سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الشيخوخة السياسية للأحزاب قبل 25 يناير.. مشهد الثورة الأول..القوى الحزبية وصلت إلى حالة غير مسبوقة من التردى والانعزال وتراجعت عن أوساط العمل الجماهيرى
كانت الأحزاب السياسية قد بلغت حالة غير مسبوقة من التردى قبل ثورة 25 يناير 2011، ولم يكن التردى مقتصرا على انحسار جماهيريتها بين أبناء الشعب فقط، وإنما بدا أنها بلغت حالة من الشيخوخة السياسية جعلتها تتراجع عن أوساط العمل الجماهيرى فى كل المجالات، وكفّت هذه الأحزاب حينئذ عن أى من أنشطة التواصل والتفاعل بينها وبين الجماهير خاصة من جيل الشباب. لم يعد لهذه الأحزاب أى وجود حقيقى لا فى النقابات ولا فى الجامعات ولا بين العمال ولا الفلاحين، واقتصرت أدوات تواصلها الجماهيرى على صحيفة أسبوعية فى الغالب توزع بضع آلاف من النسخ وأحيانا بضع مئات فقط فى دولة بلغ تعداد سكانها نحو 90 مليون مواطن. لم يقتصر تراجع الأحزاب السياسية فى مصر قبل ثورة 25 يناير 2011 على هذه المشكلات بل عانى أكثرها من مشكلات تنظيمية وهيكلية داخلية كان سببها فى الأغلب الأعم النزاع بين قادة الأحزاب وعناصرها الرئيسية، على كعكة قيادة الحزب، والتحكم فيه وفى موارده القليلة. أسامة الغزالى حرب.. من سياسات «الوطنى» إلى صفوف المعارضة..شارك فى الجمعية الوطنية للتغيير.. وأسس حزب «الجبهة الديمقراطية» الدكتور أسامة الغزالى حرب.. انتقل فجأة من أمانة السياسات بالحزب الوطنى «المنحل» والتى كان يقودها جمال مبارك إلى صفوف المعارضة المصرية، مبررا ذلك بالاعتراض على سياسات الحزب الوطنى المتعلقة بالإصلاح الاقتصادى. نشط «حرب» فى صفوف المعارضة بتأسيس حزب الجبهة الديمقراطية، وذلك قبل اندماج حزب الجبهة مع المصريين الأحرار الذى أسسه رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس عقب ثورة 25 يناير 2011. وشارك حرب فى تكوين الجمعية الوطنية للتغيير التى قادها الدكتور محمد البرادعى، والتى أحدثت حراكا سياسيا يسعى لإزاحة مبارك عن حكم مصر، فيما عرف عن «حرب» قربه الشديد من جمال مبارك، وكان ذلك سببا كافيا لتعيينه عضوا بمجلس الشورى، وتولى «حرب» رئاسة تحرير مجلة السياسة الدولية. انعقد من أجله بالإضافة إلى آخرين مجلس نقابة الصحفيين فى جلسة تاريخية فى 21 مارس عام 1997 برئاسة نقيب الصحفيين آنذاك إبراهيم نافع، وقرر المجلس فى هذه الجلسة بالإجماع أن يوقع عليه عقوبة «لفت النظر» هو والدكتور طه عبدالعليم، والدكتورة هالة مصطفى، وعبدالستار الطويلة، وشوقى السيد، ومحمد على إبراهيم؛ بسبب مخالفتهم قرار النقابة بعدم التطبيع مع الصهاينة، واجتماعهم مع بنيامين نتنياهو- وكان وقتها رئيسا لوزراء إسرائيل- أثناء إحدى زياراته إلى القاهرة، حيث اعتبر «حرب» من أكثر الصحفيين المدافعين عن التطبيع مع الكيان الصهيونى، وكان ذلك سببا فى هزيمته المدوية عندما ترشح نقيبا للصحفيين عام 2005 حيث حصد «223» صوتا فقط، فى أول انتخابات بعد ثورة يناير أعلن «حرب» تأييده للفريق أحمد شفيق. «الوفد».. حزب الماضى يبحث عن المستقبل تولى الدكتور السيد البدوى منصب رئيس حزب الوفد فى صيف عام 2010 وبعدها بشهرين قرر الحزب الانسحاب من الانتخابات البرلمانية التى كانت سببا رئيسيا فى قيام ثورة 25 يناير، وعلى الرغم من أن الحزب له العديد من المواقف الوطنية، كما أنه يحظى بتاريخ عريق كونه الأقدم على الساحة السياسية، إلا أنه لم يشهد أى تغيير فى مكانته على الصعيد السياسى بعد ثورتين أطاحتا بنظام مبارك وحزبه «الوطنى» ونظام جماعة الإخوان وحزبها «الحرية والعدالة». الإطاحة بالحزب الوطنى وجماعة الإخوان دفعت الكثيرين إلى ترقب أن يكون «الوفد» فى صدارة المشهد السياسى، وهو ما لم يحدث حتى الآن، حيث فشل فى الحصول على الأغلبية بعد ثورة يناير، ولا تزال تتعثر محاولات قياداته لتزعم جهود الوصول إلى قائمة وطنية موحدة قبل الانتخابات النيابية القادمة. وعلى الرغم من أن الدكتور البدوى كان على قائمة الممنوعين من السفر قبل ثورة 30 يونيو بعدما قرر النائب العام فى عهد محمد مرسى الرئيس السابق منعه من السفر وعلى الرغم من أن «الوفد» كان أحد أبرز الأحزاب التى لعبت دورا فى إبعاد جماعة الإخوان الإرهابية عن الحكم إلا أن دوره مازال متقلصا بعد ثورة 30 يونيو ولم يستطع أن يتواصل مع الشارع المصرى ويصل لعدد أكبر من الأعضاء والمؤيدين، بما يوحى أو يمهد لأن يحصد الحزب الأغلبية فى البرلمان القادم. رفعت السعيد.. حكاية معارض لم يعارض أحداً..كان قريباً من نظام «مبارك» فحصل على عضوية فى «الشورى» فى كتابه الشهير «مجرد ذكريات» يذكر رفعت السعيد المفكر اليسارى المرموق أنه دخل المعتقل لأول مرة فى حياته وكان لا يزال فى سنوات المراهقة ويرتدى الشورت لكن الجانب الذى لم يرد فى مذكراته سواء فى الجزء الأول منها أو الثانى أنه كان أكثر سياسى فى مصر تعرض للاتهام بعقد صفقات مع الحزب الوطنى فى عهد الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك، وأنه كان رئيس الحزب الذى يتزعم المعارضة فى برلمان 2010 الذى يصنف بأنه واحد من أسوأ البرلمانات فى تاريخ مصر، نظرا لأنه كان نتيجة مباشرة لعملية تزوير فجة كانت سببا فيما بعد فى قيام ثورة يناير. كان من الواضح مدى القرب بين السعيد ونظام مبارك، وظهر ذلك فى حرص الأخير على منح السعيد عضوية «مزمنة» فى مجلس الشورى بالتعيين، لذلك فإن التجمع كان أحد الأحزاب التى أصدرت بيانا عارضت فيه التظاهر يوم 25 يناير عام 2011 حين قامت الثورة ووصفته بأنه يوم غير ملائم للتظاهر بسبب أنه يصادف ذكرى عيد الشرطة. يتساءل أى باحث ومدقق فى الشأن السياسى المصرى كيف تحول التجمع المنبر اليسارى الشرس فى السبعينات إلى حزب مستأنس لهذا الحد خلال سنوات حكم مبارك، والإجابة يمكن تلخيصها فى نظريات رفعت السعيد فهو صاحب نظرية «الأسقف المنخفضة» فى بداية التسعينيات والتى ذهب فيها إلى ضرورة أن يهبط الحزب بسقف معارضته السياسية حتى يستطيع أن يتلاءم مع المناخ السياسى الضاغط. بعد ثورة يناير مباشرة ظهرت الخلافات المكتومة على السطح ونتج عن ذلك أن حزبا كاملا هو حزب «التحالف الشعبى الاشتراكى» خرج من رحم التجمع وعاش الحزب فى فترة من التخبط ليس أدل عليها سوى صورة رفعت السعيد وهو يعانق محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان فى إحدى محاولات تقربه للجماعة، التى توصف بأنها الخصم التاريخى لحزبه التقدمى الوحدوى، وحين أقبلت الانتخابات البرلمانية لم يجد بدا سوى أن يسير تابعا لحزب آخر مثل المصريين الأحرار، حتى يحرز شيئا من مقاعد داخل البرلمان وهو ما حدث بالفعل. وجد رفعت السعيد المتنفس الحقيقى له فى سنة حكم الإخوان، حيث إنه معارض قديم للجماعة، وبالتالى تمكن من أن يعود مرة أخرى إلى مشهد المعارضة، وحين ذهب الإخوان وجد التجمع نفسه من جديد فى مأزق أنه لا يستطيع الظهور وحده، وإن وجد فى أى تحالف فهو ليس فى الصدارة منه، وهو الحصاد الطبيعى لسياسات السعيد طوال فترة رئاسته للحزب، والتى خلف فيها مؤسسه خالد محيى الدين. «الناصرى».. حزب الصراعات الداخلية والإخفاق السياسى..لعب دورا بارزا فى معارضة «مبارك».. واختفى بعد ثورة يناير تأسس الحزب العربى الديمقراطى الناصرى بحكم من المحكمة الإدارية العليا فى 19 أبريل 1992، بعد رفض لجنة الأحزاب المصرية التابعة لمجلس الشورى آنذاك الموافقة على إصدار ترخيص لقيامه، وتولى رئاسة الحزب بعد الموافقة عليه الراحل ضياء الدين داود، فيما قدم «الناصرى» نفسه كمعبر عن التيار القومى الناصرى فى مصر. استمر «داود» فى رئاسة الحزب الناصرى حتى 2010، وبعد وفاته مباشرة اشتعل الصراع على رئاسة الحزب بين جبهتى سامح عاشور النائب الأول لرئيس الحزب، ونقيب المحامين، من جهة وأحمد حسن الأمين العام للحزب والدكتور محمد أبوالعلا نائب رئيس الحزب من جهة أخرى، وبدأت حرب البيانات بين الطرفين ومؤيدى كل منهما خلال انعقاد المؤتمر العام فى 2010، وحسم الصراع لصالح جبهة «عاشور» الذى تولى رئاسة الحزب منذ 2011 حتى 2013 باعتباره النائب الأول لرئيس الحزب ضياء داود الذى توفى فى 2011. واجه سامح عاشور انتقادات شديدة من بعض أعضاء وقيادات الحزب بأنه ابتعد فترة عن الحزب دون اهتمام لانشغاله بمنصبه كنقيب للمحامين فى الدورة قبل السابقة ( -2005 2009)، وأنه عقب خسارته فى انتخابات نقابة المحامين فى 2009، عاد مرة أخرى للظهور من خلال الحزب الناصرى، وبعد حل مجلس نقابة المحامين فى 2011 وإجراء انتخابات جديدة فاز فيها «عاشور» بمنصب نقيب المحامين، عاد «عاشور» للانشغال بالنقابة وأهمل الحزب، فضلا على أنه - عاشور - كان عضوا بالمجلس الاستشارى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة عقب ثورة 25 يناير، والذى شكل فى 2012، حتى تولى رئاسة المجلس، وكان عضوا بلجنة الخمسين التى أعدت الدستور عقب 30 يونيو، وحاليا عضو بلجنة الإصلاح التشريعى، ما أدى إلى أن يتعرض لانتقادات واتهامات من المحامين بانشغاله بالمعارك السياسية عن النقابة. وخلال هذه الفترة تجدد الصراع على رئاسة الحزب الناصرى بين «عاشور» ومحمد أبوالعلا الذى كان يتولى نائب رئيس الحزب، إلى أن صدر حكم فى عام 2014، بعدم أحقية «عاشور» برئاسة الحزب وعودته إلى صفة النائب الأول لرئيس الحزب، ليباشر «أبوالعلا» مهام رئيس «الناصرى» منذ ذلك الوقت حتى الآن، حيث أعلن أن «عاشور» لم يكن رئيسا للحزب قانونيا، باعتبار ما تنص عليه اللائحة فى المادة 50، بأنه فى حال خلو موقع رئيس الحزب يتولى أكبر نوابه سنا رئاسة الحزب لتسييره، لحين عقد مؤتمر عام جديد، وهو ما حدث معه باعتباره أكبر النواب سنا بعد وفاة رئيس الحزب ضياء الدين داود. لعب الحزب الناصرى دورا بارزا فى معارضة نظام مبارك، وشارك فى ثورة 25 يناير، إلا أن «عاشور» واجه انتقادات من شباب الثورة، وأثناء مشاركته فى مسيرة من نقابة المحامين إلى ميدان التحرير خلال أحداث الثورة هتف بعض الثوار ضده مطالبين بخروجه من الميدان، كما شارك الحزب فى ثورة 30 يونيو، وكان للعديد من الناصريين وأعضاء الحزب وقياداته دور فيها، كما أن بعض شبابه كانوا من مؤسسى حركة «تمرد». وعلى الرغم من قيام ثورتين فى مصر «25 يناير 2011، 30 يونيه 2013»، ورغم تأسيس الحزب الناصرى منذ 1992، فإن الحزب ليس له دور فعال ومؤثر على الساحة السياسية بفعل الصراعات الداخلية. أيمن نور.. رحلة صعود وهبوط لمتحدى «مبارك» فى الانتخابات..سُجن بتهمة تزوير توكيلات تأسيس «الغد».. ودفع ثمن تقاربه مع «الإخوان» بعد الثورة برحلة هروب «دون أجل مسمى» صاحبه حلم الزعامة وأن يصبح رئيساً لأكبر بلد عربى، وتحدى الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حين ترشح فى مواجهته فى أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد، وكانت المفاجأة أن حل «أيمن نور» تاليا لمبارك فى عدد الأصوات ولكن بفارق شاسع بالطبع. أسس «نور» فى عهد مبارك حزبه «الغد» بتهمة تزوير توكيلات تأسيس الحزب، وتعرض مبارك لضغوط خارجية وتدخل أمريكى للإفراج عن نور حتى خرج من السجن فى فبراير 2009 وذلك لأسباب صحية. أوصاف «الوسيط» و«رجل المواقف الناعمة» كانت دائما ما تصاحب الدكتور أيمن نور مؤسس حزب غد الثورة، حيث إن مواقفه أسمهت فى رحلة صعوده وهبوطه، وشهدت حياته السياسية توترا واضطرابا مستمرا، كما أثرت الفترة التى قضاها فى السجن على حياته بأكملها، حيث منع من ممارسة حقوقه السياسية، كما منع بالتالى من رئاسة حزبه الذى حلم بتأسيسه وتحايل نور على ذلك بتلقيب الهيئة العليا فى الحزب له ب«زعيم الحزب». كما كانت مواقف «نور» تجاه جماعة الإخوان متأرجحة، وكان من أكثر المستعدين للتعاون مع الرئيس المعزول محمد مرسى وشارك «نور» فى أكثر من جلسة سرية عقدت لمواجهة مظاهرات 30 يونيو، الأمر الذى أسهم فى خسارته وحزبه لقاعدة كبيرة من الشباب المؤيدين له. واستمرارا لرحلة الصعود والهبوط التى كان دائما يسير فيها «نور» جاءت دعوته لاجتماع بين خيرت الشاطر نائب مرشد الإخوان وعمرو موسى المرشح الرئاسى السابق ومؤسس حزب «المؤتمر» بمنزله فى الزمالك كالقشة التى أنهت مستقبله السياسى حتى الآن فى مصر، لتحسم بذلك موقفه كرجل من رجال الإخوان. كان ذلك اللقاء بداية لرحلة هبوط جديدة دخل فيها أيمن نور، وبعد ذلك قرر «نور» السفر ل«لبنان» فى أغسطس 2013 فى هجرة غير معروف توقيت نهايتها أكد فيها أن السبب الحقيقى لها هو تلقيه العلاج بالخارج، وفى ظل هذه الأحداث تأثر حزب غد الثورة بقوة وتفرقت قياداته ولم يعد له أى وجود على الساحة السياسية سوى بيانات تصدر من الخارج من البريد الشخصى الخاص به ومعظمها تركزت حول المصالحة مع الإخوان، وذلك على الرغم من أن الحزب كان من أكثر الأحزاب الفاعلة فى الفترة من 2011 ل 2013 وكان منتظما فى عقد اجتماعات أسبوعية لهيئته العليا إلا أن كل ذلك تلاشى. أيمن نور حتى الآن لم يحدد توقيت عودته لمصر، فيما يؤكد المقربون منه أنه سيعود فور انتهاء الانتخابات البرلمانية.