جلست معها أتحادث فرأيتها شاردة وكأنى أحادث شخصا آخر أو فى عالم آخر متباعدة والدموع بمقلتيها تأبى السقوط يداها ترتعشان فسألتها ما بكى يا صديقتى لم السكوت! فنظرت لى وانحدرت تلك الماسة التى تأبى الهبوط وقالت ها قد جاء الشتاء وهبطت الأمطار وأنا مازلت قيد الانتظار لا شىء يشفى علتى يداى مقيدتان بالأغلال وما بهما من خيار. اتعلمين ما الشعور حينما تكونين وحدك فى صحراء جرداء ضالة طريقك وتبحثين عن الماء فى كل مكان ولا تجدين سوى الخواء! قلت لها: ما بكى حاكينى فربما معى الشفاء! ابتسمت بسخرية وقالت: ألا تدرين أن شفائى حين أرى هاتين العينين السوداوين فتنظران لى وتحتوينانى ببريقهما المعتاد فأنسى كل همومى وأصير أسيرة لتلك اللحظة الصماء اللتى يختفى فيها الكون كله، وتظل فقط تلك اللحظة وتلك العميقتان اللتان تحتويانى وتغمض جفونها فأكون فقط حينها على شط الأمان وتقل لى ثقى بى فأنا لكى الدواء أنا من تحميكى من حياتك ومن طريق الشقاء فأقول لها ابقى معى للأبد فأنت من أريدها فى هذه الحياة فأنت لى الماء وأنت منبع الحب وحين أمتلكك أكون ملكت الأرض والسماء فقالت لى فأنن أخشى البقاء إنى أخاف أن أشعر بك فأرفض الرحيل ولا تجدين منى لكى العطاء قلت لها تتكلمين عن العطاء إلا تعلمين أنى بدونك كالجسد بلا روح وحينما فقط أرى ظلك من بعيد تنظرين لى فى الخفاء أكون كالنبتة، التى أوشكت على الموت فسقيتها بالماء فصارت زرعا تدب به الحياة فإنى لا أطلب منك سوى البقاء ولا أملك بيدى شيئا سوى الدعاء أدعو الله أن يحفظكى أينما تكونى فبدونك لا أقوى على الحياة وأى حياة، وأنت لى الروح والغذاء فإنى أشتاق لكِ بعدد تحرك عقارب الساعة كل ليلة فكل ثانية تمر بى وكأنها دهر فما بالك أن مر شهر! فما مر سوى ليليتين وأنا بدونك اشعر بالفناء. فبكيت مع صديقتى وقلت لها ليس بيديكى شىء سوى الصمود فهو لكى الروح وفى شريانك الدماء وهو ايضا لكى الهواء فما رايت فى حياتى جنون الحب وها أنا أراه امامى متمثل فى صديقتى الحمقاء فإنى أرثى حالكى واتمنى ان يعود لكى حقا فهو لكى الشفاء. فقالت لى بل صار كالإدمان يجرى فى عروقك مجرى الدماء و يضخ الى قلبى الذى يدق من أجله فقط وبدونه لا يأوى على البقاء فقد صرت بدونه كالعمياء فحينما أراه فقط وكان روحى التى فارقتنى عادت فما طلبت من الله سواه فهو أمنيتى فى السراء والضراء كهبوط المطر فى صحراء فيكون موسم الشتاء فهو لجسدى الروح ولقلبى النبض ولشريانى الدماء ولعينى الدواء فرثيت حالها ودعوت الله أن يجمع بينهما فهى ما طلبت من الله سواه فهو مقلب القلوب وبيديه ملكوت الأرض والسماء.