فى استقبال أسطورى لم تشهده مصر منذ سنوات كثيرة استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسى، الرئيس الروسى بوتين، وكان برنامج الزيارة يحمل العديد من الرسائل العميقة وغير المعتادة، ولاسيما أن الدولتين تمران بأزمات وتحديات عديدة، فروسيا تتعرض لهجوم أمريكى غربى وعقوبات دولية كبيرة الهدف منها النيل من الدولة الروسية وإنهاكها فى حرب وهمية مع أوكرانيا. ومن ناحية أخرى تواجه مصر تحديات عديدة بعد ثورة 30/6 والتى توقف عندها المخطط الأمريكى الغربى لاحتلال المنطقة العربية وتفحل الإرهاب بها بدعم أمريكى لتفتيتها وإضعافها لمصلحة إسرائيل. بداية العلاقات المصرية الروسية علاقات تاريخية على مر السنين تضعف بعض الوقت وتقوى فى البعض الآخر نتيجة الشد والجذب التى تصنعه السياسة، حسب طبيعة الزعماء وميولهم السياسية فى البلدين وعلينا التأكد أن العلاقات الروسية من أفضل العلاقات الخارجية لمصر، وشهدت مصر فى هذه العلاقات ازدهارا اقتصاديا واجتماعيا لم تشهده من قبل، فقد شهدت مصر فى علاقاتها الخارجية ثلاثة اتجاهات ففى عصر محمد على اتجهنا إلى فرنسا، وفى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر اتجهنا إلى الإتحاد السوفيتى، وفيما بعد اتجهت مصر إلى أمريكا وحقيقة علينا أن نعترف بأن أفضلها كانت مع الحليف الروسى فله العديد من المساهمات فى المشاريع المصرية، وأبرزها مصنع الحديد والصلب ومشروع السد العالى، وغيرهما الكثير بعكس العلاقات الأمريكية التى ازداد خلالها الفقر، والجهل، والمرض، والفتنة، وانتشار الإسلام السياسى وكثرة العملاء والخونة والتمرد على الأنظمة وتفتيت الشعوب العربية وحل الجيوش واستبدالها باستعمارية أو إرهابيين من دول أخرى لقتل الشعوب الأصلية، وهذا ماجنته المنطقة العربية من الميول إلى أمريكا، بعكس روسيا، التى لم تسع أو تشارك فى تفتيت أى كيان عربى، لذلك كان الرئيس عبدالفتاح السيسى مدركا قارئا جيدا لتلك الأحداث فاتجهت ميوله صوب الدب الروسى وكأنه يجسد الحنين من جديد إلى عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر واستعادة الأمجاد فى تلك الفترة من تاريخ مصر. فى البداية عند دخول الطائرة الرئاسية الروسية الأجواء المصرية خرجت المقاتلات المصرية فى استقبالها كرد للجميل تجاه روسيا فى زيارة الرئيس السيسى لها، وأنه لمن أعلى بروتكولات استقبال الرؤساء، واتجه الزعيمان إلى دار الأوبرا وعلى الجميع أن يفهم لماذا دار الأوبرا؟ دار الأوبرا أنشئت بأمر الخديو إسماعيل إبان احتفال بافتتاح قناة السويس الأولى، وكانت رسالة قوية إلى الدول الأوروبية بأننا أمام ثقافة جديدة لأن المعروف لدينا أن ثقافة دار الأوبرا أوروبية وليست أمريكية، ومصر تنتمى بشكل كبير إلى الثقافة الإنجليزية والأوروبية، ولكن بعد زيارة بوتين إلى الأوبرا هناك توجه جديد فى الثقافة المصرية وتوجهها للروسية، وقد نرى قريبا اللغة الروسية فى المناهج التعليمية فى مصر، ومن المتوقع زيادة المراكز الثقافية وانتشار الفنون الروسية فى مصر والتخلص من الثقافة الأمريكية. وبدأت المحطة الثانية فى زيارة الزعيمين لتناول وجبة العشاء فى أعلى برج القاهرة، وكانت تحمل العديد من الرسائل أولها بأن (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين)، فمصر ما زالت بخير وآمنة وقادرة على حماية ضيوفها، وثانيا هى دعاية سياحية لمصر أمام العالم، ثالثا لاننسى أن برج القاهرة كان قد بناه الزعيم الراحل جمال عبدالناصر من أموال أمريكية دفعت له كرشوة للتخلى عن القومية العربية، وقضايا الوطن العربى، وصمم على بنائه ليكون رمزا لكرامة المصريين وآخر الرسائل وأهمها من برج القاهرة أن التحالف الروسى المصرى فى مجابهة المخطط الأمريكى الأوروبى لتفتيت القومية العربية، كما شملت الزيارة العديد من توقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية وأهمها مساهمة روسيا فى إنشاء مفاعل الضبعة النووى. وفى النهاية أقول إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يعيد أمجاد حقبة عبدالناصر ومشاركة روسيا فى النهضة والازدهار فى نفس الوقت يعيد أوباما نفس الأخطاء، التى ارتكبوها ضد مصر، وليعلم العالم كله أن من يقف مع مصر ينتصر والتاريخ لم لن يموت.