افتتاح بطولة إفريقيا للكرة الطائرة «سيدات» بالأهلي    تامر حسني يبدأ تصوير فيلم «ري ستارت» في مايو    رحلة فاطمة محمد علي من خشبة المسرح لنجومية السوشيال ميديا ب ثلاثي البهجة    التربية للطفولة المبكرة أسيوط تنظم مؤتمرها الدولي الخامس عن "الموهبة والإبداع والذكاء الأصطناعي"    أسعار الذهب فى مصر اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    بالصور.. إحلال وتجديد 3 كبارى بالبحيرة بتكلفة 11 مليون جنيه    وزير التنمية المحلية يعلن بدء تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال العامة    خبراء الضرائب: غموض موقف ضريبة الأرباح الرأسمالية يهدد بخسائر فادحة للبورصة    وزيرة البيئة تعقد لقاءا ثنائيا مع وزيرة الدولة الألمانية للمناخ    النواب يرسل تهنئة رئيس الجمهورية بذكرى تحرير سيناء    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    وزير الخارجية الروسي يبحث هاتفيا مع نظيره البحريني الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتصعيد بالبحر الأحمر    ذاكرة الزمان المصرى 25أبريل….. الذكرى 42 لتحرير سيناء.    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش ويستعد لمواجهة حامل اللقب "على فرج"| فيديو    تحطم سيارتين انهارت عليهما شرفة عقار في الإبراهيمية بالإسكندرية    والدة الشاب المعاق ذهنيا تتظلم بعد إخلاء سبيل المتهم    الآلاف من أطباء الأسنان يُدلون بأصواتهم لاختيار النقيب العام وأعضاء المجلس    وفد جامعة المنصورة الجديدة يزور جامعة نوتنجهام ترنت بالمملكة المتحدة لتبادل الخبرات    «الصحة»: فحص 434 ألف طفل حديث الولادة ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    «التعليم» تستعرض خطة مواجهة الكثافات الطلابية على مدار 10 سنوات    سكاي: سن محمد صلاح قد يكون عائقًا أمام انتقاله للدوري السعودي    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 3 مايو    حصاد الزراعة.. البدء الفوري في تنفيذ أنشطة مشروع التحول المستدام لإنتاج المحاصيل    الناتو يخلق تهديدات إضافية.. الدفاع الروسية تحذر من "عواقب كارثية" لمحطة زابوريجيا النووية    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    مدينة أوروبية تستعد لحظر الآيس كريم والبيتزا بعد منتصف الليل (تعرف على السبب)    "الدفاع الروسية": "مستشارون أجانب" يشاركون مباشرة في التحضير لعمليات تخريب أوكرانية في بلادنا    إيرادات الخميس.. شباك التذاكر يحقق 3 ملايين و349 ألف جنيه    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خطيب الأوقاف: الله تعالى خص أمتنا بأكمل الشرائع وأقوم المناهج    مياه الشرقية تنفذ أنشطة ثقافية وتوعوية لطلبة مدارس أبو كبير    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    طريقة عمل ورق العنب باللحم، سهلة وبسيطة وغير مكلفة    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية بالعاصمة الإدارية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سميرة أحمد ضيفة إيمان أبوطالب في «بالخط العريض» الليلة    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان حتى 2025    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    مساعدو ترامب يناقشون معاقبة الدول التي تتخلى عن الدولار    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"سمير جعجع حياة وتحديات" كتاب يرصد تاريخ لبنان فى شخص "الحكيم" ويكشف علاقة قائد القوات اللبنانية بسوريا..ولماذا قال جعجع لن أشارك فى حكومة لا مكان فيها لعون وما دوره فى صعود الجنرال
نشر في اليوم السابع يوم 26 - 11 - 2014

"سمير جعجع حياة وتحديات".. كتاب يرصد مرحلة مهمة من تاريخ لبنان لكن بطريقة مختلفة، فهو اختار سيرة "الحكيم" سمير جعجع قائد القوات اللبنانية ليسرد من خلالها الاقتتال الداخلى فى لبنان، ثم اتفاق الطائف وما تبعه من "احتلال سورى" وفقاً لتوصيف الكثير من السياسيين اللبنانيين، ووصولاً إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى فى 2005 .
أهمية الكتاب الذى كتبته مصممة الإعلانات ندى عنيد التى عملت أيضا فى مجالى النشر وتنظيم فعاليات ثقافية، وصدر عن دار نوفل، التابعة لدار النشر العربية "هاشيت أنطوان" ببيروت، رغم كونه سيرة ذاتية لواحد من أهم الشخصيات السياسية فى تاريخ لبنان الحديث، إلا أنه لا يكن اعتباره تأريخاً من جانب جعجع لنفسه، كونه لم يطلع على الكتاب فى صيغته النهائية وفقاً لما قالته ندى عنيد، فهى اعتمدت على 18 ساعة جلستها مع جعجع، ثم خاضت تجربتها دون أن يكون للسياسى اللبنانى الأبرز دور فى الصياغة أو ترتيب مجرى الأحداث، أو رؤية الكاتبة لهذه الأحداث.
الكتاب المقسم إلى 16 فصلا، تناول فصولا من حياة جعجع فى مراحلها المختلفة، الطفولة فى بشرى، سنوات دراسة الطب فى الجامعة الأمريكية فى بيروت، متاريس الحرب، مواجهاتها السياسيّة ومعاركها الدامية، سنوات السجن الطويلة، الاتهامات والأحكام، إلى استعادة الحريّة والموقع السياسى.
البداية كانت صعبة، فالكاتبة اختارت لحظة اعتقال جعجع، ونقلت هذه اللحظات وكأنها كانت تعيش مع الحكيم لحظات اعتقاله مساء الخميس 21 إبريل 1994، فهى ترصد فى الفصلين الأول والثانى بالتفصيل انتظار جعجع تنفيذ قرار باعتقاله، خاصة بعدما صدرت صحيفة اللواء اللبنانية بمانشيت "اتجاه لاستحضار جعجع خلال ساعات"، وهو ما تيقن خلاله جعجع من أن مآله إلى الاعتقال، خاصة وأن القيادات الأمنية الموالية لسوريا لم تكن على وفاق معه، وفى نيتها تحميله عدد من الجرائم التى ارتكبت فى حينها، ومنها قتل رشيد كرامى، ومجزرة دانى شمعون وعائلته، والاعتداء على الوزير ميشال المر وتفجير كنيسة الزوق.. ولم يستمع جعجع لنصائح القريبين منه أو رسائل رئيس الدولة اللبنانية آنذاك إلياس الهراوى بمغادرة بيروت إلى أى وجهة يريدها، خاصة بعدما سمع الهراوى كما يورد الكتاب، من نائب الرئيس السورى عبد الحليم خدام حينما التقيا فى دمشق نوفمبر 1993 قوله إنه"ينبغى بأى ثمن الانتهاء من قائد القوات اللبنانية".
أيقن جعجع أن أمر اعتقاله ليس إلا مسألة وقت، لذلك راح يطمئن زوجته ستريدا جعجع، حتى حينما وصلت القوات لاعتقاله لم يشأ أن ينهار أمامها ولا أمام أنصاره، بل أن الكتاب فى الفصل الثانى "فى أقبية وزارة الدفاع" يرصد كيف تحمل جعجع التعذيب الذى تعرض له فى الزنزانة رقم 1 على يد سجانيه حتى لا تنتهى الفكرة.. فكرة الدفاع عن لبنان وتحريرها من يد مغتصبيها.. فمنذ أن وطأت قدماه السجن رغم أن الآمال كانت تراوده بأنه سيعود لمنزله بعد بضعة أيام، إلا أنه رسم لنفسه طريقة للتعايش مع الواقع الجديد المفروض عليه من جانب من أخذوا قرار اعتقاله.
فى الفصل الثالث تناولت ندى عنيد بعض صفات "الحكيم"، وقالت إن "الكبرياء، ونفاد الصبر، والسخرية، والتسلّط والاستفزاز... تلك الصفات التى أسهمت فى إرساء سمعته كمقاتل، ثمّ قائد، وأخيرًا زعيم، لم يعد لها مكان فى حياته الجديدة. على غرار الأنبا أنطونيوس الكبير الذى كان يمتحن قدرته على مقاومة الشيطان بالتصبّر على الشتائم التى كان يثيرها بنفسه، بنى جعجع بصبر دؤوب نظام مناعته فى وجه الإذلال، فكبت الغضب الذى كان يغلى فى داخله كلّما تمكّن من وضع اسم على أحد أصوات سجّانيه الذين لم يكن يرى وجوههم، أصوات باتت أليفة على مرّ الأيّام الطويلة".
وتدليلاً على تعايش جعجع مع وضع اعتقاله حتى لا تنكسر إراداته أوردت ندى عنيد بعض الأمثلة، وقالت "لم يكن من باب الصدفة أن يحرسه أبو شريف تحديدًا. فالحارس الموكّل به خصّيصًا والمكلّف بجعل اعتقاله أشقّ ما يمكن، شخص شرس وحادّ إلى درجة يبدو معها مضحكًا وسخيفًا. "العثمانيّون نسوا أحد عناصرهم فى سجن وزارة الدفاع"، قال مرّة للفرقة التى كانت تواكبه إلى قصر العدل، مثيرًا ضحك الجنود. فى انتظار بلوغ الترفّع المطلق، كان لا بدّ لسمير جعجع من التسلّح بروح الفكاهة والسخرية".
وتعرج الكاتبة إلى رصد كيف كانت تتحكم سوريا فى الأوضاع اللبنانية، وتناولت حديثا دار بين جعجع ونائب مدير المخابرات فى الجيش اللبنانى العقيد جميل السيّد حول أن الحلّ للمشكلات التى تواجهها القوّات اللبنانيّة يمرّ عبر إقامة علاقات جيّدة مع دمشق، وقالت إن "تلك المحادثات مع الضابط السورى جرت فى أجواء من اللباقة الدبلوماسيّة، بدون أن تفضى إلى أى نتيجة ملموسة، حيث بقيت المسائل التى جرى بحثها موضع خلاف. كان السوريّون، عملًا بتكتيكهم المعهود، يغذّون الخلافات بين المسئولين والقادة اللبنانيّين ويدفعون إلى التصعيد، حتّى يهرعوا بعد ذلك لنزع فتيل الأزمة التى أثاروها أو إخماد الحريق الذى أشعلوه بأنفسهم".
وأشارت ندى عنيد إلى أن جعجع يتذكر المحاولة الأخيرة للتوافق مع السوريّين التى لم تُكلّل بالنجاح، وهى المحاولة التى جرت فى يناير 1994، "حين زار القرداحة، مسقط رأس عائلة الأسد فى شمال سوريا، لتقديم تعازيه للرئيس بوفاة نجله البكر باسل الأسد فى حادث سير. انصبّ الاهتمام بالكامل يومها على زيارة قائد القوّات اللبنانيّة وبقيت كلّ الأنظار موجّهة إلى سمير جعجع الجالس فى صفوف الزوّار الرفيعى المستوى، ويذكر أنه حين خرج يومها تحت المطر من صالة التعازى، بإدارة اللواء الركن غازى كنعان عارضًا عليه زيارة دمشق "فى أقرب وقت" لتسوية المشكلات العالقة بين حزبه والنظام السورى. كان جواب الحكيم واضحًا وقاطعًا: "جئت لمواساة والد مفجوع، لا لإنكار مبادئى أو الموافقة على ما هو مرفوض". والمرفوض كان "معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق" التى فرضتها سوريا على لبنان من أجل تكريس هيمنتها على بلد الأرز، وتلك الحكومة اللبنانيّة الدمية المؤلّفة من أربعة وعشرين وزيرًا يتلقّون تعليماتهم من دمشق ".
ومن التواجد السورى إلى النفوذ الأمريكى تأخذنا الكاتبة حينما تقول "كانت 1988 سنة مفصليّة للبنان. ففى فبراير من ذلك العام، زارت أبريل جلاسبى، مسئولة قسم لبنان وسوريا والأردن فى وزارة الخارجيّة الأمريكية، بيروت للبحث فى إمكان التوصّل إلى اتّفاق بين دمشق والمعسكر المسيحى اللبنانى على من يخلف أمين الجميّل، قبيل انتهاء ولايته الرئاسيّة فى سبتمبر.. كانت واشنطن فى ذلك الحين تغازل الأسد الذى أسهم فى تحرير رهائن أمريكيّين، وقام عبر حركة أمل الشيعيّة المتحالفة معه بالقضاء على الميليشيات السنّيّة فى بيروت، وتحجيم الحزب التقدّمى الاشتراكى، وقمع الفلسطينيّين خلال حرب المخيّمات المدمّرة، والتصدّى لتوسّع حزب الله المدعوم من إيران. هكذا أحكمت حركة أمل سيطرتها على بيروت الغربيّة، ممهّدة بذلك لعودة السوريّين بمباركة الغرب إلى هذا الشطر من العاصمة بعدما أُرغمت على الخروج منه فى نهاية أغسطس 1982"، مشيرة إلى أن مهمّة جلاسبى فشلت، كما فشلت محاولة لاحقة فى أبريل. فسوريا المعادية لأى تفاهم بين الطوائف والفصائل اللبنانيّة، مارست ضغوطًا شديدة على القادة المسلمين الذين لم يسعهم سوى أن يرفضوا أى انفتاح ومشاريع اتّفاق طرحتها السلطة، ومنها خطّة من ثمانى نقاط عرضها أمين الجميّل.
ويكمل كتاب "سمير جعجع حياة وتحديات" رصده للتاريخ اللبنانى الحديث فى شخص جعجع بقوله، "عاد أمين الجميّل والتقى مع حافظ الأسد فى يونيو 1988 فى إطار القمّة العربيّة الاستثنائيّة التى أكّدت دعم الانتفاضة الفلسطينيّة، كان ذلك أوّل لقاء بينهما منذ سقوط الاتّفاق الثلاثى فى يناير 1986. تعهّد الرئيس اللبنانى بأن يرفع إلى نظيره السورى لائحة بأسماء أربع أو خمس شخصيّات يمكنها تولّى سدّة الرئاسة، حتّى يوافق على واحد منها"، مضيفا "سعيًا لضمان تأييد القوّات اللبنانيّة، توجّه أمين الجميّل ونائب قائد القوّات كريم بقرادونى فى 9 يوليو فى مروحيّة إلى جبل القطّارة فى قضاء جبيل، حيث كان سمير جعجع يقضى فصل الصيف بعد نجاته من ثلاث محاولات اغتيال. كادت الرحلة تنتهى بمأساة، إذ اصطدمت مروحة الطوّافة بكابلات عمود كهربائى للتوتّر العالى، ما اضطرّ رئيس الجمهوريّة الذى كان يقود بنفسه المروحيّة، إلى القيام بهبوط اضطرارى فى حقل قمح، وقال الجميّل لجعجع الذى تقدّم للترحيب به: "تصوّر لو وقع حادث كم سيكون من الصعب إقناع الجميع بأنّه لم يكن مدبّرًا"، فأجاب جعجع وهو يضحك، ساخرًا ممّا يُنسب إليه عادة من نوايا مكيافيليّة: "لظنّوا بالتأكيد أن بقرادونى أراد أن يصالحنا، فاغتنمت الفرصة لتصفيتكما دفعة واحدة".
الكتاب تناول أيضا قصة الصعود السياسى لميشيل عون ومن مفارقات القدر أن عون الذى ينافس جعجع اليوم على رئاسة لبنان، قد صعد السياسة وفقاً لما رصدته الكاتبة بدفع من جعجع، فالكتاب تناول بالتفصيل ما حدث فى أغسطس 1988 من مفاوضات للتوافق على رئيس جديد يخلف المنتهى ولايته أمين الجميل، فسوريا كانت تدفع بسليمان فرنجية صديق حافظ الأسد، لكن القيادات المسيحية وتحديداً أمين الجميل وسمير جعجع والجنرال ميشال عون رفضوا هذا الترشيح، ونجحت وحدة الصف المسيحى فى نسف الجلسة النيابية التى كان مقرراً عقدها لانتخاب الرئيس فى 18 أغسطس، وهو ما دفع الولايات المتحدة للتدخل لطرح مرشح آخر وهو النائب مخايل الضاهر، وفى محاولة لإيجاد مخرج وبعد مشاورات ماراثونية بين قصر بعبدا ودمشق والقوى اللبنانية تم استدعاء ميشال عون للقصر الرئاسى بعدما أصدر مرسوماً بتعينه على رأس حكومة انتقالية مكلفة بالتحضير للانتخابات الرئاسية، فدفع أمين الجميل بعون إلى مقدمة الساحة السياسية رغم أنه لم يكن ينوى يوماً توزيره، لكن الذى غير المعادلة هو جعجع الذى جعل الجميل يغير رأيه حين قال له "لن أشارك فى حكومة لا مكان فيها لعون"، وبعدما كان الجنرال قبل أيام قليلة غير مرغوب فيه وجد نفسه على رأس حكومة يمسك فيها بحقيبتى الدفاع والإعلام.
فى الفصلين، الرابع "اتفاق الفرصة الأخيرة"، والخامس تناول الكتاب المحاولات العربية لحل الأزمة اللبنانية بعد تشكيل الجامعة العربية للجنة ثلاثية عليا، ضمت العاهل السعودى الملك فهد بن عبد العزيز وعاهل المغرب الملك الحسن الثانى والرئيس الجزائرى الشاذلى بن جديد، والمحاولات السورية لعرقلة عمل هذه اللجنة وما تلى ذلك من إصدار بيان للجنة العربية فى 15 سبتمبر 1989 من سبع نقاط ينص على جدولة إعادة انتشار الجيش السورى فى البقاع خلال مهلة سنتين من تاريخ إقرار الإصلاحات الدستورية المطلوبة، وهو البيان الذى لاقى تجاوبا من الجميع بلا استثناء إلا عون الذى رأى فيه إعلان حرب جديد، ثم جاءت اللحظة الفارقة باستعداد اللبنانيين للتوجه إلى مدينة الطائف جنوب السعودية للمصادقة على "وثيقة وفاق وطنى" كان من المفترض أن تضع حداً للحرب.
ووسط حالة التشكك فى التوصل لاتفاق كان جعجع فى الكواليس يشجع المترددين والمتخوفين من غضب الشارع المسيحى معتبراً أن تلك هى بداية العملية التى ستفضى أخيراً إلى انتخاب رئيس للجمهورية، إلى أن صادق جميع النواب اللبنانيين فى 23 أكتوبر 1989 بالطائف على الوثيقة والتى نصت على إلغاء الطائفية السياسية والحد من صلاحيات رئيس الجمهورية المارونى ونقلها إلى رئيس الوزراء السنى وتوسيع اللامركزية الإدارية وحل جميع الميليشيات وبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها.
لكن عون رفض الاتفاق واتهم الموقعين عليه بالخيانة وعادت لبنان إلى حالة الحرب مرة أخرى، فلم تدم ولاية الرئيس الجديد رينيه معوض الذى انتخب فى الخامس من نوفمبر سوى 17 يوماً لم يتمكن خلالها من الوصول لقصر بعبدا الذى رفض عون الخروج منه، واغتيل معوض يوم عيد الاستقلال، ثم انتخب إلياس الهراوى القريب من حافظ الأسد، وأعلن عزمه إخراج عون من بعبدا فأقاله بعد 3 أيام من مهامه وعين العماد أميل لحود قائداً للجيش .
وأشار الكتاب إلى التزام القوات اللبنانية بقرار الهراوى بحل كل الميليشيات اللبنانية عدا حزب الله، وسلمت القوات السلاح وبدل جعجع ملابس القتال ببدلة مدنية.
وفى الفصل الخامس "الإيمان والمنطق" تناولت الكاتبة حياة جعجع منذ ولادته فى 25 أكتوبر 1952 بحى المجادلة الشعبى عند تخوم بيروت لعائلة مسيحية متواضعة وصولاً إلى انتسابه بقسم الكتائب فى المنطقة التى كان يعيش فيها وهو ما لاقى رفضا من والديه، ويستكمل الفصل السادس "للضرورة أحكامها" حياة جعجع خاصة حينما انتسبا هو وشقيقه جوزيف فى الجامعة الأمريكية ببيروت بعدما حصلا على منحة دراسية من لجنة جبران الوطنية، ووصولا إلى ما حدث فى مخيمات تل الزعتر وبرج البراجنة وصبرا وشاتيلا.
"محاكمات واتهامات" و"عدالة البشر" هو عنوان الفصلين السابع والثامن حيث يتناولان مرحلة ما بعد اعتقال جعجع وما تعرضت له زوجته ستريدا من مضايقات من المخابرات والأجهزة الأمنية، مع الإشارة إلى مطالبة المدعى العام التميزى بإعدام سمير جعجع وسبعة من معاونيه لمسئوليتهم فى تفجير كنيسة سيدة النجاة، واستمرت ستريدا فى محاولاتها مع المحاميين والقانونيين وسط مراقبة أمنية مشددة فى كل تحركاتها.
فى الفصل التاسع "زمن الغضب" رصدت ندى عنيد بدقة حياة الحكيم جعجع فى الزنزانة، وكيف كانت تعانى ستريدا أثناء زيارتها الأسبوعية لزوجها، ثم تعرج بنا الكاتبة إلى لحظة مهمة فى تاريخ جعجع، حينما انجلت فى 13 يوليو 1996 الحقيقة فى الملف القضائى الأكثر إشكالية فى تاريخ لبنان المعاصر حينما قالت المحكمة "باسم الشعب اللبنانى تعلن المحكمة بالإجماع سمير فريد جعجع بريئا فى قضية اعتداء الزوق"، لكن مع ذلك ظل الحكيم مسجونا للحكم عليه 10 سنوات لإدانته بتشكيل مجموعات مسلحة.
"رأيت أسوأ من هذا بكثير، الأصعب بات خلفنا" تلك رسالة جعجع لأنصاره والتى بدأت بها ندى الفصل العاشر، الذى تناول أيضا الأوضاع داخل لبنان بعد حادث الاعتداء على السفير الإسرائيلى فى لندن شلومو أرغوف، وإطلاق النار عليه فى 4 يونيو 1982 والذى كان نتيجيته شن إسرائيل غارات كثيفة على لبنان التى كانت تأوى منظمة التحرير الفلسطينية المتهمة من جانب إسرائيل بالوقوف خلف العملية .
وعودة مرة أخرى إلى محاكمة جعجع يركز الفصل الحادى عشر "والحياة تستمر" على جلسة استجواب جعجع فى قضية محاولة اغتيال ميشال المر، وهى القضية التى انتهت إلى الحكم فى 9 مايو 1997 بإعدام جعجع، وما تلى ذلك من تجديد للمضايقات بحق زوجته ستريدا واستدعائها من قبل المحكمة العسكرية، ويستكمل الفصل الثانى عشر "مضايقات يومية صغيرة" رصد ما تعرضت له ستريدا .
فى الفصل الثالث عشر" الماضى مرة أخرى " نقرأ كيف عايش جعجع مصيره داخل السجون وكيف كانت المستشفيات هى المتنفس الوحيد له، وبعدها وتحت عنوان "رياح التغيير" تحدث الفصل الرابع عشر عن حظوظ جعجع فى الإفراج عنه، خاصة مع بداية 2002، وما قام به جورج حاوى الأمين العام السابق للحزب الشيوعى اللبنانى بالتوسط لدى دمشق على الأقل لتحسين ظروف اعتقال جعجع، وصولاً لصدور أول تقرير طبى علنى عن صحة جعجع أواخر 2004 مفاده أن ذاكرته ممتازة وحالته الذهنية قوية وجسده يقاوم بطريقة مدهشة ظروف اعتقاله القاسى، إلا أن الأطباء وجدوا أنه يعانى من "تميع عظمى" نتيجة نقص الكالسيوم والفوسفور وفيتامين "د" وهو مرض شبيه بداء الكساح لدى الأطفال، وبالتوازى مع ذلك كانت تشهد لبنان بالخارج تغيرات جديدة بدءً من محاولة اغتيال النائب مروان حمادة قبل ساعات من صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559 حول لبنان والذى طالب بانسحاب كل القوات الأجنبية من لبنان وحل جميع الميليشيات، ثم كان التغيير الكبير مع مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريرى الذى أدى إلى انسحاب القوات السورية من لبنان وتوالى الاغتيالات السياسية التى طالت معارضى الوجود السورى فى لبنان .
ثم كانت لحظة الانطلاق الجديدة للحكيم جعجع حينما حصل على عفو من البرلمان فى 18 يوليو 2005، وبعدما قضى جعجع أكثر من 11 عاماً فى السجن، غادر زنزانته فى 26 يوليو بعدما ودع الحراس المناوبين ثم خرج من مبنى وزارة الدفع دون أن يلقى نظرة واحدة إلى الخلف .. إلى الزنزانة التى باتت مطبوعة فى قلبه إلى الأبد.
"أيها اللبنانيون خرجتم من السجن الكبير الذى كنتم قد وضعتم فيه فأخرجتمونى معكم بالفعل ذاته من السجن الصغير الذى كنت قد وضعت فيه".. هكذا خاطب جعجع أنصاره فور إطلاق سراحه.
"المياه تعود إلى مجاريها" هو عنوان الفصل الخامس عشر الذى نقل لحظات انتقال جعجع من السجن إلى الحياة، وسفره إلى فرنسا مع ستريدا، وقالت ندى عنيد "حرص جعجع على ولوج حياته الجديدة تدريجيًّا، خطوة خطوة، حتّى لا يباغت التغيير جسده أو نفسيّته، أو تكون وطأته شديدة عليهما. تعامل مع حرّيّته المستعادة مثلما تعامل مع اعتقاله. عمد إلى إدخال أطعمة جديدة يومًا بعد يوم إلى غذائه، وقلّص تدريجًا المدّة المخصّصة لوجباته، بعدما كانت محطّات مميّزة من يوميّاته فى السجن، اعتاد التلذّذ بها طويلًا. من دون تسرّع، وعلى إيقاع دقيق، كان يرجئ إلى وقت لاحق كلّ ما يحدس بأنّه غير قادر على احتماله بعد. وفيما كان المحيطون به يتوقّعون أن يُفتَن بكلّ ما يراه، لم يُبدِ أى فرحة، ولا حتّى أى دهشة حيال أى شىء".
كان يتحدّث جعجع عن اعتقاله بكلام دقيق، بدون الإسراف فى المشاعر، وكأنّ السجن مرحلة لا بدّ منها فى مساره، محطّة مرهقة بالتأكيد، لكنّها فى نهاية المطاف طبيعيّة على ضوء المنحى الذى اتّخذته حياته، وكان من الصعب على جعجع تخطّى بعض ردود الفعل التى اكتسبها فى السجن، فكان يجفل وينزعج من الجلبة والأصوات القويّة ورنين الهاتف، حتّى كان لا يزال يشعر بالحاجة إلى الاختلاء بنفسه فترات طويلة. كذلك، كان يطمئنّ لطقطقة المفاتيح تدور فى الأقفال، فيطلب أن تقفل جميع الأبواب، وخصوصًا فى المساء عندما تحين ساعة النوم، مثلما اعتاد فى السجن.
ويقول الكتاب "على مرّ نزهاتهما الطويلة معًا والساعات التى كانا يقضيانها وحيدين، استعادت ستريدا يومًا بعد يوم الرجل الذى عرفته قبل أكثر من خمسة عشر عامًا. لكنّها ظلّت تثور كلّما كانت تستعلم عن رأيه فى وضع أو موقف جديد، فيردّ على فضولها بعبارات فاترة، من نوع "لا شىء إطلاقًا" أو "كلّ شىء طبيعى"، أو تلك العبارة الإنجليزيّة خصوصًا "business as usual"التى باتت محطّ كلام ومزاح بينهما".
موضوعات متعلقة
وزير الداخلية اللبنانى: لن يتم انتخاب عون أو جعجع للرئاسة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.