التكنولوجيا تكشف وجهها القبيح على الرغم من عشق الجميع لها، فلم يعد هناك من يستطيع العيش دون الانخراط فى أحد وسائلها التى أصبحت تتحكم فى حياتنا وتديرها كليا، بل أصبحت تتخذ من الأهمية ما يفوق أهمية الإنسان فى حد ذاته، ورغم أهمية وسائل التكنولوجيا والتواصل الاجتماعى فى حياتنا إلا أنها تحمل معها العديد من الأمراض النفسية والعضوية خاصة مع الإفراط وإساءة استخدامها، تويتر.. فيس بوك.. إنستجرام، لاب توب.. آى باد.. سمارت فون.. كل منها يحمل مئات المزايا ممزوجة بالعديد من الأمراض. الأخصائية النفسية الدكتورة "هند أحمد"، توضح أن كل إنسان فى هذا الكون أصبح على علاقة ما بالتكنولوجيا، وأصبحت تتحكم وتدير حياته دون أن يدرى أو يعترف بذلك، مشيرة إلى أن هذا التغير السريع والمفاجئ فى نمط الحياة والذى شهده الكثيرون ممن عاشوا فى زمن لم تكن التكنولوجيا فيه العامل المحرك الرئيسى للحياة، أصبح وبالا على الكثيرين، مخلفا اضطرابات وتذبذبات نفسية كثيرة، جعلت الإنسان عرضة لها وغارقا بها دون أن يعلم السبب. الآى باد والإنستجرام يسببان انعدام الشعور بقيمة الذات وقلة الثقة بالنفس الآى باد، والسمارت فونز، والكمبيوتر، وغيرها من وسائل الاتصال، جعلت الإنسان على الدوام فى حالة تأهب لكل جديد، مما يجعله غير قادر على العيش فى حياة صماء لمدة دقائق دون هاتفه، أو الكمبيوتر الخاص به. واستكملت مؤكدة أن هذا الارتباط بآلات لا بأناس لديها مشاعر وأحاسيس وعقل، حول حياتنا جميعا لحياة جامدة، وسرب لنا العديد من الأمراض والمشكلات النفسية الاضطرابية وأشهرها انعدام الشعور بالذات، والثقة بالنفس خارج المجال التكنولوجى، وعدم القدرة على التفكير بشكل سليم وواعٍ مع مقتضيات الواقع. ونظرا لتعامل الإنسان مع الجمادات، والتى تتفاعل بشكل غير واقعى وشكل سطحى، خلق نوعين من التذبذب الفكرى والعقلى لدى الكثيرين، وجعلهم شاعرين بعزلة نفسية داخلية على الدوام، وانعدمت لديهم بعض التفاعلات والانفعالات الطبيعية الإنسانية التى يجب أن تتوافر على الدوام فى الإنسان الذى لا يعانى من أية مشكلة نفسية. التغيرات المزاجية والجنون أشهر اضطرباتها النفسية وفى نفس السياق، أكد الدكتور حسن هادى، أخصائى النفسية، على ما سبق من حديث، مشيرا إلى أن العصبية والتوتر والنرفزة التى أصبحت من أكثر الأعراض النفسية التى تظهر على الغالبية العظمى الآن، فضلا عن الشعور الدائم بالضغط النفسى الوهمى الذى ليس له أساس، وذكر أن الأمراض النفسية فى تزايد، وهذه حقيقة تكشفها الأيام، كلما توغلت التكنولوجيا فى حياتنا، واستحدثت أجهزة ووسائل جديدة غير إنسانية، فأصبحت تصل حد الجنون، والفصام وحالات التحدث مع النفس، والتغييرات المزاجية غير الواقعية، والغضب الدائم دون مبررات. الفصام بعض الأمراض النفسية تسببها التكنولوجيا بالفعل "كالفصام" والانفصال عن العالم الواقعى، والعيش بشخصيتين، أحدهما يشعر بالفخر ويعوض كل النقص الذى يعيشه فى حياة الواقع، وآخر يشعر بالدونية ولا يشعر بكينونته، والاتصال بالتكنولوجيا يزيد من حدة مرض الفصام، وتغلغله وصعوبة علاجه لدى الكثير من الحالات، بصعوبة تعاطى الإنسان مع الحياة الواقعية مما يعمق مرضه. نوبات الغضب المرضية ويؤكد د. هادى، أن نوبات الغضب المرضية من أشهر الاضطرابات النفسية التى يسببها اتصال الإنسان وارتباطه بوسائل التكنولوجيا، بحيث يصبح غير قادر على تحمل أية ضغوط سوى الضغوط الإلكترونية، أما ضغوط الحياة اليومية الواقعية فلم يعد يستطع التعامل معها، فتصيبه نوبات هياج وغضب شديدة عند التعامل مع البشر، والتى يصعب علاجها لصعوبة السيطرة على المريض خارج نطاق الوسائل الاتصال المختلفة. الإدمان، وهو أشهر مرض نفسى يعانى منه الشاب المحب للتكنولوجيا، ويصبح غير قادر على العيش دونها، مما يعقد من عملية علاجه منها نتيجة ولعه الشديد بها إلى حد الإدمان، والتى تؤثر على جميع مناحى حياته فيصبح مدمنا بشكل تام، نفسيا وعضويا. الاضطرابات الاجتماعية التى تسببها التكنولوجيا ومن ناحية أخرى، أوضح الدكتور محمود غلاب، أستاذ علم النفس الاجتماعى، أن ال"فيس بوك وتويتر والسمارت فونز"، جعلت الشخص وحيدا وسط كثيرين، "مرض الوحدة" يتسلل بداخله منذ الدقيقه الأولى التى يتعامل فيها مع هذه الوسائل، ويصبح أسيرها، فعوامل الوحدة والعزلة تتسلل له محدثة شرخ اجتماعى نفسى كبير بداخله، ولا شك أن الوحدة مرض اجتماعى خطير يتفاقم حجمه وتتفاقم نتائجه رويدا، مسببة أعراض مرضية كالنبذ الاجتماعى، والشعور باللامبالة تجاه المواقف المختلفة، والإحساس بخيبة الأمل الدائم، والانهزامية. الإنستجرام يزيد الفوارق الطبقية ويضيف د. غلاب أن وسائل الاتصال تبث بشكل وهمى الشعور بزوال الفوراق الاجتماعية بين الناس، ولكنها فى حقيقتها تزيد الشعور بها وكذلك الشعور بالنقص الاجتماعى، فقد أصبح الأشخاص يتواصلون بشكل سهل وسريع فى أى مكان فى العالم، وهو ما يجعلهم يتوهمون أنها إذابة حقيقية للفوارق، إلا أن التكنولوجيا تزيد من تعميق فكرة "الأفضل" ماديا وطبقيا. فأصبح الجميع يتبارى على إظهار أفضل ملابسه، وأثاث منزله وطعامه وشرابه وتصويرها على "الإنستجرام" حتى يتباهى بها، وهو أمر يزيد من الشعور بالنقص الاجتماعى، ودلالة حقيقية على الإقتناع بعدم القدرة على الإقناع إلا بالتظاهر بمظاهر اجتماعية صماء. التواصل الوهمى أساس الانفصال الأسرى ولا شك أن التواصل الوهمى عبر آلات ووسائل غير بشرية جعل الانفصال الأسرى أمرا حتميا ويتزايد يوميا، نتيجة الانفصال النفسى والعقلى وضمور العلاقات الاجتماعية، فيفقد أولى الأمر فى المنزل السيطرة على ذويهم مما يزيد نسب عدم الأمان والشعور بإمكانية الانفصال الوجدانى عن بعضهم البعض. الشك.. الغيرة.. انعدام الأمان الاجتماعى ويوضح غلاب أن الاضطرابات الاجتماعية أبرز مشكلات التكنولوجيا، فأصبح الاستهتار بالعلاقات التواصلية وكثرتها وسهولتها سببا حقيقيا لتسرب الشك الدائم بين الأشخاص، فضلا عن انعدام الشعور بالأمان الاجتماعى، وضمان الحبيب والقريب والصديق والأخ. الأمراض العضوية التى أفرزتها التكنولوجيا الضغط ومن جهة أخرى، أوضحت الدكتورة منى جمال، أخصائية الباطنة، أن الكثير من الأمراض العضوية سببها الحقيقى الاتصال بالتكنولوجيا ووسوائلها بشكل مبالغ فيه، فضغط الدم أصبح يرتبط بشكل حقيقى وفاعل مع توتر الأحداث التى تنقلها وسائل التكنولوجيا المختلفة، مما زاد من حالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم. الصداع والدوخة من أكثر الأمراض العضوية التى تلازم أصحاب التكنولوجيا نتيجة التركيز لساعات على الشاشات المختلفة مما يزيد من الشعور بالصداع والدوخة وألم الرأس. التهاب وتورم العينين وتضيف أخصائية الباطنة أن هناك أمراضا تصيب العينين مرتبطة بشكل أساسى بالكمبيوتر والموبايل والسمارت فون، نتيجة صغر الشاشات وزيادة الألوان والحدة، فهى تؤثر على العصب البصرى وسلامة الشبكية بالتدريج، وتقلل من قوة الإبصار وتشوش الرؤية. أمراض العظام وهى أشهر الأمراض التى يسببها التعاطى اليومى مع الآى باد والكمبيوتر واللاب توب، فالرقبة تتضرر بشكل أساسى بحيث تصاب بالتهابات نتيجة التركيز لساعات على وضع واحد معين لها دون حراك أمام الكمبيوتر، فضلا عن عضلات أصابع اليد التى يطالها الالتهاب، وتورم المفاصل، فضلا عن حدوث التواء حقيقى فى فقرات الرقبة والعمود الفقرى نتيجة التركيز الدائم عليها. القلب أمراض القلب المختلفة وأصحاب القلوب الضعيفة هم الأكثر تضررا من وسائل التكنولوجيا فهم على تواصل دائم مع الأخبار اليومية وأكثر اهتماما عن غيرهم، مما يزيد من احتمالات إصابتهم بنوبات قلبية نتيجة الغضب أو الفرح أو التوتر المفاجئ.