع عن دمك وهيبتها، ورد كيد من يريد جرها إلى حيث يريد هو ولا تريد هى. ليس فى الأمر مبالغة، ولا تهليل، ولا تطبيل، ولا حتى تطييب خاطر يدعم معنويًا أجهزة تحتاج للسند والدعم فى وقت حرب، الوضع على الأرض يفرض عليك الاطمئنان، ويفرض عليك أن تزيد ولو قليلا من مساحات الأمل داخلك بخصوص ما يمكن أن يفعله الرئيس وفريقه لمصر فى الفترة المقبلة، وتحديدًا ما يمكن أن تفعله فكرة اجتماع المصريين على كلمة سواء، كلمة تهدف إلى إنقاذ الوطن من محاولات لتدميره، ومحاولات لتعجيزه وإحباط أهله. 2-تلك حكمة جديدة من رحم الأزمة: ما لا يمكنك أن تحصل عليه فى شهور يمكنك ببساطة أن تحصده فى 7 ساعات، فقط بحسن الإدارة والتخطيط، وما لا يمكنك إقناع الناس به فى أسابيع طويلة، يمكنك أن تجعلهم مؤمنين به فى دقائق، فقط حينما تكشف لهم عن وجهك الحقيقى ومعدنك الأصيل، وحينما يرفعون هم بعضًا من الغمام الذى تضعه الخلافات فوق القلوب والعيون. 3-فى ساعات سبع من ليلة 16 فبراير نجح الرئيس عبد الفتاح السيسى فى إعادة تقديم نفسه مرة أخرى للمواطن المصرى، باختصار يمكنك أن تعتبر أن عبد الفتاح السيسى قبل 16 فبراير يختلف تمامًا عن هذا الرجل الذى استيقظ المصريون صباحًا ليجدوه قد نفذ ما وعد به قبل ساعات دون ضجيج، ودون أخطاء، وعبر تحركات وتنسيق يدفعك للشعور لأول مرة منذ سنوات بأنك فى دولة بداخلها مؤسسات قادرة على أن تجلس على طاولة واحدة وهى تملك حلولاً تختار من بين متعددها، وقنوات اتصال على جميع المستويات تسمح لها بسرعة الإنجاز، ورؤية فى تسويق ما تفعله دوليًا، والإيحاء للمجتمع الدولى بأنه شريك، وقوات مسلحة قادرة على أن تحسم لك قراراتك وترد لك اعتبار وطنك الذى يريد البعض أن يسرقه منك، بذبح العزل من أهلك فوق أرض غير أرضهم. فقط سواد ليلة واحدة كان كافيًا لأن يكشف للناس أن طرف الخيط فى أيدينا لإعادة بناء الدولة المصرية، بشرط أن يسير كل شىء على أرض مصر مثل التخطيط والتنفيذ والإرادة التى أدارت أزمة مقتل 21 مصريًا فى ليبيا على أيدى الجماعات المتطرفة وميليشيات داعش. 4-عملية سواد الليل.. يمكنك أن تسميها هكذا، يبدو الاسم لائقًا بها ولها، خاصة إذا تأملت المشهد لتكتشف أننا لم نكن أمام ضربة أو غارة أو عملية جوية تدك معاقل الميليشيات المسلحة فى ليبيا، بل كنا أمام عملية تدك معاقل المشككين فى قدرة هذه الدولة على التخطيط والتنظيم ورد اعتبارها وحل أزماتها بنفسها، فى سواد الليل وبعد إذاعة الفيديو المفجع الذى حمل إلينا نبأ جريمة الدواعش بذبح 21 مواطنًا مصريًا فى ليبيا، فعلت مؤسسة الرئاسة كل ما يريده ويأمله المواطن المصرى من دولة قوية وكبرى ويمكننا حصره فى الآتى: بعد بث الفيديو الذى تم إخراجه وتجهيزه بهدف بث الرعب فى نفوس الناس، وفى وقت الارتباك الذى أصاب الجميع وحالة الهلع التى أصابت وسائل الإعلام، والصراخ الذى لم يتوقف من السياسيين، كانت الرئاسة صامتة وهادئة، ولم تخضع لابتزاز كثيرين من أهل الإعلام المهللين وأهل السياسة المطبلين، وبعض النشطاء الموتورين الذين اعتبروا مرور دقائق بعد الفيديو دون إعلان حرب، عجزًا وضعفًا من الدولة المصرية، وخلال ساعتين ونصف الساعة عقب بث فيديو الجريمة تحملت المؤسسة كل أنواع الابتزاز والمزايدة من أطراف كثيرة لم تسأل نفسها سؤالاً واحدًا، أى علم وأى عرف وأى تقليد يقول بأن ابتزاز الدولة فى أوقات المحن حلال؟ أو يساعد على اتخاذ قرار محترم. تماسك الدولة بعد هذا الفيديو واشتعال الأزمة، تبعه تحرك سريع ربما يكون هو الأسرع فى تاريخ مؤسسة الرئاسة منذ جلس الرئيس السيسى على كرسى الحكم وخرج بيان العزاء مصحوبًا بموعد الإعلان عن اجتماع طارئ لمجلس الدفاع الوطنى، متضمنًا تأكيد أن دماء المصريين لن تضيع هدرًا. بعدها بدقائق فى رد فعل فورى يتناسب مع ضخامة الحدث، خرج الرئيس فى كلمة للأمة، ربما هى أفضل كلماته وخطاباته على الإطلاق، من حيث توقيتها، مدتها، ورسائلها التى كانت محددة وحاسمة، ومن حيث أداء الرئيس الذى كان ثابتًا ومعبرًا عما يريد أن يصل به إلى الناس. استخدم الرئيس أدق تعبير لغوى ممكن فى خطابه حينما قال: «مصر تحتفظ لنفسها بحق الرد وفقًا للأسلوب والتوقيت الذى يناسبها»، ليقطع على المشككين والمزايدين طريق الابتزاز ويقول للكارهين إن مصر على وعى بالفخ تمامًا، فخ الحادثة البشعة الذى كان يهدف إلى جرنا إلى معركة سريعة تورطنا فى حرب تحت وطأة الحماس والابتزاز والضغط على الرئيس بإعلانها حربًا، أو اتهام مصر بالعجز والضعف إن تأخر ردها، فقطع الرئيس الطريق على كل هؤلاء معلنًا أن القاهرة لا تتحرك إلا وفقًا لخطتها وما يناسبها هى فقط. وقبل أن يستيقظ الناس من الحيرة والجدل حول الرد الذى وعد به السيسى، كان مجلس الدفاع الوطنى أنهى اجتماعه بقرار تحرك الطائرات المصرية لضرب معاقل ومخازن السلاح الخاصة بميليشيات داعش فى الأراضى الليبية ليعلم القاصى والدانى أن مصر ليست عاجزة عن رد اعتبارها والثأر لأبنائها. الرد العسكرى السريع والمنظم ونتائجه الجيدة أكد للقاصى قبل الدانى أن القوات المسلحة المصرية بخير وقادرة على أن تخوض معاركها مهما حاول المتاجرون والمزايدون والإخوان ومن عاونهم التشكيك فيها. سرعة الرد العسكرى بعد اجتماع مجلس الدفاع الوطنى تؤكد أن تكاملاً وتعاونًا على أعلى مستوى تم بين جميع الأجهزة المعنية سواء كانت أجهزة مخابراتية أو وزارة الدفاع أو مؤسسة الرئاسة، وحدث هذا فى توقيت كان البعض يشكك فى كفاءة عمل هذه الأجهزة معًا. بالتزامن مع كل الخطط والأحداث كان هناك تنسيق يتم على المستوى الدولى والإقليمى مع إيطاليا وفرنسا ومع قوى الجيش الوطنى الليبى الموجودة على الأراضى الليبية من أجل توفير غطاء شرعى ودولى لهذه الضربة الجوية. فى التوقيت نفسه تم الإعلان عن زيارة وزير الخارجية المصرى لنيويورك للمشاركة والترتيب لمؤتمر مكافحة الإرهاب من أجل إعادة توجيه بوصلة المجتمع الدولى وتعبئته ضد داعش وإعادة صياغة مفهوم الحرب على الإرهاب ومنعه من أن يكون قاصرًا فقط على ضرب معاقلهم فى سوريا والعراق فقط كما تريد واشنطن. ما حدث من تنسيق وترتيب مع الكنيسة المصرية من أجل خروج المشهد بهذا الشكل الذى وأد فتنة كان الإخوان ينشرونها ويبغون من خلالها ضرب النسيج الوطنى والمجتمعى عبر إيهام الناس بأن الأقباط سيدفعون ثمن مشاركتهم فى 30 يونيو. هذا ما فعلته الدولة المصرية فى أقل من 7 ساعات، تحركات سريعة، ومتقنة، ومتزنة وهادئة ومتزامنة وفى أكثر من اتجاه، وكلها تمت بكفاءة، تجعلك تتأمل وتفكر فى أنه من سواد ليلة 16 فبراير ولدت دولة مصرية قوية، وكل ما تحتاجه الآن هو الرعاية، ورعايتها تكمن فى الوفاق المجتمعى ووحدة وطن لن ينجو سوى بصفوفه المتراصة كالبنيان المرصوص.