دخل الصول فتحى علىّ بسرعة لم أعهدها فيه وجسده المتضخم يتفجر حركة ووجنتياه المترهلتاين تقفز منهما الدماء، توقف لالتقاط أنفاسه الهاربة للمجهود الذى بذله للوصول إلى مكتبى فى آخر الممر بقسم الشرطة، ألقى فى وجهى خبراً انفجرت ضحكا منه ولم أتمالك نفسى وظللت أضحك حتى غاصت عينى فى الدموع، وتناثرت على وجهى، تصور يا باشا (راجل مجنون اسمه لطفى شال مراته هيله بيله ورماها من البلكونة عشان طلبت منه يزود مصروف البيت). ظل فتحى متجمداً فى مكانه يتعجب من رد فعلى حتى شك أنه قال لى نكتة، فانتبهت لحالتى المزرية من الضحك واعتدلت فى جلستى وتجرعت كوبا كاملا من الماء حتى أستعيد ملامح الجدية على وجهى، وبعدين يا فتحى الست عايشة ولا ماتت. ثوانى، قبل أن ينطق الصول فتحى على سؤالى فما زالت حالة البله مسيطرة على ملامحه الطيبة (لسه عايشة يا افندم الحمد لله)، فسألته نقدر نستجوبها؟ فرد الصول فتحى بحماس شديد: طبعاً يا افندم. جرجرت جسدى الذى ارتخى على الكرسى ولملمت أشلاء تفكيرى التى تبعثرت على مكتبى منذ الصباح.. تحقيقات، متهمون، بلاغات وضجيج لا ينقطع، هممت بالرحيل. يشاركنى رحلتى كالعادة الصول فتحى وعند وصولنا للمستشفى كانت الست أمل قد استعادت بعضاً من حيويتها وقدرتها على الكلام، ألقيت عليها بالتحية وسألتها: ماذا حدث بالضبط فقالت فى صوت واهن: بعد ما رجع جوزى من شغله حضرت العشا وكنت عاملة أكل كده (على ما قسم) ساعتها يا بيه زى ما يكون حد ضربه على قفاه وفضل يزعق ويشتمنى، قولى يا بيه أعمل إيه وانخرطت فى بكاء تشنجى، إلا أن الصول فتحى تنحنح بصوت أجش فأرهبها حزمه فاعتدلت فى طريقة كلامها: يا بيه أنا قلت له (اطبخى يا جارية كلف ياسيدى) اتجنن قام شالنى ورمانى من البلكونة، قدام الولاد ومش فاكره إيه اللى حصل؟، لقيت نفسى يابيه فى المستشفى، حاولت استكمال مسيرة البكاء إلا أننى جعلت الصول فتحى يأخذ إمضاءها على الأقوال حتى نرحل. لم يتبق إلا استجواب لطفى (الزوج الهمام) وجدته فى مكتبى فى انتظار الإدلاء بأقواله بعد أن تم القبض عليه بعد الحادث فقلت له: يا لطفى دا إنت بطل واحنا مش عارفين، ففتح فمه ببلاهة وهز رأسه متعجباً، يعنى الراجل اللى يقدر يرفع مراته ويرميها من البلكونة يبقى بطل مش كده؟! يابيه ما حصلش، قالها بانفعال وتوتر، فواجهته ببرود كعهدى بمواقف الإنكار: لا يا لطفى إنت عملت كده. يا بيه ده ست مفتريه. يعنى تقصد بتتبلى عليك؟ أيوه يابيه هى اللى رمت نفسها. يا لطفى دول ولادك والجيران شهدوا عليك! يا بيه كلهم ضدى. لطفى إنت متهم بالشروع بقتل مراتك. يا بيه دى ست منها لله، منكدة على طول الوقت، كل يوم تطبخ عدس ولا مسقعة وأنا راجل باشتغل من الصباح للمسا ولما باقولها مافيش حتة لحمة، تردح لى لغاية ما دمى فار، أيوه رميتها من البلكونة يا ريتها كانت ماتت وخلصتنى، وانخرط فى بكاء هيستيرى فأطلقت فتحى عليه واستأذنت لألحق صلاة المغرب.