فيدريكو فيللينى وسحر السينما الإيطالية

"الأحلام هى الحقيقة الوحيدة" هكذا كان يردد فيدريكو فيللينى المخرج الإيطالى الشهير كلما سُئل عن علاقة أفلامة بالواقع.
ولد فيدريكو فيللينى عام 1920 فى بلدة ريمنى بإيطاليا حيث كان يعمل أبوه تاجرًا. عشق فيدريكو الرسم منذ طفولته وكان مولعًا بالسيرك وبالعروض المسرحية وعمل فى شبابه رسامًا للكاريكاتير فى إحدى الصحف ثم اتجه لكتابة السيناريو حتى تفتحت أمامه أبواب السينما ليقدم أول أفلامه عام 1950 بالاشتراك مع المخرج ألبرتو لاتوادا.
هذا الفيلسوف الإيطالى لم يكن يعرف أن السينما ستأسره بسحرها وأنه سيقدم أفلاما ستظل محفورة فى تاريخ الفن الإيطالى. عشق روما وظلت هى ساحرته وملهمته الأولى فأغنته عن سحر هوليوود وقدم أكثر من عشرين فيلمًا اتسمت أغلبها بالواقعية.
السحرية كان أهمها فيلم "الطريق"، "ليالى كابريا"، "الحياة حلوة"، "ثمانية ونصف" وغيرهم.
تميز فيللينى بفلسفته الخاصة التى ظهرت جلية فى- إن جاز لنا تسميتها- سيرته الذاتية والتى هى عبارة عن مجموعة حوارات ولقاءات أجراها مع صحفية شابة تحدث فيها عن نفسة وعن أحلامه التى تركها لنا على شاشة السينما.
إن فلسفة فيللينى تتلخص فى مقولته الشهيرة "الأحلام هى الحقيقة الوحيدة" فواقع فيللينى تعدى أحلامه وأصبح امتدادا لها فكان يؤمن بأهمية الأحلام فى تحديد مسار الإنسان ربما لأنه رأى العالم بمنظار مختلف ولم يتخل عن طفولته التى كانت منبع خياله الخصب فقدم لنا أفلاما تعد تراثا غنيا تفخر به السينما الإيطالية حتى الآن.
يقول عن نفسه: "إذا كنت أعرف شيئًا، فإنى أعرف أنى لا يمكن أن أكون شخصًا آخر. كل إنسان يعيش فى عالمه المُتَخيَّل، ولكن معظم الناس لا يعون ذلك. لا أحد يدرك عالم الواقع، وكل يعتبر، فى بساطة، أن تخيلاته الشخصية هى الحقيقة. الفرق بين الآخرين وبينى هو أنى أعرف أننى أعيش فى عالم مُتخيَّل، وأفضله على هذا النحو، وأستاء من أى شىء يشوِّش رؤياى".
يقول أيضا "أنا لست مهتما بتاريخ الإنسان بقدر اهتمامى بتاريخ مخيلته. وأميل إلى اعتبار نفسى قصاصا، أو بعبارة أبسط أحب اختراع القصص".
يرى فيللينى أن أفلامه لا تقدم رسالة بل هى للمتعة فقط والمتعة فى حد ذاتها هدف سامى يتطلب المثابرة للوصول إليه ولا يعرف ما الذى جذبه لصناعة الأفلام فكان كلما سُئل عن سبب صناعته للأفلام يقول: "لا أحد يسأل الدجاجة لماذا تضع بيضا" ويقول أيضا إنه يصنع ما يحلو له.
تاريخ فيللينى الحافل توج بالعديد من الجوائز فتم ترشيحه للأوسكار أكثر من مرة حتى عام 1993 عندما حاز فيلمه "الطريق" على جائزة تقديرية من الأكاديمية ويعد هذا الفيلم من العلامات فى تاريخ السينما ويناقش موضوع الوحدة وكيف يمكن للإنسان التغلب عليها بإقامة علاقات مع الآخرين. الجدير بالذكر أن زوجة فيللينى "جيوليتا" شاركت بالتمثيل فى هذا الفيلم وفى العديد من الأفلام التى أخرجها.
من أفلامه المميزة أيضا فيلم "الحياة حلوة"الذى رُشح لجائزة الأكاديمية (الأوسكار) ويحكى قصة صحفى يُصاب بالملل من طريقة حياته ويصل فيللينى لدرجة من العمق تجعله يغوص داخل متاهات النفس البشرية فهذا الفيلم يعتبر نقلة فى تاريخ السينما الإيطالية فهو أول فيلم يقارب طوله الثلاث ساعات، قدم روما بطريقة ساحرة وبالغ فى فضح عيوب المجتمع بجرأته.
توفى فيللينى إثر أزمة قلبية مفاجئة عام 1993 بعد مشوار حافل من الإبداع تاركا لنا أحلامه مجسدة على شاشة السينما.